مقدمة
1 - مشاكل التراث العربي السامي
2 - أساطير السومريين عند العرب الساميين
3 - أساطير وفولكلور بر الشام
4 - تدوين التراث
5 - عبدة القمر
6 - الغيب والقدر والدهر في هذا التراث
7 - خرافات الجن والشياطين والعفاريت والرياح
8 - حكايات فولكلورية سوادنية ومصرية
9 - الذاكرة الفولكلورية
10 - البناء القبلي ... والفولكلور
11 - التابو والفولكلور
12 - اللغة ... والفولكلور
13 - هذا التراث الجبري السامي
كلمة أخيرة
مراجع
مقدمة
1 - مشاكل التراث العربي السامي
2 - أساطير السومريين عند العرب الساميين
3 - أساطير وفولكلور بر الشام
4 - تدوين التراث
5 - عبدة القمر
6 - الغيب والقدر والدهر في هذا التراث
7 - خرافات الجن والشياطين والعفاريت والرياح
8 - حكايات فولكلورية سوادنية ومصرية
9 - الذاكرة الفولكلورية
10 - البناء القبلي ... والفولكلور
11 - التابو والفولكلور
12 - اللغة ... والفولكلور
13 - هذا التراث الجبري السامي
كلمة أخيرة
مراجع
مدخل لدراسة الفولكلور والأساطير العربية
مدخل لدراسة الفولكلور والأساطير العربية
تأليف
شوقي عبد الحكيم
مقدمة
في القسم الأول من هذا الكتاب أردت التعرض بالدراسة لمحاولة رصد ملمح لأطلس عربي للأساطير
وبالطبع هناك ندرة ملفتة للجهود المبذولة في هذا المجال أو الحقل على المستوى القومي،
ومن هنا جاء تركيزي على هذه المشاكل المتراكمة إلى اليوم للمعرفة بالأصول والمكونات
من ذلك توصل الدراسات الفولكلورية والأسطورية المقارنة إلى أن هناك أساسا أسطوريا
فمنابع الميثولوجيا العربية تضرب بجذورها على مدى 6 آلاف عام، أي منذ السومريين غير
وعلى هذا أفردت جزءا خاصا للتعرف بهذه المنابع الأولى خلال وعبر حركة تنقلاتها
كذلك كان من المفيد عمل إلمامة للتراث الأسطوري والفولكلوري لبؤرة العالم القديم في سوريا
وكذا إلمامة للتراث العبري - السامي - ودور اليهود في تدوين هذا التراث، خاصة في مجموعة
Apoeriha
ومدى تجانسه، ولنقل توحده مع تراث
وبالطبع كان من المفيد أيضا التعرض لهؤلاء الجاهليين، ودورهم الحضاري، استنادا إلى ما
وأعقبت هذا الفصل، بدراسة مقارنة بين التراثين المتلازمين السوداني والمصري.
ثم اخترعت مجموعة - محددة - من المداخل أو الأنساق أو المنطلقات، كمقدمة لدراسة الفولكلور
فلا خلاف على أن الذاكرة الشعبية الجماعية هي ما حفظت لنا هذا التراث المتواتر منذ طفولة
فلاندرز بيتري الذي دأب على تأكيد أن هذه الخرافات التي كان يجمعها ويستمع إليها من فلاحي
كما أنه لا خلاف على أن اللغة هي حاملة التراث من فولكوري وثقافي؛ لذا وجب مراعاة جامع
كذلك ففي انقسام حياة أي شعب من الشعوب إلى مباح ومحظور، أو حلال وحرام، وهو ما تعارف
•••
وقد يبدو للوهلة الأولى أنني إنما أهرب من حقل الدراسات الفولكلورية والأسطورية لحقل
والنظر للفولكلور باعتباره «ماض حي»، أو النظر إليه باعتباره ثقافة منحدرة، أو مجرد
وهذا كما هو واضح يستلزم الاتجاه نحو علم الاجتماع، وبالتحديد نحو علم الاجتماع البنائي،
وهو على أية حال نوع من «الدراسة الشاملة لحالة واحدة»، وهو ما يفسر لنا وجود العلاقة
ولعلني حاولت جاهدا الاستفادة من نتائج هذه المناهج سواء التاريخية الجغرافية أو
ولقد اعتادت الدراسات الأنثروبولوجية النظر للفولكلور لا باعتباره علما مستقلا، بل على
بل وصل الأمر ببعض دراسي الثقافة والنظم الاجتماعية والأنثروبولوجيين عامة إلى حد
وظل هذا هو الحال السائد منذ أواخر القرن الثامن عشر والتاسع عشر، في ربط عجلة الدراسات
وهو موقف أميل إلى الخطأ؛ ذلك أن المغالطة تتوقف عند مجرد استبدال تسمية فولكلور،
فهذا بذاته هو حقل الفولكلور والأساطير، بل إن هذا بذاته هو مفهوم تيلور في مؤلفه الهام
هذا برغم ما أبداه الفولكلور - كعلم - لحقل الدراسات الاجتماعية، ولعله من المفيد تصور
ولقد أغفلت التعرض بالدراسة لعلاقة الطوطمية بالفولكلور؛ بهدف إعادة التعرض لهذا الموضوع
فمنذ عام 1920 رصد فان جنيب 41 نمطا مختلفا للطوطمية في أستراليا وحدها، وأثبت أن
فالطواطم ما هي إلا أرواح أسلاف تحيا في الخلفاء، محافظة على توارث أسماء القبائل الأمومية
وفي طرح التساؤل عن علاقة الطوطمية بالحيوانية والنباتية، يشير شتراوس بأن الحيوان
فشتراوس يسألنا منذ رادكليف براون، ويقدم تفسيراته المخالفة لتثقيفية فريزر، وأنيمزم
1
تيلور، والبحث عن الأصول عند ماكلينان، وروبرت سميث، وأخيرا توظيفية
•••
على أن علاقة الفولكلور واستقلاليته كعلم، بالأنثروبولوجيا، ليست بأكثر قربا أو تطفلا
ذلك أن الفوائد الكثيرة التي يسديها الفولكلور كعلم، لكلا علمي التاريخ وما قبل التاريخ،
وطبيعي أن يؤدي الأمر في تضافر هذه العلوم إلى كثير من النتائج المفيدة، لعل أبسطها أن أي
وإذا ما قصرنا الأمر على مجتمعاتنا وحضاراتنا العربية السامية، يمكن القول بأن الجسد
فما من شك في مدى الإفادة التي عمت الدراسات الفولكلورية - كعلم - من المكتشفات الحفرية
وفيما يتصل بالنظريات والمحكات التي يمكن أن ترسي الفولكلور كعلم، فيكفي بالطبع التقدم
وإذا ما أخذنا بضعة أمثلة، يمكن ملاحظة أن أساطير خلق العالم المتشابهة عند معظم الشعوب
وكيف أن فكرة الأطفال الموعودين، الذين يسبق مولدهم أو يصحبه مجموعة خوارق، لا يخلو منها
فيكفي الفولكلور كعلم إنجاز مهامه، وهي كثيرة شائكة حقا. فباحث الفولكلور مثله مثل باحث
Kalep
بالإضافة إلى حضارات «سوس» وديدان، وآلاف الحضارات
ولو أن النظرية أو التناول الذي يرى في الفولكلور - الآداب الشفاهية - نوعا من التعبير
2
وأجدني أميل إلى جانب الرأي المقابل للمدرسة الروسية المستهدفة البحث عن ملامح الاحتجاج
فما أندر آداب وفنون الاحتجاج والثورية في مثل هذا التراث الضاغط المتجبر، المتسق كل
•••
ولعل بداية تعرفي على حقل الفولكلور والأساطير صاحبت البداية التقليدية طبعا؛ أي الشغف
فما أن بدأت تحقيق موادي التي جمعتها من شفاه فلاحي مصر على طول قرى مصر الوسطى في الفيوم
وإن معظم - إن لم يكن كل - فولكلور الشعب المصري ينتمي في مجمله لتراث البلدان العربية
بل إنه وبنفس هذا المنهج يتلقانا العالم من حولنا، على خرائط وأطالس الفولكلور العالمية،
فلقد أصبحت حقيقة لا تقبل الجدل، يقول بها عديد من علماء وشراح العالم القديم؛ وهي أنه
3
ويتحمس لهذا الرأي كثير من العلماء؛ منهم: برستد وجوردن تشايلد وأرنولد توينبي، والعالم
ففي الوقت الذي يجنح فيه توينبي إلى عدم جدوى البحث عن بقايا مصر القديمة خلال ثنايا مصر
وهو ما حاولت - جاهدا - الأخذ به والسير على هداه في محاولتي الدراسية هذه، المستهدفة
ويمكن الجزم بأن الأخطاء أو المغالطات أو الغموض، الذي قد ينتاب أي حضارة مفردة منها؛
ومعنى هذا أن ضياع المدونات التاريخية لبعض هذه الحضارات المتتاخمة يؤثر على بعضها الآخر،
خلاصة القول أنه قد تعارف علماء الفولكلور والإنسانيات على النظر ودراسة عالمنا العربي
فلقد اتفق علماء الأساطير والفولكلور على تقسيم قارة آسيا إلى خمس مناطق متجانسة التراث،
وطبعا كان لزاما علي التعرض بالدراسة لكلا التراثين العربي والعبري، بالإضافة إلى
وعن هذا الطريق يمكن معرفة تراثنا المصري وإعادة تفهمه، ونفس الشيء بالنسبة لتراث الشعب
أي إن المدخل العلمي للوقوف على أدق خصائص الملامح المحلية لأي شعب من شعوبنا العربية؛ لن
فمعظم السير والملاحم والقصص الشعرية الطقوسية التي يجمعها جامع ودارس الفولكلور في
وكذا كل ما يتناقل شفاهيا عن قصص وحكايات الخلق والسقوط والطوفان واغتيال الأخ لأخيه،
كما أن من المفيد معرفة أن معظم هذه السير والملاحم والقصص الطقوسية هي في حقيقتها أشلاء
فهذه الملاحم والأناشيد الروائية ينظر إليها كمدونات تاريخية «وهكذا دخلت في المؤرخات
4 «بل إن الرواية الأدبية التقليدية العربية استفادت من الرواية الدينية
5
كما يقول الدكتور عبد الحميد يونس.
ولعل المشكلة الرئيسية التي واجهتني في محاولة عمل إلمامة سريعة لتاريخ منطقتنا هذه التي
من ذلك افتقاد شبه الجزيرة العربية لتاريخها المبكر السابق على مجيء الإسلام، وهي الفترة
وليكن واضحا أنني لا أكتب تاريخا بقدر ما أنا أبحث عنه محاولا استخدامه لإرساء ضوابط
فكما هو مفهوم يصبح الفولكلور بلا قيمة تذكر ما لم يتحدد تاريخه ومنبته الجغرافي،
وعلى هذا أدت المناهج البنائية، التي موجزها تكاتف مجموعة علوم ذات أهداف ومستويات
وبهذا أصبح لا غناء لعلمي الأساطير والفولكلور عن علمي التاريخ وما قبل التاريخ.
