94

The Keys to the Unknown

مفاتيح الغيب

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الثالثة

Publication Year

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

بيروت

فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا حَصَلَ الْوُجُودُ بِمَعْنَى الْوِجْدَانِ لَزِمَ حُصُولُ الْوُجُودِ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَالتَّحَقُّقِ إِذْ لَوْ كَانَ عَدَمًا مَحْضًا لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَنَقُولُ: هَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْوُجُودِ بِمَعْنَى الْوِجْدَانِ وَالْمَعْرِفَةِ حُصُولُ الْوُجُودِ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ، لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمَعْدُومَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا، وَالثَّانِي: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ لَيْسَ إِلَّا فِي اللَّفْظِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الِاسْمِ بِحَسَبِ مَعْنَى حُصُولِ الِاسْمِ بِحَسَبِ مَعْنًى آخَرَ، ثُمَّ نَقُولُ: ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ إِطْلَاقُ هَذَا الِاسْمِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: أَلَسْتُمْ قُلْتُمْ إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ كَوْنُهَا دَالَّةً عَلَى الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، وَلَفْظُ الْمَوْجُودِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ؟. قُلْنَا عَدَلْنَا عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ، وَأَيْضًا فَدَلَالَةُ لَفْظِ الْمَوْجُودِ عَلَى الْمَدْحِ أَكْثَرُ مِنْ دَلَالَةِ لَفْظِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عِنْدَ قَوْمٍ يَقَعُ لَفْظُ الشَّيْءِ عَلَى الْمَعْدُومِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، أَمَّا الْمَوْجُودُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَعْدُومِ الْبَتَّةَ، فَكَانَ إِشْعَارُ هَذَا اللَّفْظِ بِالْمَدْحِ أَوْلَى. الثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ الْمَوْجُودِ بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ يُفِيدُ صِفَةَ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ عَلَى وُجُودِهِ وَإِلَاهِيَّتِهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مَوْجُودٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ وَاجِبٌ الْإِقْرَارُ بِهِ عِنْدَ كُلِّ عَقْلٍ، فَهَذَا اللَّفْظُ أَفَادَ الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الشيء. معنى قولنا ذات الله: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الذَّاتِ: رَوَى عَبْدُ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْهَرَوِيُّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَمَّاهُ «بِالْفَارُوقِ» أَخْبَارًا تَدُلُّ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ: أَحَدُهَا: عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ أَجْرًا الْوَزِيرُ الصَّالِحُ مِنْ أَمِيرٍ يُطِيعُهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ»، وَثَانِيهَا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكْذِبْ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ»، وَثَالِثُهَا: عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَسُبُّوا عَلِيًّا فَإِنَّهُ كَانَ مَخْشُوشًا فِي ذَاتِ اللَّهِ»، وَرَابِعُهَا: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَكَ وَهَوَاكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ» وَخَامِسُهَا: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ لِلشَّيْطَانَ مَصَايِدَ وَفُخُوخًا مِنْهَا الْبَطَرُ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، وَالْفَخْرُ بِعَطَاءِ اللَّهِ، وَالْكِبْرُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعُ الْهَوَى فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ» . وَأَقُولُ: إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَصَلَ بِهِ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ مُذَكَّرًا قِيلَ إِنَّهُ ذُو ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَنَّثًا قِيلَ إِنَّهَا ذَاتُ ذَلِكَ الْأَمْرِ، فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ هَذِهِ النِّسْبَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ تُثْبَتَ هَذِهِ الصِّفَةُ لِصِفَةٍ الثانية، وَتِلْكَ الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ تُثْبَتُ لِصِفَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهَكَذَا إِلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا مُسْتَقِلَّةٍ بِمَاهِيَّتِهَا، وَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ أَنَّهَا ذَاتُ تِلْكَ الصِّفَاتِ، فَقَوْلُنَا: «إِنَّهَا ذَاتُ كَذَا وَكَذَا إِنَّمَا يَصْدُقُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهَا، فَلِهَذَا السَّبَبِ جَعَلُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ كَاللَّفْظَةِ الْمُفْرَدَةِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْحَقُّ تَعَالَى قَيُّومًا فِي ذَاتِهِ كَانَ إِطْلَاقُ اسْمِ الذَّاتِ عَلَيْهِ حَقًّا وَصِدْقًا، وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنِ الْأَنْصَارِيِّ الْهَرَوِيِّ فَإِنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الذَّاتِ فِيهَا حَقِيقَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَاهِيَّتَهُ،

1 / 114