Majalis Sultan Ghuri
مجالس السلطان الغوري: صفحات من تاريخ مصر في القرن العاشر الهجري
Genres
يدبر الملك من مصر إلى عدن
إلى العراق، فأرض الروم فالنوب
كانت مصر والشام وبلاد العرب، وبعض الجزيرة الفراتية، وبلاد العواصم، وهي القسم الجنوبي من آسيا الصغرى، في سلطان ملوك مصر في معظم العصور الإسلامية، وكانت كذلك أيام الغوري، وكان بنو رمضان الذين تسلطوا في أذنة وطرسوس وما يليهما يولون من قبل سلاطين مصر.
وبلغت الأساطيل المصرية سواحل الهند، وبنت عليها قلاعا لحماية التجارة، وقد اجتهد الغوري زمنا في الاحتفاظ بسلطان المصريين في تلك الأرجاء، على رغم البرتغاليين، وكان بعض أمراء الهند يستنجده على الفرنج فيرسل الأساطيل والجند في الحين بعد الحين.
وكان للغوري، ولسلاطين المماليك من قبله، الزعامة بين ملوك المسلمين؛ لتوليهم خدمة الحرمين الشريفين، ولمكان الخلافة العباسية في مصر، ومن يتتبع الرسائل التي كانت بين ملوك مصر وغيرهم من الملوك المسلمين، ويتعرف أحوال الأقطار الإسلامية في تلك العصور يعرف أن ملوك مصر لم يكونوا ينازعون في هذه الزعامة. وحسب الباحث أن يقرأ الرسائل التي تراسل بها سلاطين آل عثمان ومماليك مصر. وكثير منها محفوظ في منشآت السلاطين التي جمعها فريدون بك في القرن الحادي عشر الهجري.
ولهذا نجد في تاريخ الغوري كثيرا من أخبار الرسل أو القصاد الذين كانوا يترددون بينه وبين الأقطار الإسلامية، وغير الإسلامية؛ نجد رسلا من الهند وإيران والعراق ومن قبل السلاطين العثمانيين، وأمراء آسيا الصغرى، ومن بلاد السودان والحبش، ومن بلاد الكرج وأوروبا وجزر بحر الروم، وكثير من الأمراء المغلوبين على أمرهم كانوا يلجئون إلى مصر؛ ليستنجدوا سلاطينها، أو يقيموا فيها آمنين.
يقول ابن إياس في حوادث ربيع الآخر سنة 918: «ومن العجائب أن في هذا الشهر اجتمع عند السلطان نحو من أربعة عشر قاصدا، وكل قاصد من عند ملك على انفراده. فمن ذلك قاصد شاه إسماعيل الصفوي، وقاصد ملك الكرج، وقاصد ابن رمضان أمير التركمان، وقاصد من عند ابن عثمان ملك الروم، وقاصد يوسف ابن الصوفي خليل أمير التركمان، وقاصد صاحب تونس ملك الغرب، وقاصد من مكة، وقاصد الملك محمود، وقاصد ابن درغل أمير التركمان، وقاصد من عند نائب حلب، وقاصد من عند حسين الذي توجه إلى الهند، وقاصد ملك الفرنج الفرانسة، وقاصد البنادقة، وقاصد على دولات، وغير ذلك قصاد من عند جماعة من النواب.»
صورة تبين السلطان جالسا على باب قصره يستقبل السفراء.
ولا أريد أن أبين هنا مكانة مصر وعلاقتها مع بلاد الشرق والغرب إذ ذاك؛ فإن من أصعب المباحث التاريخية وأوسعها وأكثرها إمتاعا أن يدرس التنافس بين الدول الإسلامية المتجاورة: الدولة المصرية، والدولة العثمانية، والدولة الصفوية، وموقف مصر بين جارتيها وبين الدول الأوروبية التي تنافسها في بحر الروم وبحر العرب إلى الهند، وتعرف الأسباب التي مكنت سليما من أن يهزم إسماعيل الصفوي وقانصوه الغوري، والأسباب التي أخرت الدول الإسلامية عامة عن منافسة الأوروبيين في مغامراتهم في بحار الشرق.
إن هذه المباحث وما يتصل بها ليست مما يتسع لتفصيله أو إجماله هذه المقدمة؛ وإنما ألمعت إلى هذه الحوادث؛ لأبين مكانة مصر وسلاطينها في ذلك العصر، وأبين العبء الذي اضطلع به الغوري في تدبير أمور مصر الداخلية والخارجية.
Unknown page