كما أصبح في مقدور علم الفولكلور إعادة إنارة وتوضيح المدونات التاريخية وإعادة ضبطها
فما من إضافة كشفية أركيولوجية أو حفرية لم تسهم بشكل إيجابي في إعادة توضيح وتكامل
وما من إضافة - مدونة كانت أو شفاهية - لم يترتب عليها دوام الهدف المستهدف - أصلا -
وعلى هذا فالعلاقة وثيقة بين التاريخ وبين التراث الأسطوري والفولكلوري، أو بين
ويمكن اعتبار الدراسات الفولكلورية محتوية - أو متضمنة - الأساطير، أحد المركبات الهامة
ففي مقدور مثل هذه الدراسات الجديدة الشابة، تلك التي تستهدف أول ما تستهدف إرساء أكبر
في مقدور الدراسات الموضوعية البعيدة عن محاولات نطح جدران التعصب؛ أن تعيد إرساء وتشكيل
على أن هذا التاريخ الثقافي أو الفكر سيكون مرتبطا أشد الارتباط وأوثقه بحركة جماهير
ومفهوم طبعا أن مثل هذه العلوم الإنسانية قطعت مرحلة كبيرة من الرصد والجمع والتصنيف على
وما أحوجنا اليوم إلى الاستفادة من حركات «عقلنة» التراث التي تجري من حولنا بهدف مضاعفة
كما أنه ما أحوجنا - هنا في مصر - إلى قيادة حركة تنوير حقيقية ذات جذور، تبعث بإشعاعاتها
وكم سيكون مفجعا أن تكتشف الأجيال القادمة مدى سيطرة الخرافات على العلم، ومدى تعنت
شوقي عبد الحكيم
الفصل الأول
مشاكل التراث العربي السامي
من المؤكد أن عديدا من المشاكل تعترض الباحث في تتبع أصول أساطير وفولكلور هذه المنطقة
وكتابات هؤلاء أصبحت اليوم مصادر شديدة الأهمية بالنسبة لدارسي حضارات وأساطير الشرق
وعلى سبيل المثال: فقد كان اكتشاف الجزء الثامن من كتاب «الإكليل» للعالم العربي الكبير
هذا رغم أن أربعة أجزاء كاملة فقدت تماما من هذا المدون النادر؛ من بينها الجزء السابع
وهذا يقودنا للحديث عما فقد من مدونات التراث الحضاري للعالم العربي النادرة،
1
من كتب «الإشارة في السحر» و«أسرار الكواكب» و«الحياة والموت» و«القرابين»
بل إن خزائن كتب ومكتبات بكاملها قد ضاعت وانقرضت تماما، وكان يمكن لهذه الكتب والمدونات
منها على سبيل المثال: أخبار وأساطير القبائل العربية، التي يرجعها البعض إلى ما قبل
وعلى هذا تعارف المؤرخون والنساب على بقايا القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية
وقسموهم إلى قسمين: شماليين أو عدنانيين أو إسماعيليين - في نجد والحجاز - وجنوبيين هم
يقول ابن خلدون في تاريخه عن ملوك حمير:
كانت الدولة والملك في بني قحطان متصلة من يعرب بن قحطان، وكان من أعالم ملوك
وقبل التعرض بتفصيل عن ممالك سبأ وحمير، وما خلفته حضارتهما في تراثنا الشفهي المعاش
يعرف أولها بالقسم الشرقي أو البابلي الآشوري في العراق.
والثاني يعرف بالقسم الغربي أو الكنعاني أو الآرامي في الشام
ويعرف الثالث بالقسم الجنوبي أو الغربي في الحجاز واليمن.
وقد اتفق اللغويون أو المستشرقون، نظرا لظروف جغرافية واجتماعية وتطور طبيعي، على إعادة
القسم الغربي ولغاته ولهجاته الكنعانية والأخلامية والفينيقية والبونية والآرامية
أما القسم الجنوبي، فتنقسم لغاته إلى لغتين:
أولهما:
العربية ولهجاتها هي: العربية القديمة - أو الآرامية - والقحطانية
وثانيتهما:
الحبشية أو الجعزية،
2
وهي لهجة الحضارات القديمة التي نشرها اليمنيون في الحبشة منذ
وتندرج كل هذه اللغات واللهجات - التي اندثر مجملها ولم يبق منها سوى العربية والعبرية -
وإذا ما تناولنا القسم الشرقي للأقوام السامية أو العربية في العراق وما بين نهري دجلة
وعن هذا القسم الشرقي السامي، أي البابلي، سرى تراث الأقوام السومرية الأكادية المندثرة -
ومن كهلان - شقيق حمير - جاءت أشهر بطونها قبائل الأزد - الذين تفرقوا عقب خراب سدود
ومن قبائل كهلان جاءت قبائل الغساسنة ملوك الشام، وأيضا قبائل الأوس والخزرج الذين
كما أن من قبائل كهلان جاءت همدان، ومن أصلاب الهمدانيين انحدرت قبائل كندة وطيء وخثعم
ويقال إن النخل أو التمر كان من أعظم العوامل التي اجتذبت هؤلاء الساميين الرعويين
ويبدو أن ثروات وأخصاب دلتا الفرات لعبت دورها الجاذب لتلك القبائل البدوية غير المتحضرة،
على أن بابل كمصر؛ كثيرة الترع والقنوات، ومنها ما كان كافيا لتسيير السفن
ولقد اتصلت الجزيرة العربية منذ فترات مبكرة بما يجاورها من حضارات زراعية أو نهرية، مثل
ولقد تبدى هذا التمايز أو التناقض بين الحضر والبداوة في كلا التراثين المدون والشفاهي،
فتتبدى أسباب الصراع بين الحضارة والبداوة في الإغارات المتوالية على موارد المياه، وتمثل
3
وعندما نشبت الحرب بين القبيلتين هزمت قبائل عاد قبائل لقيم حتى أفنوهم عن
المهم أن هذه المرأة، التي بيدت قبيلتها عن آخرها، عادت فحملت انتقامها، وسارت بولديها
وطبعا كان لهذه القبائل المندثرة التي نحن بصدد الحديث عنها بقايا أساطيرها العرقية
يقول الطبري مؤكدا قدم هذه القبائل إنه وبعد أن خلق الله العالم «خلق مدينتين (عاد
ومرة أخرى يشير المسعودي بما يؤكد أن بقايا هذه القبائل البائدة أو المندثرة، أي جرهم
4
أو ساراي «زوجة إبراهيم وابنة عمه في الرضاعة»، وما هو معروف عن صراع هاتين
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد
.
يقول المسعودي: فآنس الله وحشتهم بجرهم والعماليق، وجعل أفئدة من الناس تهوي
ومعنى هذا أن بقايا هذه القبائل المندثرة، أي جرهم والعماليق، كانت موجودة بزمن سابق على
وتواصل أسطورة أرض ميعاد يعرب بن قحطان ابن النبي هود، الذي أرسله الله إلى أرض بابل
وإلى عاد أخاهم هودا
وكيف أن هودا رأى رؤيا
يقول وهب بن منبه الحميري: «وإن يعرب بن قحطان بن هود وجد رائحة المسك، فقال له هود: أنت
خلاصة القول أنه ما من شعب أو رهط أو قبيلة لم يحفظ لها تراثها وتاريخها أسطورة أرض
لكن مشكلة المشاكل هي في ضياع وافتقاد هذا التراث، على مر عصور الاضمحلال الطويلة الثقيلة
الفصل الثاني
أساطير السومريين عند العرب الساميين
وإذا ما حاولنا تتبع المراحل التي قطعها تطور الآلهة والأساطير السومرية، بعد أن توارثها
فلقد كانت بابل وآشور هما بمثابة المنبع الأكثر خصوبة وتحضرا والذي قاض على ما يجاوره من
وكشفت الدراسات الأسطورية المقارنة عن أن هناك أساسا أسطوريا عقائديا بل لاهوتيا
وعرفت ديانة البعل - كإله ولقب - في سوريا وفلسطين منذ بداية الألف الثانية قبل الميلاد. ثم تطورت ديانته ودخلت في اللاهوت المحلي بعد ذلك الزمن، فأصبح لكل مدينة بعلها أو ربها
يقول «أورث» في كتابه «ديانة البعليم» إن بعل العبري هو بنفسه الإله «هبل» إله قبيلة قريش
ويرى المستشرق نولدكه: أن اللقب الإلهي بعل - أي السيد أو الزوج - كان معروفا لدى الساميين الشماليين،
يقول ابن حزم إن في بعض كتب اليهود تفسيرا لتيه بني إسرائيل مع موسى في سيناء «حتى ماتوا
ويرى نولدكه أن عرب شبه الجزيرة العربية، أخذوه عن عرب شبه جزيرة سيناء وعنهم «عرفوه
أتدعون بعلا وتذرون
.
ويقال إن أول من استقدمه إلى مكة هو عمرو بن لحي الجرهمي، فقد قدم بصنم يقال له
ونظرا لأن الساميين بعامة قدسوا موارد المياه، واعتبروها مهبط عرش الله، فإن إقامة هذا
وكان العرب يقسمون به كرب للأرباب، كما كانوا يضربون القداح عنده قبل إقدامهم على حفر بئر
وينسب لعمرو بن لحي الجرهمي أنه أول من جاء بأصنام هذه الآلهة من الكلدانيين - العراقيين
وكان تمثال الإله «بعل» أو «بيل» عند الكلدانيين والآراميين على هيئة ملك جليل جالس على
كان - فيما بلغني - من عقيق أحمر، على صورة الإنسان، مكسور اليد اليمنى، أدركته
وفي إحدى الملاحم الشعرية الكنعانية عن صراع البعل، كإله للسماء، يتبدى البعل كإله للسماء
واللافت أن هذه الملحمة الأسطورية ما تزال تعيش على الشفاه إلى اليوم، باسم حدوتة «سعد
وفي بعض المصادر العبرية - المدراش - يتبدى البعل كقرين للريح، والبعل هو أصل الإله
وظل على صورته هذه حتى عصر الملك داود حين خاطبه: «عندما تسمع صوت أقدام في رءوس أشجار
ويبدو أن العبريين كانوا قد استعاروه من الكنعانيين - الشوام - الذين عبدوه كإله حاكم على
كما يرى البعض أن البعل هو الأصل الذي منه جاء الإله آشور في المثولوجي الآشوري، وكان
وبعل أو هبل هو الإله الذي عناه الملك الكاهن الجاهلي الشاعر عمر بن لحي الجرهمي بقوله:
فلقد كان للإله بعل أو هبل، رب الأرباب في الميثولوجي البابلي؛ بنات ثلاث؛ هي «إيرشكيجال»
فإلهة العوالم السفلى والموت والظلام إيرشكيجال عند السومريين والتي أخذها خلفاؤهم
وإيرشكيجال هي بروسربين ملكة المناطق السفلى أو عالم تحت الأرض عند الآسيويين، سكان غرب
كما أن اللات عندما دخلت الميثولوجي السوري أصبحت قرينة الإله «حداد»، إله المطر، ولقبت
أما الأخت الثانية من بنات الله الثلاث، فهي «العزى»، وعرفت بدورها تحت هذا الاسم في
وبحسب رواية تيودوروس بركوني، هي نجم الصبح، ولها أسماؤها المختلفة باختلاف الألسن؛ «فطيء
ويمكن القول بأن العزى عند العرب هي في منبتها الأصلي «إينانا» عند السومريين، والتي
يقول نولدكه: «إن الشاعر السوري إسحاق الأنطاكي الذي كان يعيش في أوائل القرن الخامس
«إن ربكم يشتو بالعزى لحر تهامة، آلهة فصل الشتاء والاخضرار والخصب والجنس»
1
كما يقول الملك الكاهن عمرو بن لحي.
