243
انظر كيف اشتغلوا بتحويل قفارها إلى جنات فأنشأوا بها المزارع الواسعة والحدائق الغناء. لقد عرفوا من أين تأكل الكتف لأن الذي يجول في أكناف بركان فيزوف يعلم أن التربة المحيطة به في غاية الخصب والجودة وها هم قد زرعوا الزيتون والفاكهة والحبوب المختلفة وليس ذلك فقط بل حفظوا مزروعاتهم من برودة الجو وحرارته فهم إذا اشتدت حرارة الغيظ أرسلوا من الهواء الخزون نسيمًا باردًا ينعش الزروع. وإذا برد الهواء أطلقوا الأنابيب الساخنة فوزعت الحرارة في سائر أرباضها وإذا نزل المطر لم يخشوا منه على إتلافها بل حولوه إلى منافع وجعلو هذه الجزيرة بمنزلة الفردوس فياله من ذكاء مفرط وحذق عظيم وقد غاب عني أن أذكر لك مافعله أحد أطباء الألمان ممن استوطن هذه الجزيرة. فإنه حلل نور الشمس بالموشور فرأى خلف الشعاع البنفسجي طيفًا أسمر عرفت خصائصه الكيماوية من عهد بعيد ولكن له شعاعًا آخر ذا خصائص عجيبة من شأنها أن تزيد القوات الحيوية. وقد خطر لهذا العالم أن يصنع قرصًا محدبًا فوق قمة الجبل شفافًا كالبلور يدور على محور كالساعة ليسير مع الشمس إني اتجهت وحصر شعاعه في نقطة المحترق بكيفية قوية وزعها على بستانه فعكست سائر ألوان قوس قزح عليه وكانت أشعتها كصفائح الحرير أخذ ضياؤها الأبصار. ومما زاد النظر بهجة هو أن توزيع هذه الأشعبة كان على نسب جميلة لأن النباتات نمت بواسطتها نموًا عظيمًا لا يمكن لحالة جوية أن تفعل مثل هذا الفعل في أية بلاد كانت فعظم البرتقال وبلغ محيط جذع الشجرة منه عشرين قدمًا وصارت البرتقالة الواحدة كالبطيخة وبلغ العنب مبلغًا من النمو لا يصدق فالعنبة الواحدة تشبه البرتقالة حجمًا وسرى هذا الأسلوب في كل مزارع الجزيرة حتى أصبحت منقطعة النظير. ولكن لما كان دوام الحال من المحال أصبحت ذات يوم وأنا أستنشق الهواء العليل وإذا الجبل يدخن والنار تضطرم في جوانبه والناس يروحون ويجئون كالمجانين وقد انقلبت سخناتهم واربدت وجوهم ثم أخذوا يصرخون الانفجار الانفجار! وتلا ذلك صوت دوت له جوانب الجبل فخرجت الحمم والمواد المصهورة واقتلعت المعامل وقذفت الأنابيت والمكابس وطارت شظايا الحديد إلى كل ناحية لأن البركان استعاد قوته وهجم على الأحياء

4 / 62