وأنا أنام وحدي.
وطريق المفكر والشاعر الغنائي طريق وحيد، وقد ارتفع أفلوطين فوق ذاته وفوق العالم، وأعتقد أنه سيجد في الواحد عزاءه الأخير، ولكنه ظل مع ذلك وحيدا، حتى مع الواحد، هنالك لم يبق أمامه إلا الصمت والسكون.
ومع ذلك فسوف يجد الإنسان دائما ما يعزيه عن وحدته أو ما يبعده عنها، في العمل أو الحب أو الطموح أو الكفاح اليومي من أجل لقمة العيش، أما من لا يجد العزاء في شيء، فماذا تكون حاله؟ وكم يا ترى تكون قسوته وحدته؟
تعلموا أن الإنسان يعلو على الإنسان
في زمن يطغى عليه ضجيج الآلة، ويكسر جناحيه الخوف من المصير، لا تكاد كلمة باسكال هذه تجد أذنا صاغية: «تعلموا أن الإنسان يعلو على الإنسان علوا غير متناه»،
1
تعلموا أنه يعلو على كل شيء كما يعلو على ذاته التي بين جنبيه، نقول: يعلو، وقد نستطيع أيضا أن نقول: يرتفع أو يصعد أو يتعالى، ولكن إلى أين يرتفع ويصعد ويتعالى؟ ما الذي يجنيه من هذا العلو؟ وأي سلم يرتقي ليصل إليه؟ وإذا كان الإنسان يعلو على الإنسان، أي على ذاته وعلى ذوات الآخرين، فهل يستعصي عليه كذلك أن يعلو على كل شيء؟
علو أو تعال، كلمتان حفظهما لنا تراث فكري بعيد، لن نستطيع في هذه السطور القليلة أن ننقل هذا التراث أو نوغل بالبحث فيه، فكل ما نريد هو أن ندخل معه في حوار، أن نسأله ونسأل أنفسنا معه: ماذا نريد بهذه الكلمة الشهيرة في تاريخ الفلسفة «الترانسندس»؟ هل يهمنا في عصر العلم أن نعلو أو نتعالى؟ أنشيد له برج بابل جديدا أم نطير إليه في صاروخ؟ هل في مقدورنا اليوم أن نعود إلى «المتعالي» أو نعيده إلينا؟ وكيف نستطيع؟ إذا أردنا أن نتحدث عنه فبأي لغة؟ وإذا حاولنا أن نفكر فيه فبأي تفكير؟ أترانا حين نصل إليه - إن كان ثمة وصول - أن تخرس لغتنا فلا نملك إلا الصمت ولا نجد إلا السكوت؟ ألا نوصف عندئذ - من جانب أهل الجدل والفطانة، وما أكثرهم في هذا الزمان! - بالتصوف أو حتى بالدروشة؟! «التعالي هو الارتفاع فوق كل شيء على الإطلاق»، تعريف نسوقه في بداية هذا الحديث، ولكن ما أشد ما يحتاج إلى تفسير!
الكلمة في اللغات الأوروبية
Transzendenz - Transcendence
Unknown page