فكانت العزى آلهة للجنس والإخصاب عند العرب، كما كانت عند البابليين، ويعتبر الحمام
يقول الألوسي: «كانت المرأة من العرب إذا عسر عليها خاطب النكاح نثرت جانبا من شعرها،
ويضيف سميث: أن عبادة الزهرة - أو نجم الصباح - انتشرت في اليمن، وخلال إقامة شعائر
يتضح من هذا أن منابع الميثولوجيا العربية تضرب بجذورها على مدى 6 آلاف عام، أي منذ
الفصل الثالث
أساطير وفولكلور بر الشام
سوريا - لبنان - فلسطين
وإذا ما حاولنا التعرف على القسم الغربي أو الكنعاني للأقوام السامية في سوريا ولبنان
أما الساحليون منهم فهم الذين سماهم الإغريق بالفينيقيين، أقدم شعوب العالم اقتحاما
وطبعا كان لهذه القبائل الكنعانية أو الفينيقية أسطورتها الأم التي ترسم وتحدد لهم أرض
1
وتتفق الأسطورتان العبرية والعربية في أن كنعان انفصل عن إخوته وبقية قبيلته من أبناء
2
وهم كلهم الأحد عشر قبيلة أو سبطا، أبناء كنعان الذين لحقتهم وطاردتهم لعنة جدهم حام،
بل إن العرب ساووهم بالبربر والنوبيين، فكان كنعان أخا لهم كما يقول النسابة العرب، فبعد
واستنادا إلى أقدم المصادر العربية، وهو عبيد بن شريه الجرهمي، الذي يقول: «وما ولد
ولقد اعتبر العرب واليهود أن المصريين القدماء منحدرون من نسل حام وأولاده من البرابرة،
والغريب أن الكشوف الحفرية الكنعانية جاءت فأثبتت هذه المعلومة الأسطورية، فقد أكدت هذه
وكذلك دعمتها كشوف «رأس شمرا» في فلسطين التي ترجع إلى بداية القرن الرابع عشر ق.م والتي
الغريب أن هذه الكشوف الكنعانية الفينيقية الفلسطينية جاءت فأكدت العلاقة الشديدة بين حام
وفي إحدى أساطير الخلق البابلية، التي تتفق مع أساطير مدينة صيداء يبدو كنعان أخا لحام،
ويمكن القول أنه بقدر ما ناسبت أو تقاربت الأساطير والتراث الحضاري بعامة لبابل وآشور أو
فالبانثيون الفينيقي هو نفسه البانثيون الإيجي، والآلهة الفينيقية هي بذاتها ما جاءت بها
كما ينسب لقادموس الصوري أنه هو الذي عمر مدينة طيرة بإقليم بيوتيا، وعلم أهلها زراعة
ويبدو أن الفينيقيين الساحليين سكان المدن الدول صور وصيدا، كانوا إلى جانب كونهم صيادين
ومما ساعد الفينيقيين على اقتحام البحر وجود الخشب الذي تصنع منه السفن في غابات جبل
والغريب أن هؤلاء الفينيقيين اتهموا من جانب جيرانهم القدماء بتسترهم وتكتمهم لما
فلقد كانت فينيقيا - في أغلب عصورها - واقعة كلية تحت النفوذ المصري، والبانثيون المصري،
وليس هذا بجديد؛ إذ إن أحد كبار مصادر الميثولوجيا أو الأساطير الفينيقية، وهو «فيلو
وكان «فيلو الجبلي» أو البيبلوسي هذا من سكان مدينة جبل أو جبيل بلبنان، ويرجع البعض أنه
وبدأ فيلو أو «سنكن يتن» تاريخه على عادة ما اتبعه الساميون؛ أي بادئا من قصة الخليقة،
3
أو بيت إيل، وهو ما كان يطلق على جبل لبنان، وأحيانا على لبنان عامة، وداجون
4
إله الحبوب، وسيتون وعتل - أي الحزين المضطهد - ومعناه الذي ما تزال تحفظه
وتحكي أسطورة الخلق الكنعانية هذه عن خطايا متلاحقة، ارتكبها «إله السماء»؛ منها زواجه
5
وبعد أن انتصر إيل على أبيه وتمكن من اصطياده وحبسه في أعماق الهاوية، بنى مدينة جبل أو
وبعد أن حكم إيل 32 عاما، عاد فأوقع بأبيه بعد أن نصب له الفخاخ التي أوقعه فيها، وحين
وعندما تفشى الوباء في ممالكه المترامية ذبح ابنه الوحيد ترضية لأبيه السماء، ويقال إنه
•••
ولقد اختلف المؤرخون البيزنطيون - بخاصة - في التعرف على نسب إيل إله آسيا الغربية أو
ولقد حدد بلوتارخ مكان إقامة إيل «في جزيرة» أو في «المجدبة، التي هي خلف الأوقيانوس
وينسب لإيل الذي أصبح كرونس عند اليونان كما يقول فيلو؛ أنه كان يملك أربع عيون: عينان
ولقد أدى استغراق ذلك الكاتب الفينيقي فيلو دفاعا عن فكرته أو وجهة نظره في إثبات سبق
رغم أنه فاته التعرض لبقية التراث الشعائري والأساطير الفينيقية، التي كشفت عنها بالفعل
هذا على الرغم أن كشوف رأس شمرا التي حدد عمرها بالقرن الرابع عشر قبل الميلاد جاءت فجلت
فهذا الإله الممزق لم يكن سوى أدونيس، إله آسيا الغربية ومسيحها الممزق، المتوارث من
ولقد جاءت نصوص رأس شمرا بأسطورة أدونيس، الذي أصبح السلف المباشر للإله هابونيجا، وحل
ويتوالى الصراع بين الأختين ويحتدم إلى أن يصل مسامع كبير الآلهة زيوس، فيحكم بأن يقضي
وقد تبدت شخصية أدونيس في القرن السادس ق.م، متوحدا مع الإله الدمشقي أشمون، ويرجع إلى
وكان أول تدوين لهذه الأسطورة الملخصة لتعاقب فصلي السنة، أو الجدب والنماء، قام به
6
في القرن الخامس قبل الميلاد، فجمع أسطورته، وأعاد نظمها شعرا.
أما الإله البعل في نصوص رأس شمرا، فلم يكن سوى بعل تعفون - الذي تبدى في المفهوم الشعبي
وعرف بعل تعفون في الأساطير المصرية باسم ستخ، وهو رمز أو أنموذج سمى به المصريون الآلهة
وكان لبعل حداد الفينيقي بنات ثلاث، هن روح الحصاد «موت»، وروح الربيع «عالين»، و«أنات»
أما الثور فكان الحيوان المقدس لإيل، ومن ألقابه «الثور إيل»، ونسبت مكتشفات رأس شمرا
7
وهي قبيلة أصبحت فيما بعد جزءا من إسرائيل، كانت تشغل المنطقة الواقعة بين جبل
ويورد الدميري،
8
حكاية غريبة عن هذا الطفل الموعود المبكر، دانيال، فيقول:
إن الملك الذي كان دانيال في زمانه قد تنبأ له عرافوه بأن طفلا سيولد في تلك
كما كان من بين مكتشفات رأس شمرا إلى جانب الأساطير الكنعانية مجموعة عظيمة من الملاحم
9
ولما كان قابيل قد أقام منزويا في أعلى جبل حرمون أو الحرمان، فقد عشقت الملائكة بناته،
وتنسب الميثولوجيا العربية للقبائل العربية البائدة أنها جاءت إلى الوجود بعد أن تزاوج
وذكروا أن جرهما كان من نتاج ما بين الملائكة وبنات آدم ، وكان الملك من الملائكة
وقد وردت بهذه الأساطير والملاحم التي ترجع إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد أسماء
tyre
وعرفات وجرهم ... إلخ.
وأما عن الآلهة عشتروت، التي وجد هيكلها بالقرب من نهر إبراهيم، وهو النهر الذي عرفه
ولقد عبدت الشعوب الكنعانية الفينيقية عشتر، باعتبارها إلهة بحرية طوفت في كل أنحاء
10
مركزا هاما لتأليه البحر، فكان الكبيران إلهين بحريين، كما أن عشتروت نفسها
وعندما تملك صيدون ابن كنعان المدينة الدولة صيدا أصبح ملكا على كل فينيقيا، وتزوج «صور»
لكن اسم صيدون، ابن كنعان، عمم؛ فشمل كل القبائل الكنعانية، كما أن التوراة
11
لقبت الكنعانيين بالصيدونيين في أماكن عدة؛ وذلك لعدة أسباب؛ منها : أن صيدون
ويبدو أنها تفرقة بيئية قصد بها الساميون الرعاة «أصحاب الوبر» إطلاقها للتفريق بينهم
12 - هو أول جبار في الأرض، وكان جبار صيد أمام الرب؛ ولذلك يقال كنمرود جبار صيد
ويبدو أن كلمة «صيد» استعملت بمعنى اقتناص الناس واصطيادهم؛ إذ إن سرعان ما استعملها
13 «كانت الحرب في نظر المحاربين الأولين صيدا للناس»، كما عرف أرسطو الغزو بأنه
ونظرا لأن هذه المجموعة من الأقوام أو القبائل الكنعانية كانت شبه مبددة، أي إنها لم تصل
فمثلا أيدت الكشوف الحفرية في جزيرة قرطاجنة بتونس أنه كان للفينيقيين سكان مدينة صيدا
وفي إحدى الأساطير المصرية القديمة، التي جمعها المؤرخ الهليني «أيسوب»،
14
يبدو أن الإلهين قدم وفينق قد جاءا أول ما جاءا من مدينة طيبة - تيبه -
أما أساطير مدينة صور فتتركز حول إلهها الحامي «بعل شميم الذي أقام بمدينة صور وصنع
وفي سلسلة النسب العبري يتبدى عوس أو عيسو أو العيص كشقيق توأم ليعقوب بن إسحاق بن
وتحكي أساطير هذين الإلهين الشقيقين التي عثر عليها بمدينة صور أن حريقا هائلا شب في
وخلف عوس ابنه دامور - أي النخيل أو التمر - ثم أعقبه هركل أو هرقل «أول من اخترع
وينسب لهرقل الصوري أنه أول من بنى عكا، وذلك بعد أن عثر بها على النبات الذي شفيت به
•••
أما عما وصل إلينا من تراث وأساطير مدينة دمشق أو ما كان يعرف قديما بسوريا العليا؛
لذا لم يكن هناك اختلاف طويل بين ما وصل من آلهة ومعتقدات متوارثة من حضارات ممالك كلدة
فكان الإله هدد - أو حداد - هو إله سوريا، وكانت سميرنا التي اتخذت اسمها لقبا - فيما
وهي الملكة التي خالطت الأساطير التاريخ في منشئها واختفائها على السواء، وكان طائرها
ومعنى اسم الآلهة سميرنا؛ أي: أم الحمام، التي منها جاء اسم الملكة سميراميس، أو كاهنة
ولعل هذا يفسر لنا مدى احتفاء الأدب الشعبي بالحمام والغناء له: «ما تطخي يا بندقية، ورا
وعندما كبرت سميراميس أحبها وتزوجها حاكم سوريا ورئيس مجلس شيوخها، ولما كانت سوريا جزءا
وخلاصة القول أن هذه الإلهة السورية سميرنا أو سميرام السورية هذه التي نسب إليها المؤرخ
كما أن سميرام أو سميرنا السورية هذه تتطابق مع سير أساطير بلقيس ملكة سبأ الحميرية
إن ميرنا ملكة الأمازون الليبيات جندت جيشا قدره ثلاثون ألفا من المشاة -
أما ما تبقى من تراث وأساطير المدينة الدولة هليوبوليس، أو بعلبك، التي استمد اسمها من
وكان الإله تيفون واحدا من الآلهة الهامة التي ورد ذكرها في الميثولوجي الفينيقي
ويرى روبرت جريفز - أحد علماء الأنثروبولجي - أن الهكسوس قبائل رحل رعوية، جاءوا من
فلقد لعب هذا الإله الشرير الذي وحده الساميون مع الحية «فتن»، التي من صدرها رضع تيفون
وفي حكاية أخرى نقلها سترابون عن المؤرخ السوري «بوصيدون»، يقال إنهم «عثروا في سهور مقره
وارتبطت بعلبك بالاحتفالات السنوية الماجنة، بعيد قيامة الإله الممزق أدونيس، ثم ديونيوس
ولقد وحد الفينيقيون بين النخلة، التي اعتبرها الساميون بعامة شجرة الحياة في جنة عدن
وكانت النخلة هي شجرة عشتروت المقدسة، فمن ثمرها - أو تمرها - تسمت عشتروت، كما أن من اسم
فلقد سمى اليونان فينيقيا والشرق الأدنى القديم عامة ببلاد النخيل، كما أن من اسم النخلة
15
ملونة، كما يقول جريفز.
