258

Al-Majālis al-waʿẓiyya fī sharḥ aḥādīth khayr al-bariyya ṣallā Allāh ʿalayhi wa-sallam min Ṣaḥīḥ al-Imām al-Bukhārī

المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من صحيح الإمام البخاري

Editor

أحمد فتحي عبد الرحمن

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

Ḥadīth
المجلس الرابع عشر
في ترجمة عمر بن عبد العزيز ﵁ ونفعنا به بمنه وكرمه
الحمد لله الذي تعزز في وحدانيته فهو الواحد العزيز، وتفرد في أزليته وأغرق العالم في بحر الحيرة والتعجيز، أتقن خلق الموجودات فليس في إتقان صنعته نقص ولا تعويذ، زين شقة حلة السماء بنعوت إليها وطرزها بالكواكب المشرقة أي تطريز، ورقم كميها برقم الشمس والقمر كالفضة النقية والذهب الإبريز، وحرسها من استراقاق السمع بالشهب الثواقب أتم وأمنع تحجيز، وجلاها على عيون المعتبرين أولى العقل والتميز، وسطح الأرض على تيار الماء وأبرزها بقدرته أحسن تبريز، وثبتها برواسي الجبال وجعلها مسكنًا للرجال والأقطاب والصالحين والأنجاب وخلع عليهم التكريم والتعزيز، صرف عنهم الدنيا فلم يعرفوا الإدخار والتكنيز، وجعلهم قائمين بحقه خلفاء على خلقه لمن فهم الأشاير والتلفيز، وخص منهم من شاء بالرفق في بلاده، والنصيحة لعباده كالصحابة ومن تابعهم مثل عمر بن عبد العزيز.
قال البخاري «وكتب عمر بن عبد العزيز» هذا هو الإمام العادل خامس الخلفاء عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي القرشي التابعي، الخليفة الراشد المجمع على جلالته وزهده وعلمه وشفقته على المسلمين.
ترجمته أفردت بالتأليف، ويكنى أبا حفص، وكان مولده بالمدينة سنة ثلاث وستين وهي السنة التي ماتت فيها زوج النبي ﷺ، وكان كثير الخوف ﵁.
وقال يزيد بن حوشب: ما رأيت أكثر خوفًا من الحسن ومن عمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما.
وقال الحارث بن زيد جار عمر بن عبد العزيز ﵀: لقد سمعت عمر بن عبد العزيز لما أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو يتململ كالسقيم، ويبكي بكاء الحزين وهو يقول: يا دنيا إليَّ تعرضت أم إليً تشوقت، هيهات هيهات غري غيري قد طلقتك ثلاثًا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير، وغنيك فقير وعيشك حقير وخطرك كبير.
وكان ﵁ إذا صلى الصبح أخذ المصحف في حجره، ودموعه تنحدر تبل لحيته، فكلما مر بآية تخيفه رددها فلا يتجاوزها من كثرة البكاء حتى تطلع الشمس، أنشد بعضهم:

1 / 304