ودخلت النخلة الميثولوجي الإغريقي، فكل من الآلهة أبولو، ونبتون، وذيلين، ولدوا تحت
وتضيف أساطير بعلبك، ذات الأصول أو المنابع المصرية، أن طائرا يسمى فينيق أو النخيل كان
وفي إحدى الحكايات التي أوردها القديس هيرونيم عن هذا الطائر، الذي لقبه الفينيقيون
وفي الأساطير العبرية: «أن فينيق طائر يعيش ألف سنة، وبعد انتهائها ينبعث في عشه لهيب
وواضح أنها هي بعينها فكرة تقديس الجعران في اللاهوت المصري القديم؛ من حيث المغزى
وبحسب تفسير د. مرغريت مري، فإن الجانب الصلد الذي كان يتبقى من الجعران الميت يصبح بعد
ولقد لعبت هذه الشعيرة الفينيقية ذات الأصل المصري أهم أدوارها بعد ذلك فيما يتصل
ويبدو أن احتفالات موت فينيق وقيامته الهائلة كانت تقام بمدينة بعلبك، لمشاهدة شعائر موت
كما يبدو أن ثمة علاقة غريبة، لم يتنبه إليها أحد بالدرجة الكافية، وهي العلاقة بين الاسم
والذي أود أن أتلمسه وأشير إليه هو من ثمر النخلة أو بلحها كان سكان الشرق الأدنى القديم
وهي واحدة من لمسات أبو التاريخ هردوت وتفسيراته التي دونها في كتبه التسعة خلال طوافه
وفي ملاحظة أخرى تتصل بعلاقة - عرقي - البلح بالموت، يضيف هردوت: «أن المصريين كانوا
16
ولقد تداخلت الممالك أو المدن الدول الكنعانية الفينيقية مع ما يتاخمها ويجاورها من شعوب
فالكنعانيون: «ملعونو العهد القديم، جابوا البحار ونشروا تجارتهم الواسعة، على عكس ما
ولقد واصل اليونان والرومان بعد ذلك اتهام هؤلاء الكنعانيين بالخسة والوضاعة، مثلما فعل
والواقع أن الامبراطوريتين الإغريقية والرومانية استفادتا أشد الاستفادة من تمزق هذه
إلا أن الشيء الهام الذي خلفه النسل أو الرهط - اللعين بحسب اعتقاد القدماء - هو اللغة
ولقد حفظت هذه اللغة الكنعانية العريقية بعد الفتح العربي «في لغة الطقوس الدينية
17
ولقد خلفت هذه الشعوب السامية أسماء أسلافها، وأسماؤها على كل مكان وطئته.
وبحسب قول عبيد بن شريه الجرهمي، فإن قارة أفريقيا سميت هكذا نسبة إلى الملك الحميري
18
واسم الشام،
19
نسبة إلى سام بن نوح، وأصله في العبرية والسريانية «شام» أو «شم»، كما أطلق
كما تنسب تسمية أرمينيا - بالاتحاد السوفياتي اليوم - إلى هجرات آرامية يقال إنها وقعت
كما أن الميثولوجيين الساميين سموا كل ذوي البشرة السوداء كوشيين،
20
وذلك نسبة إلى حام - ابن اللعنة - الذي تحمل أبناؤه فيما بعد وزر أو خطايا
وكذلك فقد خلفوا حضاراتهم على أعلى قمم جبال لبنان
21
وفلسطين، مثل جبال السامرية والعربية وجلعاد واليهودية، إلى جانب جبال شعيب
ولقد أورد زكريا القزويني حكاية غريبة بسهل عكا في أطراف لبنان، فقال إن:
بها عين البقر، وهي بالقرب من عكا، يزورها المسلمون واليهود والنصارى، ويعتقدون
ونهر القاسمية، كان يسمى نهر الليطاني أو الممنوع أو الملعون أو الحرام، وكذلك نهر قديشا
واستنادا إلى ما يقوله أحد قدامى الرحالة الفرس،
22
فإن أحد سهول بيت المقدس وهو سهل «الساهرة» اعتقد العامة في أنه سيكون ساحة
ومن أماكن اليمن المشئومة جبال ختا أو خياف، والجبل الأشيب سيد جبال النار، وقطب اليمن،
وباليمن وادي يعرف بوادي عشار «كثير الإخصاب»، نسبة إلى الإلهة إيشار أو عشتروت، كما أن
كما اعتبرت مدن الشام وقراها مسرحا لما لحق الخطيئة الأولى ... فيقال: «إن آدم لما أخرجه
23
ويقال إن تسمية دمشق نسبة إلى إراقة دم قابيل لأخيه هابيل. ويقول القديس
ويقال إن هذا التقليد كان منتشرا بكثرة في أيام الحروب الصليبية، كما يقال بأن باني
أما دمشق فهي أرض «آدم» التي منها جاءت تسمية آدم، بمعنى أديم الأرض أو القدم، ويبدو أن
24
فيبدو أن أدوم كانت تشمل أيضا جزءا من الأردن، ويؤكد هذا الكشوف الحفرية التي توصلت
وينتشر بين سكان جبل قاسيون شمال دمشق اعتقاد بأن جريمة «القتل الأولى وقعت في أعلى قمم
وبينما يرى المسلمون الجريمة وقعت داخل «أغوار»
25
صحراء شديدة الجدب، ومنذ ذلك اليوم لم يقرب الندى جدب هذه الصحراء؛ يرى اليهود
ولقد وحد الأقدمون بين قابيل والشيطان «أشمودي» الذي ينسب له تشييد مدينة بعلبك، التي
ويسمى وادي البقاع بسوريا بسهل نوح، وبه قبر نوح بالقرب من زحلة، وإن ملكا هو الملك
وبالنسبة لإبراهيم، فإن في مدينة القدس صخرة يقال إن «عليها آثار سبع أقدام».
26
وسمعت أن إبراهيم كان هناك، وكان إسماعيل طفلا فمشى عليها، وهذه هي آثار
ويعتقد سكان قرية كفر ناحور بلبنان أن قبر كنعان موجود على إحدى الصخور الموجودة هناك،
وفي مدينة عكا توجد قبور «عك» باني المدينة، وعيش، وشمعون، وذي الكفل، وهود، وعزيز،
أما في جنوب بحيرة طبريا فيوجد بحر لوط، ويقال إن مدينة لوط
27
كانت تقع على شاطئه.
موجز القول أن الأقوام السامية قد خلفت أساطيرها ومعتقداتها الخرافية في عصور الظلمات أو
الفصل الرابع
تدوين التراث
لم ولن تكون الميثولوجيا العبرية والتراث اليهودي حكرا ووقفا على اليهود؛ ذلك أنها
ودور اليهود في هذا التراث لا يعدو أنهم كانوا مدونيه المبكرين وحفظته من الضياع،
إلا أن ما يجدر تأكيده هو أن التراث العبري ملك مشاع مشترك لكافة شعوب الشرق الأدنى؛
لذا فمن الصعب بل المستحيل أن يتكامل تاريخ حضاري شامل متكامل لشرقنا القديم بمعزل عن
وليس هذا برأي جديد؛ إذ إن كثيرا ما ترفض حركة الأساطير والفولكور العالمية اعتبار
وكما يقول كامل زهيري، فإن اليهود قوم تكمن مأساتهم في أنهم يمتلكون تاريخا دون جغرافيا،
وتجيء بعد ذلك عصور اتصالاتهم بالبابليين والآشوريين والفرس منذ الألف الأولى قبل
ومن الفرس جاءتهم كل تصوراتهم ومعتقداتهم عن الملائكة والشياطين والجن، بمعالمها وأسمائها
ولقد جاءت الكشوف السومرية اللاسامية في العراق، فأوضحت الكثير من الغموض بالنسبة للتراث
وليس الغريب أن تراث العبريين هو على وجه التقريب تراث وحضارة أولئك السومريين اللاساميين
وعن الكنعانيين الذين سبقوا العبريين في استيطان فلسطين، وبعض مدن الساحل الفينيقي، سرى
وقد لعبت الحضارة الكنعانية، وطليعتها البحرية فينيقيا - نظرا لاقتحامها المبكر للبحرين
لذا يرى البعض أن كلا التراثين العقائديين العبري اليهودي والفارسي المجوسي، بالإضافة إلى
فيبدو أن خليطا عريضا من أجناس وأقوام شعوب البحر المتوسط قد استوطنوا المدن السورية
ويذكر جوستاف لوبون
1
أن سكان مدن سورية وقراها «مزيج من المصريين الفينيقيين واليهود والبابليين
ويرى توينبي
2
بالنسبة لليهود أن شعب مملكتي «إسرائيل ويهوذا قد رفع نفسه مكانا ساميا، إبان
ويرجع السبب في تركيزي على الحضارات أو المنابع الأم أو حضارات الجيل الأول في دلتا
فما من إضافة كشفية أثرية أركيولوجية أو نصية، أو شفاهية، لم تسهم في إعادة تكامل جزئيات
فيمكن اعتبار الدراسات الفولكلورية - محتوية أو متضمنة الأساطير - أحد المراكبات الهامة
مثل هذه الدراسات قد قطعت شوطا كبيرا، خاصة فيما يتصل بالتصنيف؛ أي تجميع وتراكم عينات
وبمعنى آخر فإن فكرة خلق حواء من ضلع الرجل - مثلا - ترد منحدرة من التراث السومري
فكان أن نقلها العبريون إلى أسطورة الخلق أو سفر التكوين، وكذلك طوف بها الكنعانيون
وبشكل مجمل يمكن القول بأن أسفار التكوين الأحد عشر الأولى، تنتمي بكاملها إلى
ومن هذه الأفكار خلق العالم ، وتوحد الخالق بالماء، وإقدامه على خلق العالم عن طريق رسله
3
وهو ما تتميز به أساطير الخلق السامية، على تراث العالم أجمع، ومنها خلق المرأة
4
كقرين للريح، وعري آدم عقب الخطيئة، وعقاب الإله للخطاة الثلاثة آدم وحواء
5
وما توالى بعد هذا من عقاب للمرأة؛ مثل إدماء حواء الشهري (الحيض)، وتسيد الرجل
6
وكان أن قهرت المرأة وسلب سلطانها خلال توالي هذا التراث الأبوي البطركي الذي سيد أول
7
ثم يعقب هذا سلسلة الأنساب المفقودة، أو المفتقدة، لحين مولد الجبابرة أو العماليق أو
ويذكر ابن خلدون عن الجبابرة:
وسطروا عن عاد وثمود والعمالقة في ذلك أخبارا عريقة في الكذب، من أغربها ما
ونسجوا حولهم الخرافات والأساطير، ومنها شخصية «عوج بن عناق»، وهو شخصية خرافية، فيقال
8
كما يقال إن أولئك الجبابرة هم الذين استأصلهم وأبادهم العمونيون والموآبيون سكان الأردن،
ويضيف الجاحظ أن قبائل وملوك جرهم
9 - وهم من العرب البائدة - جاءت:
من نتاج ما بين الملائكة وبنات آدم، فكان الملك من الملائكة إذا عصى ربه في
وهم المنحدرون من نسل شيث بن آدم «وإلى شيث تنتهي أنساب جميع أبناء آدم.»
وتزعم الملل والنحل المعروفة «بالصابئة» أنه ولد لشيث ابن آخر اسمه صابئ بن شيث، وإليه
10
الذي هو أيضا إحدى صور شيث بن آدم أول من اخترع الكتابة».
وكان الصابئة يقولون بقدم الأصلين «الله والشيطان»، أو الخير والشر، والموجب والسالب،
وقد يلقي التفسير التالي مزيدا من الضوء على قدم حقيقتي أولئك الصابئة أو الحنفاء، وهو
11 «أو يهوه صابئ؛ أي رب الجنود، أو يهوه القائد.»
ويبدو تقديس الساميين «أصحاب الوبر» لهؤلاء الأسلاف
وسنحاول توضيح هذا عند التعرض لكل مجموعة أو حضارة أو شعب بقدر من التبسيط، ونظرا لأن
فيرجع سفر التكوين الأسطورة المصاحبة لمولد ووجود هؤلاء الجبابرة إلى أن اتصالا كان قد
وعلى هذا فرقت الأقوام السامية بينها وبين أولئك الجبابرة، بل إنهم حاربوهم واعتبروهم
واللافت أن أحد مصادر الميثولوجيا العربية وهو عبيد بن شريه الجرهمي ينسب عادا
12
إلى شجرة النسب السامي، فهو كما يقول «عاد بن عوص بن سام بن نوح، وهو الذي أحدث
13
وما أعقب الطوفان من انتقال حضاري، منها بداية التعريف بالمحارم: «غير أن لحما
14
وإقامة الله الميثاق مع بني نوح: «وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني
15
وكان أن انحدر من حام بن نوح «كوشن» - أبو الكوشيين في النوبة والسودان - ومصرايم وفوط
16
فولد صيدون - مؤسس مدينة صيدا - في القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، وبكره
ومن نسل سام جاء عيلام - أبو العيلاميين - وآشور ولد آرام - أبو الآراميين - وشالح وعابر،
ويقطان هو قحطان - أبو القحطانيين - ومنه جاء العرب القحطانيون الجنوبيون سكان اليمن، كما
فمن حمير ملوك بني قضاعة، وبنو كلب بن وبرة - وهم الكلبيون - ومن كهلان انحدرت سبعة بطون،
ومن نسل الأخ الثاني عابر انحدر العبريون، ويقال إنه إنما سمي عابر لأنه كان أول من عبر
فالقبائل العبرية الرعوية قبائل صحراوية، وعندما نزلوا فلسطين
17
كانت لغتهم عبارة عن لهجة آرامية، أقرب إلى العربية منها إلى أي لغة سامية
ويبدو أن عابر كان هو أبو القبائل الرعوية أو البدو الرحل أصحاب الوبر سكان الصحراء؛ إذ
وكان اسم امرأة إبرام ساراي، وكانت ساراي عاقرا ليس لها ولد ... وما يهمنا هنا هو هجرة
ويؤرخ لهذه الهجرة ابتداء من الألف الثانية قبل الميلاد، حوالي 1920ق.م ...
ويوجد دارسو الميثولوجيا السامية
18
بين «إيل» أعظم آلهة الشعوب السامية، وبين إبراهيم؛ فيحفظ سفر التكوين لإبراهيم
19
وفي نفس هذا المكان الذي هو بيت إيل بدأت أسطورة أرض ميعاد الآباء لدى القبائل
20
وتجيء بعد ذلك سلسلة الأحداث المعروفة، مثل تغرب إبراهيم إلى مصر حين «حدث جوع في الأرض»
21
ثم يجيء حادث تخريب مدينتي البحر الميت، سدوم وعمورة، وخروج لوط مع ابنتيه
وهنا تمهد الأسطورة «اللوطية» إلى خروج القبائل الموآبيين والعمونيين إلى الوجود، سكان
وهي تضمينة أسطورية مهاجرة من أصل مصري، وترد في الميثولوجيا المصرية مرتبطة بآلهة الموت
وتروي أساطير هذه الإلهة نفتيس: «أنها كانت تتمنى أن تنجب طفلا من أخيها الأكبر أوزوريس؛
ويعتبر هذا الإله المصري أنوبيس بمثابة النبتة الأولى للملاك - الرسول جبريل أو جبرائيل
•••
وكانت القبائل العمونية - بالأردن - قبائل زراعية، قريبة لهجاتها من العربية، بينما كان
ويقال إن موسى كان قد حرم على الإسرائيليين في سيناء قتالهم للموآبيين والعمونيين؛
22
لأنهم عبريون من بني لوط «حين نزولهم أرض الميعاد، على عكس ما أوصاهم وأمرهم
23
وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا، فلا تستبق منها نسمة، بل تحرمها
وبالنسبة للأساطير المصاحبة لقبيلة إبراهيم، فحين تزوج إبراهيم بهاجر المصرية، أنجب منها
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي
فكان أن أسكن الله أفئدتهما بقبائل جرهم
24
وتنسب هذه الأساطير لمجموعة واسعة جدا من شعوب وقبائل الأقوام السامية الانحدار من صلب
25
إلخ.
ومن رحم سارة أنجب إسحاق، الذي أنجب بدوره يعقوب أبا القبائل الإسرائيلية الاثنتي عشرة
26
وكذلك أنجب إسحاق «بني عيسو» أو بني العيص، نسبة إلى ابنه البكر العيص، أبي
وكانت زوجة إبراهيم الثالثة، التي تزوجها عقب وفاة سارة، امرأة كنعانية تدعى قطورة، فمن
ويقال إن هذه الأقوام والقبائل العربية من آدوميين وموآبيين وعمالقة وعمونيين ومديانيين،
وطبعا كان لكل من هذه الأقوام والقبائل التي تكاثرت بدورها متمددة متطاحنة؛ كان لكل منها
فإلى قبائل الجبابرة - أبناء الله ومنهم قبائل عاد البائدة - أرسل النبي هود، الذي يمكن
وإلى ثمود أرسل صالح، وطوطمه المتمثل في الناقة، أو الإبل، كما كان أيوب نبيا
وكان مثلهم مثل بقية الأقوام الكنعانية، بل السامية بعامة، يقدمون التضحيات البشرية وغير
كما أنهم اعتقدوا في الجن والشياطين والعفاريت والأرواح الشريرة والخبيثة.
ويرى بعض المستشرقين مثل «نولدكه» أن معتقداتهم هذه عن الجن والشياطين جاءتهم من
فانتقال العرش من شاول - أول ملوكهم - إلى بيت داود خطيئة مرجعها طلب شاول هذا إلى الجن
وهي نفسها الخطيئة التي بسببها جز الفلسطينييون رأس شاول هذا «وسمروها في بيت إلههم
كما أن هذه التضمينة عادت فتبدت مع داود، فكانت خطيئة داود التي بسببها «وقف الشيطان ضد
27
فلقد استغرقت تلك القبائل الإسرائيلية في الخرافات الطوطمية، ومثلهم مثل القبائل العربية
28
فلقد كانت القبائل الجاهلية من «الحمس»
29
أو الأحامس، متضمنة لقبائل: قريش وخزاعة والأوس والخزرج وصعصعة وأزد شنوءه،
وليس
وهو ما لا يزال شائعا
ويبدو أنها فكرة أو تضمينة أسطورية متوارثة منذ السومريين.
كما أن منها الربط بين الخطايا ومداخل البيوت وأعتابها في الميثولوجيا المسيحية: «خطيئة
كما حلت القباب الحمر محل تابوت العهد عند العرب، ومنها «قبة مصر الحمراء» أو «القبة
ويلاحظ أنه منذ بضع سنين - يوليو1974 - اكتشفت إحدى البعثات الإنكليزية أطلال مدينة أدوم
ومع تسيد الإسرائيليين على جيرانهم ومتاخمتهم، تسيد - بالتالي - طوطمهم، أو تابوت
ومع انتصار داود على سلفه وغريمه الملك شاول - أول ملوك إسرائيل - وانتقال الملك إلى سبطه
ونصب داود التابوت «في وسط الخيمة التي نصبها له»، والخيمة هي ما أصبحت بعد ذلك «خيمة
وكانت خيمة الاجتماع هذه بمثابة التمهيد لإقامة المعبد الإسرائيلي أو الهيكل الذي بناه
ولقد حدثت حكاية طريفة حول إقدام داود على تشييد أول معبد عبري، حين قال الملك داود
فكان أن غضب «يهوه» أو «التابوت» أو «الطوطم السلف»، ورد إليه ناثان قائلا: «اذهب وقل
وكثيرا ما كان أنبياؤهم يمنعونهم من «مضاجعة النساء المجتمعات في بيت خيمة
وفي تلك المرحلة الطوطمية كانوا يلقبون النبي ب «الرائي»؛ أي الذي يرى حجب المستقبل، وكان
ومثلهم مثل بقية الأقوام والقبائل الطوطمية، كانوا يقدسون الأحجار والشواهد.
ويرد ذكر الأصنام أو الأحجار - المقدسة - أو الشواهد، خلال ذكر تاريخ ذلك الطور الطوطمي -
ولعل «اختيار» داود للأحجار الخمسة التي نازل بها خصمه الفلسطيني جالوت؛ له
وعندما انتصر الإسرائيليون على الفلسطينيين أخذ الكاهن النبي «صموئيل حجرا، ونصبه بين
30
وحين عاهد يشوع القبائل العبرية عامة - قبل وفاته - بألا يعبدوا الآلهة الغريبة عنهم، نصب
31
فلقد كانوا يقدسون مظاهر الطبيعة من حولهم؛ من آبار ماء وحيوانات وكهوف أو مزارات وأماكن
وأورد سير جيمس فريزر كثيرا من الشواهد على تقديسهم لمظاهر الطبيعة من حولهم، ومنها تلك
فقال العوسج للأشجار: إن كنتم بالحق تمسحونني عليكم ملكا، فتعالوا واحتموا تحت ظلي، وإلا
وتكشف الكيفية التي اختار بها جدعون - في المرحلة الطوطمية لشيوخ القبائل - رجاله لقتال
وقال الرب لجدعون: كل من يلغ بلسانه من الماء كما يلغ الكلب فأوقفه وحده. «وهكذا فرز
وكانت النخلة شجرة الميلاد المقدسة عندهم كما كانت عند أغلب الشعوب السامية، مثل نخلة
ومثلهم مثل بقية القبائل والشعوب السامية البدائية، أكثروا من الإغراق في المعتقدات
ويبدو أن معتقداتهم عن التشاؤم والتفاؤل والعرافة والعيافة، قد انتقلت إليهم من جيرانهم
وطبعا لا حد لإهالة التراب والرماد والطين وتمزيق الثياب والندب حول طوطم الآباء؛ «فمزق
32
فما من أمر لم يحتكموا فيه إلى القرعة قبل تعيين الكهنة والخزنة والقضاة والحروب واختيار
وكان يشوع عاتيا في إرسائه لتشريعاتهم المغرقة في القبلية، مثل رجم السارق، وإبادة بيته،
فكانت خطايا الآباء تحل بالأبناء، ويقع وزرها على رءوسهم، ويرد هذا صراحة في وصاياهم:
وكانوا يرجمون الابن الذي يعصي والديه؛ بحسب وصايا موسى لهم في سيناء.
كما كانوا يشهرون دم العروس «أخذ وشها»، وإذا لم تكن للبنت العروس عذرية «يرجمها رجال
باختصار هو تراث طوطمي قبائلي، لا يختلف كثيرا عن تراث العرب البائدة، وورثتهم
ومن هنا، فمن العبث دراسة هذه المنطقة - قلب العالم القديم - بمعزل عن هذا التراث العبري
وبنفس هذا المنهج يتلقانا العالم المتحضر، على اعتبار أننا منطقة متوحدة التراث.
الفصل الخامس
عبدة القمر
ويتبنى العرب العدنانيون أي المنحدرون من نسل إسماعيل بن إبراهيم الخليل، فكرة أو رواية،
ويرى بعض الباحثين أن لفظة «حنيف» أو «حنف» من أصل آرامي، وعنهم أخذها اليهود العبريون
وينسب ابن الكلبي لشخصية ملك أو حاكم خرافي، هو عمرو بن لحي الجرهمي، أنه أول من جلب
ويبدو أن عمرو بن لحي الجرهمي هذا كان منتسبا إلى واحدة من القبائل العربية البائدة أو
وتنسب المصادر الميثولوجية العربية المتمثلة في الرواة العرب لقبائل جرهم المندثرة مثلها
ويقول الهمداني عن رواية لوهب بن منبه إنه «لما أخذ جرهم التابوت - أي تابوت عهد الرب -
وكنا ولاة البيت من بعد ثابت
نطوف بذاك البيت والعز ظاهر
وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة
كذلك عصتنا السنون الغوابر
فسحت دموع العين تجري لبلدة
بها الأمن أمن الله فيها المشاعر
فيبدو أن ثمة صراعا قد نشب بين القبائل العربية البائدة والباقية، أو بين قبائل جرهم
ويبدو أن هذا النزاع بين القبائل البائدة والباقية، الذي قد يكون - على سبيل التخمين -
بل إن الصراع على التابوت - تابوت العهد الذي أخذته قبائل جرهم كما يقول وهب - يشير أكثر
وكالب اسم لقبائل عربية وعبرية وكنعانية، ومن أسمائها ابن كلب بن وبره، و«بني كلب» بن
وكانت قبائل كالب عشائر أدومية، ومنها جاءت تسمية آدم بمعنى الرجل الأحمر، وتوجد إشارات
ويرى البعض أن ثمة علاقة بين القبة الحمراء التي كانت تتخذها قبائل قريش وتابعوهم من
1
وإذا ما كانت لفظة «الآدم» تعني أديم الأرض، فقد يشير هذا إلى علاقة بين تابوت العهد أو
بل إن أحداث الصراعات المتوالية حول ما يعرف في أساطير الشرق الأدنى بعصا شعيب أو يثرون
وفي رواية أخرى يقال إن يوسف سرقها من شعيب وزرعها في حديقة بيته، إلى أن جاء «الغلام
فيبدو أن الصراع بين جرهم وعدنان كان في صميمه صراعا بين عبدة جثمان آدم وتابعيهم من
2
أدركنا طبيعة ذلك الصراع السلفي الأبوي أو البطريركي، لتلك القبائل التي تتبع
وإذا ما انتقلنا إلى نقطة تالية وهي تبعية القبائل البائدة أو المندثرة من عاد وثمود وطسم
لنا صنم يقال له صمود
يقابله صداء والبغاء
وتؤكد النصوص الحفرية التي خلفتها هذه القبائل المندثرة ودونت بالخط المسند «أنها لم
ويدل هذا الثالوث الفلكي في رأي الباحثين في أساطير العرب الجنوبيين على أن القمر كان هو
ويلاحظ أن هذا التعريف النوعي ما يزال محفوظا في اللغة العربية؛ «فالقمر مذكر بينما
أما الزهرة فكانت تسمى «عثتر» أي عشترت أو عشتار أو عشار بالمعنى الواسع للإخصاب من أرض
ويفسر الأنثروبولوجيون الأطوار الأربعة التي طرأت على تلك القبائل خلال تحولها من
ويلقي هذا بعض الضوء على التكونات أو الاتحادات القبلية العشائرية «القديمة»، وهي تواصل
وتمثل الانتقال الثاني في ظهور الإله الأب - الذكر - أو المذكر الذي تبنى أيام الأسبوع
ولقد مرت القبائل اليونانية والإيجية - وأبناء عمومتهم اليبيون - بهذا الطور، كما أن د. مرجويت مري، تضيف بأن مصريي ما قبل التاريخ مروا بهذا الطور؛ فأراق الكهنة المصريون دم
ويقال إن الرماد المتخلف من حرق جثمان الملك الإلهي كان يوزع على أقاليم مصر
وكان الحثيون القوة الرئيسية الكبرى الموازية للمصريين على طول الشام وفلسطين، والورثة
كان الحثيون ينثرون دم الملك المقتول المضحى به قبل موعد شق الأرض بالمحاريث، مثلهم في
3
فكانت تأكله الجنيات، وهن وصيفات الملكة الإلهة القمرية، وهن مرتديات أقنعة من
وتمثل الانتقال الثالث في أن عشيق الإلهة الأم أصبح ملكا، ووقر على اعتبار أنه الهيئة
ولقد تبدى هذا خاصة في الإله الفينيقي بعل هامان «الذي كان فينيقيو الشام وفلسطين يضحون
4
وجاء الانتقال الرابع متبديا في تضخيم قوة الملك واكتساب هذه القوة من الملوك المحليين
بل إن الملك سلب الملكة أو الإلهة القمرية سلطتها، «فكان يرتدي ملابس نسائية ويضع أثداء
وفي هذه المرحلة حل الزواج الأبوي بدلا من الزواج الأموي، وتسمى الناس بأسماء آبائهم
ولقد كشفت نصوص المسند عن أن القبائل العربية أو المتعربة البائدة، وهي قبائل عاد وثمود
فظلت أسماء شهور قبائل ثمود يجري استعمالها في جنوب الجزيرة العربية حتى وقت لاحق
من أسماء الأشهر التي ظلت سارية منذ العرب البائدة حتى وقت ظهور الإسلام، وهي فترة تصل
أما الشهور التي ثبت استعمالها قبل الإسلام وبعده، فهي: المحرم، وصفر، وربيع الأول، وربيع
ويقال إن أسماء هذه الشهور جاءت مستمدة من أحداث أو شعائر أو انتقالات حضارية رئي
كما ينسب لكلاب بن وبرة أنه أول من سماها، وكان منها الأشهر الأربعة الحرم أو المحرمات
وكان أهم اكتشاف أوضحته نصوص المسند بالنسبة للاهوت وتقويم الجزيرة العربية بقسميها
أي إن الانتقال الحضاري الذي تمثل في ظهور الملك الأب الذكر جاء عند اليمنيين بشكل أسبق
ومن أسماء القمر عند العرب البائدة «سين»، وهو نفس اسمه عند السومريين اللاساميين، ويعتقد
في العربية ما يشير إلى أنها كانت اسما للإلهة القمرية بعد انتقالها إلى الطور الثاني،
ويرى البعض أن لفظة «قمر» كانت الاسم المتأخر الذي
فالإله «ود» أو «ود شهر» معناه «ود القمر »، ويرى البعض أن لفظة قمر «هي تسمية متأخرة
كذلك فقد تسمت بإله القمر قبائل كهلان باليمن؛ إذ إن من ألقاب إله القمر في نصوص العرب
كما كان من ألقابه عند هؤلاء البائدة «صدق وصديق وحكم وحكيم وعلم وعليم ورحمن ورحيم ونهى
وكان الاسم «ود» من أسماء الأصنام التي أوردها القرآن،
5
كذلك ورد في شعر النابغة الذبياني:
حياك ود وإني لا يحل له
لهو النساء وإن الدين قد عزما
كما تسمى باسم «ود» العرب الجاهليون - عبد ود - وعبدته قريش وكانت توعده إذا. وفي إحدى
ووجد في النصوص المعينية والسبئية والثمودية مثل: «أموت على دين ود»، و«يا إلهي ود»،
وذهب البعض استنادا إلى لفظة «ود» العربية التي ما تزال متواترة بمعنى المودة أو التودد؛
فالإله القمر «ود» هو أيضا الإله «المقة»، ومن هذا الاسم جاءت تسمية مكة، كما أنه عرف
وكان هذا الإله القمري «سين» ابن الإلهة عشترت في كتابات المسند الحضرموتية.
كما كني عن الإله القمري «المقة» بثور في اليمن؛ أي الإله «ثور»، وكان هذا هو اسمه في
كذلك كان من اسم إله القمر اسم «الساهور» أو «السلطيط» أو «التغرور»، فلقد عرفه بهذه
ومما يضاعف تأكيدنا في أن ثمة انقلابا حضاريا أو اجتماعيا من مرحلة الأمومة إلى
ومن المهم معرفة أنه بالقدر الذي حفظت به نصوص المسند لعرب اليمن البائدة الذين توارثهم
ومما جاءت به النصوص الثمودية - في نجد والحجاز - تركيزها على أعظم الآلهة الساميين بعامة
وكذلك أسماء آلهة الخصب «عشتر» إلى جانب الآلهة «تيم» و«يغوث» و«هدد» أو الإله الفينيقي
كذلك جاءت الكشوف اللحيانية والصفوية بأسماء الآلهة والإلهات التي عرفها العرب الجاهليون
وكانت الفرس أو المهرة من أقدم الحيوانات المقدسة للشمس عند هؤلاء البائدة من قدامى
كما أن للأنباط سكان البتراء آلهة مثل: «ذو الشرى، واللات - وكانت إلهة مؤنثة لجميع
وكانت آلهة ممالك تدمر في اليمن هي الإلهة بل أو بعل أو الناقة، وإله القوافل «شيع القوم،
ويلاحظ عند مقارنة نصوص المسند التي خلفتها القبائل العربية البائدة بقسميها اليمني
كما يلاحظ أن الاختلافات ليست كبيرة بين تراث المندثرين وتراث السومريين فيما بين
كذلك يمكن ملاحظة أن تطور القسم الجنوبي اليمني القحطاني، عن شقيقه العدناني والحجازي في
أما الملاحظة العامة أو المجملة فتتركز حول عبادة تلك القبائل المبكرة التي ترجع إلى ما
كما يلاحظ بشكل أخير أن معظم هذا التراث ما يزال يواصل نموه وسريانه في تراثنا المعاصر أو
الفصل السادس
الغيب والقدر والدهر في هذا التراث
يستوقف المتصدي لدراسة التراث الفولكلوري العربي المعاصر أول ما يستوقف؛ ذلك المدى الهائل
ولقد وصل الأمر إلى حد أن القدرية والدهرية أصبحت ملمحا مميزا لتراثنا الفولكلوري؛ أي
ولقد سبق لموضوع القدر أن احتل منزلة واسعة من الجدل والبحث، خاصة عندما يعرف بعلماء
وكان المعتزلة يلقبون بالقدرية، وبشكل مجمل فقد كان القاسم المشترك الأعظم عند تلك الفرق
ولقد تعاظم دور هذه الشيع والفرق، حتى إن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال عنهم: «القدرية مجوس هذه
والقدرية والدهرية والوعيدية والمنايا أفكار مترادفة وردت بكثرة شديدة جدا سواء في
ولقد عرفت شعوب غرب آسيا الأبدية التي أطلق عليها العرب الجاهليون مرادف الدهرية، والدهر،
ولقد وحد الساميون الأوائل من القبائل العربية البائدة بين القدر أو الدهر أو المنايا
وتؤدي لفظة «مناة» معنى القدر، ومنها «الماني» بمعنى القادر، نسبة إلى ابن ماني، الذي
بل إن المستشرق «نولدكه» يرى أن كل هذه المترادفات للقدر والمنون والدهر والموت ما هي إلا
ولقد وحد قدامى العرب خاصة القحطانيين سكان اليمن بين الدهر وبين الموت الذي يلتهم
ألم يخبرك أن الدهر غول
ختور العهد يلتهم الرجالا
وروت أساطير الحميريين وأفاضت عن بحث ملوكهم عن ماء الحياة الذي يهب الخلود، ومنها مصاحبة
لما رأيت من المنون وعيدا
قوضت رحلك سحره تجديدا
هتكت خطوب الدهر عزك هتكة
أمسى حسامك دونها مغمودا
سيموت من تنسى المنية يومه
وتنال بنت الدهر منه بعيدا
ومن أشعارهم التي تنسب لأحد ملوكهم «عبد المسيح بن بقيلة»، الذي وجد على قبره أنه عاش
حلبت الدهر أشطره حياتي
ونلت من المنى بلغ المزيد
وكافحت الأمور وكافحتني
فلم أخضع لمعضلة كئود
وكدت أنال بالشرف الثريا
ولكن لا سبيل إلى الخلود
1
كما أن من الأشعار المنسوبة لابنه «مضاض بن عبد المسيح» في رفضه وزهده عيشة
منزلا قد تحكم الدهر فيه
ليس للنازلين فيه ثبات
2
وتكشف قبوريات ومراثي أولئك الملوك الحميريين عن موقف غريب معاد في جوهرة للدهر كمرادف
أقول وقد فاضت بعيني عبرة
أرى الدهر يبقى والأخلاء تذهب
أخلاي لو غير الحمام أصابكم
عتبت ولكن ما على الدهر معتب
وفي إحدى أساطيرهم ما يشير إلى أن سام بن نوح أبو كل الأقوام السامية كان جزوعا مرعوبا
وعندما سئل سام بعد موته عن الكيفية التي رأى بها الحياة قال:
كبيت من بابين، دخلت من هذا وخرجت من ذاك.
ويورد «الساجستاني» تضمينة مرادفة للفكرة السابقة، نسبها إلى نوح: «فبعد أن عاش نوح 1450
ومما تناثر حول خرافات لقمان ونسوره السبعة وتشبثه بالخلود، ينسب لشاعر يدعى «يثم
رأيت الفتى ينسى من الدهر حقه
حذار لريب الدهر والدهر آكله
ولو عاش ما عاشت للقمان أنسر
لصرف الليالي بعد ذلك يأكله
ولقد وحد العرب الأوائل في أشعارهم وأقوالهم بين نبيهم أو إلههم الأب «هود الذي كان قد
وفي إحدى القصائد الأسطورية التي تنسب إلى امرأة كاهنة تدعى هزيلة، أجابت قومها حين
إن عادا آثرت حقا على الرشد الصدودا
لم تقل في غيها حين عتت قولا سديدا
بل طغت بغيا وقالت لن نطيع الدهر هودا
عابدين من ضلال صنما يدعى الصمودا
وفي هذا الشعر يبدو واضحا توحد النبي - الإله «هود» - بالدهر الذي خلف اسمه على قصور
بل إن الاسم الكامل لهود قد يزيد الأمر وضوحا، فهو «هود بن عبد الله بن الخلود بن عاد».
3
والغريب أن قائل هذا الشعر - التالي - يتحسر على أن «بنات الدهر» رمينه غيلة فأصبن
رمتني بنات الدهر من حيث لا أدري
فما بال من رمى وليس برام
فلو أن ما أرمى بنبل رميتها
ولكنما أرمى بغير سهام
وأفنى ولا أفنى من الدهر ليلة
وما يغني ما أفنيت ملك نظامي
كما تصوروا الدهر ساقيا يسقي الإنسان كأس المنايا:
أسلموا للمنون عبد يغوث
وبعض الكهول حولا يراها
بعد ألف سقوا المنية صرفا
فأصابت في ذاك سعد مناها
ووسع العرب الجاهليون في مفهوم وخرافات الدهر فقالوا: «يد الدهر» و«ريب الدهر» و«عدواء
ما هي إلا حياتنا
.
4
وعلى هذا أنكر هؤلاء الدهريون الخالق والبعث، وإن كانوا قد توسلوا من جانب آخر إلى الدهر
ومن هنا يتضح أن الدهر هو ذلك الإله القادر المهيمن والمتحكم في المصائر والأعمار
وفي الأحاديث النبوية يتوحد الدهر بالله تمام التوحد، وذلك حين نهى النبي بشدة عن لعن
5
وكان أصحاب الوبر بعامة من عرب وعبريين لا يؤمنون بالبعث والقيامة، وهي تلك
6
وقال البعض إن الدهر اسم من أسماء الله الحسنى، وكذلك فقد تبدت هذه العقائد القدرية عند
لا تأمنن وإن أمسيت من حرم
حتى تلاقي ما يمني لك الماني
فالخير والشر مقرونان في قرن
بكل ذلك يأتيك الجديدان
والشاعر أبو ذؤيب الهذلي، الذي قال:
أمن المنون وريبها تتوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع
ومن تصوراتهم التي أنطقوها الحيوانات والطيور، حول الموت وحلول القضاء،
7
ما فسر سليمان به غناء البلبل: «أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء»، والهدهد
ويقول الطبري:
إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب! فجرى في تلك الساعة بما هو كائن. ويقال إن
8
فيقال إن «الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه
ولقد درات حول الملك النبي «داود» عديد من الأساطير التي تكشف جزعه من الموت، مثل سلفه
فقال آدم: رب زد في عمره. فرفض الله قائلا: لا، بل تزيده أنت من عمرك. ولما كان عمر آدم
وتنفرد إحدى أساطير «الخضر» معللة السبب في أن الخضر حي خالد لا يموت؛ لأنه هو الذي قام
ويقال إنه عندما حضرت الوفاة آدم، جمع بنيه وقال لهم: إن الله منزل على الأرض عذابا،
وتربط الميثولوجيا العربية بين أساطير الخلق والبدء وبين أفكار القدرية والجبرية والدهر
ويذكر هشام الكلبي أن صنم الإلهة مناة كان منصوبا على ساحل البحر، بين مكة والمدينة،
9
وكان معبودا لقبائل الأوس والخزرج من أهل يثرب.
ويضيف ابن الكلبي: أن العرب جميعا كانوا يعظمون الإلهة «مناة»، ويذبحون لصنمها الذبائح،
والإلهة «مناة» من منشئها إلهة الموت والقدر عند البابليين العراقيين، وعرفت بنفس
10
وعن البابليين عرفها الكنعانيون، والآراميون، والأنباط، إلى أن وصلت العرب فيما
11
ويشير الجمع بين هذين الإلهين، منى وجاد، إلى ارتباط المنايا والأقدار بالتنبؤ ومعرفة
كما أن الإله جد أو جاد كان من آلهة القبائل الثمودية المندثرة قبل منى أو مناة، وكهل ... إلخ. ومن اسم جاد تسمى الإله «بعل جاد» عند اليهود والآراميين والعرب الشماليين في سوريا،
ومن هنا يأتي ارتباطه بالآلهة الدهرية والقدرية.
ومن هذه الآلهة الدهرية القدرية إلهة القمر السبئي نسر أو نسور، الذي ورد في نصوص المسند
وتشير الأسطورة التي أوردها عبيد بن شريه الجرهمي عن الحكيم لقمان بن عاد صاحب النسور أو
فحين وافت المنية ذلك النسر السابع «لبد»، وسقط مشرفا على الموت، ولم يطق أن ينهض، وتفسخ
ووقع موته منه موقعا جسيما، وناداه: انهض «لبد» أنت الأبد. وأنشد لقمان يبكي
موتي أني أموت اليوم يا لبد
وحسرتي أن قد تعرم الأبد
فطر كما كنت سالما أبدا
تحيا ونحيا معا ونحتفد
ويلاحظ في الأسماء السبعة التي أطلقها لقمان على نسوره السبعة أنها من الأسماء التي
كما يلاحظ أن الإله القمري «نسر» الذي يتوحد بالدهر والزمن، هو ما أصبح رمزا قوميا
كذلك فإنه مما يثير الالتفات، تلقيب لقمان لنسره الخامس باسم الميسر، أو الميسرة، وهي
ومن المعروف عن المقامرة «أنها نوع من التكهن والاستشارة، أنها جواب الآلهة للسائل»، ولعب
فيقال إنه كان هناك اعتقاد شعبي شائع لدى المصريين القدماء مؤداه أن الأيام الخمسة
والذي أود توضيحه هو أن ثمة علاقة دينية بين لعب القمار أو الميسر وبين التقويم الفلكي
وقد يلقى المسعودي تفسيرا أوضح للعلاقة المبكرة بين الميسر أو لعب القمار أو الزهر -
وكان منوطا بالإله هبل، الذي استقدمه الكاهن عمرو بن لحي الجرهمي، ونصبه في جوف الكعبة؛
ويبدو أن الجاهليين كانوا قد استقدموا صنمه من خارج الجزيرة العربية، ويرجع أنهم جاءوا
ويبدو أن العرب الجاهليين قد أحلوا لشعائر الحظ والميسر والبخت أن تتحكم وتشرع في معظم
ولجأوا إلى ضرب القداح أو «الاستقسام بالأزلام» في كل صغائر وكبائر حياتهم، مثل الخصومات
وأطلقوا على طريقة تقسيم الذبائح اسم الميسر، والبدء، والنصيب، وعلى هذا تحكمت الحظوظ
وكانت تلك الأقداح التي كتبوا عليها «العقل » و«السعد» أو «نعم» و«لا»؛ هي المتحكم الأخير،
وأغلب هذه الشعائر والأفعال والمعتقدات ما تزال محفوظة متداولة في الفولكلور المصري
وكثيرا ما كان المتعقلون من الشعراء العرب يسبون آلهتهم، ويسخطون على ما تشير به من
لو كنت يا ذا الخلصة الموتورا
مثلي وكان شيخك المقبورا
لم تنه عن قتل العداة زورا
ولا حد لخصوبة معتقداتهم التي ما تزال تتلمس طريقها خلال حياتنا المعاشية اليوم، مثل
وتتبدى هذه الفكرة أو التضحية عند اليهود في أحد أسفارهم الممنوعة، وهو سفر الحكمة، ويرى
ومنها ما يتصل بتقاليد الموت المتوارثة، مثل «النعي» العلني، أي أن يركب كل ناع أو معز
وكانوا يقولون للميت وهم يوارونه التراب: «لا تبعد»:
يقولون «لا تبعد» وهم يدفنونني
وأين مكان البعد إلا مكانيا
وكانوا يعظمون أو هم يعبدون موتاهم وأسلافهم، فيحجون إلى القبور، ويحلقون شعرهم عندها،
فكان العرب الجاهليون مثلهم مثل العبريين، مفرطين في هذه المعتقدات، ومن هنا جاء دور
وتتبدى هذه الفكرة أو التضمينة عند اليهود في مرحلة متأخرة، في أحد أسفارهم الممنوعة،
12
كما أن من معتقداتهم الخرافية الجاهلية التفرس في وجه الموتى من الأسلاف، وتصنيف الجن،
فمثلا عرفت القبائل العبرية العيافة بمعنى التنبؤ عن طريق ملاحظة حركات وسكنات الطيور
وكان للكلدانيين - العراقيين - شهرة لا تبارى في معرفة أساليب التطير، عن طريق قراءة رئة
وكانوا يتشاءمون ويتطيرون من المرأة والدار والفرس، وعتبات البيوت ومداخلها، والغراب أو
13
ولقد أجمع العرب والعبريون على اعتبار الغربان والبوم من الحيوانات النجسة المشئومة،
14 (أم الخراب) واعتبروها الهامة التي تخرج من رأس القتيل، تحجل بلا توقف على
وترد أعظم الأساطير المتصلة بالأحلام عند الساميين في قصص يوسف الصديق، وكيف أن سبب
وتتوالى هذه القصة، متجمعة، لتثبت صحة حلم يوسف وتفوقه على إخوته بل وبيت أبيه بعامة،
بل إن دور يوسف في مصر لم يتعد أنه كان موهوبا في تفسير الأحلام، منها حلم خصيي
كما أن الكلدانيين والعرب العبريين تشاءموا من بعض الثيران ومن الحية والثعلب والأعور
كما قد يتوحد «الهاتف» مع الدهر والقدر والزمن والماني - بمعنى القادر والعاطي - والدنيا
وما يمكن إضافته هو أن صوت الهاتف لا يرد، بمعنى أنه لا خيار - وبالتالي مرد - لذلك الذي
وفي «شفيقة» ومتولي بشكل أخص، يزور «الهاتف» شفيقة في قبرها، بعد أن تموت - أو هي تنتحر -
فالهاتف هنا هو إله كامل، يحقق قيامة البغي، ولا مرد لقضائه.
فكان يمكن للهاتف الأمر بوأد البنات، كما كان في مقدوره منع وتحريم وأدهن.
وفي إحدى الحكايات التي صاحبت مولد كاهنة قريش الأم «سوداء بنت زهرة بن كلاب»، أنه كان من
ويقال إن هذه الكاهنة هي التي منعت وأد آمنة بنت وهب.
كما يقال بأن سوداء بنت كلاب هذه كانت أول من ذكر «جهنم» في العرب.
وليكن واضحا أن مثل هذه الأفكار الميثولوجية عن جهنم والسعير والفردوس أو جنة عدن،
ويبدو أن مفهوم الساميين - والعالم القديم عامة - عن الحلم كان هو بعينه الهاتف ، ذلك لا
ونسب العرب الرؤى أو الأحلام أو الهواتف لأرواح خبيثة شيطانية، وأخرى مصدرها الإلهام
وعرفت الميثولوجيا الفرعونية «الهاتف» بحسب الرواية التي أوردها هردوت «بشأن الهاتفين
أما الحمامة التي توجهت إلى ليبيا، فتقول العرافات إنها أمرت الليبيين بإقامة وحي
ويبدو أن أماكن التزين بالحلي والاحتفاء عامة بالأشياء، وهو ما يتبدى أكثر عند النساء
كما أنهم أكثروا من استعمال هذه الطلاسم والرقى والمعوذات والتعاويذ لدفع الأوبئة، مثل
وهذه المعتقدات في مجملها، أمكن التعرف على منابتها الأولى منذ السومريين اللاساميين -
فالنفس الخالق هو نفسه النفس المميت.
وتنسب إحدى أساطير القحطانيين، وما أكثرها وأخصبها، لكاهنة عريقة تدعى «طريفة»، أنها هي
وهي أسطورة قحطانية عريقة، تستوجب التأني، تنسب أحداثها لهجرات حميرية مصيرية بالنسبة
فعندما وافت المنية الملك الكاهن عمران بن عامر، دعا أخاه عمرو بن مزيقيا، وأنبأه بخراب
وعمرو سمي مزيقيا لأنه كانت تنسج له في كل سنة 360 حلة من الذهب الأحمر، وكان يأذن
وترد بكثرة شديدة في ذلك التاريخ الأسطوري للملوك اليمنيين، مرة في كيفية تمزيق الملك
والملفت أن هذه التقليدة ما تزال سارية في الحواديت والبلاد الشفاهية المصرية
وتزوج عمرو بن مزيقيا الكاهنة طريفة، «وكان عمرو أعظم ملك بمأرب، وكان له تحت السد من
وكان زوجها عمرو بن مزيقيا، يكنى ب «ماء المزن» أو مأرب، أو «ماه رب» وهي كلمة آشورية
وكان ابن عمرو بن مزيقيا يدعى ثعلبة العنقاء، وهو «جد الأنصار من الأوس والخزرج».
وأمرت هذه الكاهنة قومها من العرب الغساسنة بالنزول إلى الشام، فتملكوا عكاء، بعد أن
ورفض ثعلبة العنقاء قتالهم، متمثلا قول سلفه يعرب بن قحطان: «ويل للمنزول عليه من
إلى أن تروي هذه الخرافة عن تدخل «جذع بن سنان» وهو من الجن، فأوقع بين الغساسنة وأبناء
وكانت في كل مرة تقول هذه الكاهنة كلاما مسجوعا، كأن تقول: «خذوا البعير الشدقم،
وكانت مكة آخر مطاف تلك الهجرة القحطانية التي تزعمتهم هذه الإلهة الكاهنة الأم المدعوة
وقبل موتها تنبأت لخليفتها بعد ذلك بقرون، الكاهن الجاهلي الخرافي «شق الذي يعلم ما حل
وبعد أن ماتت أمه لسبع ليال، أتوا به طريفة: «ففتحت فمه، فنفثت فيه، وقالت: لا تسقوه لبن
وينسب لطريفة هذه أنها أول من سمت العروبة، قبل موتها:
إن ابنة الخير لها أعجوبة
وميتة تقضي لها مكتوبة
تودي بها في ليلة العروبة
وماتت طريفة في «ليلة الجمعة، في عقبة الجحفة، فقبرها هناك مشهور».
وروى العرب الجاهليون الخرافات تلو الخرافات حول ذلك الكائن الذي تنبأت به طريفة فقيل:
15
ويربط البعض بين شخصيتي شق وسطيح، بحسب ما أورده الرواة، وبين وجود القردة والنسانيس
16
وهذا ما دعا د. محمد عبد المعيد خان إلى الربط بين تصورهم لشكل شق وسطيح، وبين القردة،
ويبدو أن ثمة علاقة بين القردة وبين معتقد العرب الجاهليين عن الدهر أو القدر، الذي وحدوه
ورووا الكثير من الخرافات حول أناس خلطوا اللبن بالماء، فمسخوا قردة، ومنها حكاية عن رجل
ويبدو أنهم اعتقدوا في أن القردة والخنازير ما هم إلا أناس بشريون؛ فلقد تواترت خرافات
وقالوا: «إن الله لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا، وإن القردة والخنازير
وفي قول آخر: «فقدت - أو مسخت - أمة من بني إسرائيل، لا أدري ما فعلت، ولا أراها إلا
ولم تتوقف حدود مسخ الأمم والأقوام - المفتقدة - عند التحول إلى القردة أو الجان أو
17
ولعل موجز هذا الفصل أن أفكار القدرية والدهرية التي كانت تغرق ماضي بلداننا العربية منذ
الفصل السابع
خرافات الجن والشياطين والعفاريت والرياح
وقد ترجع أغلب معتقداتنا وتصوراتنا التي ما تزال تتواتر في مجتمعاتنا المعاصرة، عن الجن
فلقد لعب موقع اليمن وقربها من البحر الأحمر جغرافيا على خط الاتصال بالهند وفارس
ويدافع «نولدكه» أحر الدفاع عن أن معرفة العرب بالجن جاءتهم من جيرانهم الشماليين،
1
بل إن فكرة تحول العشيق إلى حيوان عقب
فيقال: «إن بيذخ ابنة إبليس كان لها عرش على الماء، وإن المريد لها متى فعل معها ما تريد
وبشكل موجز، فلقد كان للعرب - سكان الوبر - دور لا نهاية له في ترويج خرافات الجان هذه،
وفي تقديري أن ما كان ينسبه الساميون الأوائل عامة لآلهتهم عادوا فأورثوه الجن، وبمعنى
أما عن مراحل استبدال الأمهات السماويات بأنثيات من الجن، فيبدو واضحا في نسب بلقيس ملكة
بل إن العرب نسبوا لسابقيهم من القبائل العربية البائدة انحدارهم من أمهات جنيات مثل
ومن هنا جاءت فكرة اعتبار القبور والأماكن المهجورة والخرابات بعامة مواطن للجن والعفاريت
وقد لا يقبل المرء بسهولة ادعاءات المستشرقين وعلماء الآرية مثل «نولدكه» و«بنفي» تصورهما
وتبدأ هذه القصيدة هكذا: «في قديم الزمان، كانت شجرة الصفصافة مغروسة على شاطئ الفرات،
وبالقطع هذه أول فكرة تاريخية أو حفرية، عن سكنى العفاريت الخرابات.
ومع انتقال تراث السومريين إلى خلفائهم وورثتهم البابليين، الذين عرفوا بالأكاديين نسبة
ويبدو أن الليليث أو ليلي أو ليل السومرية هذه - 4 آلاف عام ق.م - هي نفسها التي أصبحت
ويبدو أن العبريين كانوا قد أخذوها عن الكنعانيين الذين سبقوهم في استيطان فلسطين، فليليث
ولقد اعتقد الملك سليمان في أن بلقيس ملكة سبأ ما هي إلا ليليث أي عفريتة؛ نظرا لأن
2
وكان أن وضع لها سليمان بعد ذلك بمعونة جنوده وأعوانه من الجن «الخلطة» التي
أما عن فكرة توحد حواء بالحية التي تتوحد بدورها بالشيطان، فتتبدى بكثرة في أغلب أساطير
3
ففي أغلب الأساطير والشفاهيات العربية خاصة يغوي الشيطان المرأة زوجة الإله أو البطل،
ووردت هذه الفكرة أيضا في الأسطورة الفلاشية عن تسلل الشيطان إلى جوف الحوت الخالق،
وتكشف النصوص المدونة والشفاهية لأسطورة الطوفان استعانة الشيطان بزوجة نوح، للإيقاع
وفي أحد النصوص الشرقية التي جمعها أبيفانيس اليوناني: «أن برها زوجة نوح أشعلت الفلك
وفي عديد من النصوص يأخذ نوح مكان آدم ويتطابق معه، ويروح إبليس يغري الزوجة، ويدفعها إلى
وتتوالى جزئية أو فكرة غواية الشيطان للزوجة بشكل متوال في أغلب الأساطير السامية،
4
وفي أحد النصوص التي تتعرض لغواية الشيطان لرحمة، امرأة أيوب، يقول النص:
إنه كان ل «أيوب بن رازح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل؛ زوجة اسمها رحمة،
وما يمكن ملاحظته في ذلك النص، هو أن إبليس أرى الزوجة «رحمة» ما ذهب لهم، بمعنى أنه هو
فالعلاقة بين المرأة والشيطان تتواتر بكثرة شديدة، خاصة في نصوص وأساطير الخلق الأولى عند
وما يهمنا هنا هو هذه الفكرة السومرية، وهي فكرة توحد الشيطانة ليليث بالحية، وليليث هي
فعندما قرر الله أن يهب آدم أنيسا، طلب منه أن يسمي كل حيوان بهيم وطائر وكل مخلوق حي،
ويلاحظ طبعا أن هذا التراث الأبوي القبلي، يحط من قدر المرأة حتى في مادة خلقها.
وباتحاد آدم مع هذه الشيطانة ومع أخرى على شاكلتها تدعى «نعمة أو نعامة » ونعمة هي أخت
وقد تعثر عند الجاحظ
5
على تفسير لتوضيح تلك العلاقة اللغوية الاشتقاقية بين الاسم «نعمة» أو الجنية
وتنسب الأساطير لهاتين الأنثيين أو الجنيتين ليليث ونعمة أنهما هما اللتان جاءتا إلى كرسي
فإذا ما كانت الحية قد توحدت صراحة بالشيطان حين تسلل إبليس إلى الجنة داخل الحية، والحية
وعلى هذا فإن الثلاثة: الحية والشيطان والمرأة، ما هم إلا وجها واحدا لنفس
وتتركز الأسطورة التي أوردها الطبري في أن «إبليس عرض نفسه على دواب الأرض في أن تحمله
6
ويقال إن إبليس
7
دعا الله قائلا: «يا رب، أخرجتني من الجنة من أجل آدم، زدني. قال الله: لا
وترى بعض أساطير الخلق - العبرية - أن أول صراع نشب بين آدم وحواء، جاء بسبب استياء حواء
وعندما شكا آدم حواء أو ليليث إلى الله: لقد هجرتني زوجتي، لحمي. «وأرسل الله الملائكة في
وبينما راحت الليليث وأختها نعمة تخطف الأطفال المولودين وتخنقهم، عاقبهما الله بقتل مائة
إلا أن الجنيتين راحتا تخنقان الأطفال وتغويان الرجال النائمين - الفرادى - وتضاجعاهم،
8
وترجع بذوره الأولى إلى الألف الثانية ق.م عند الكنعانيين الشوام.
ومن أساطير الخلق الأولى اكتملت المعتقدات التي ما تزال شائعة، حول إضرار العفاريت
كما أنهم اعتقدوا في أن الطهور هو الحماية الحقيقية للطفل من العفاريت.
وكان من المعتقد «أن العفاريت تسكن الصحراء الأدومية بسوريا، مخلفة الرعب والبجع والبوم
وكانت ملل ونحل الكلدانيين الحرانيين فيما بين النهرين، وكذلك المانوية والديصانية -
9
وقد ارتبطت هذه الشعائر عند تلك الملل الكثيرة المتلاطمة، بأساطيرهم وأفكارهم الأولى عن
ومعتقد الخوف على حياة الأطفال حديثي الولادة وأمهاتهم النفساوات منتشرة بكثيرة في
وفي القرن الرابع عشر الميلادي وحد «هيرونيموس» بين الليليث السامية واللاميا اليونانية،
10
فخلق حواء من ضلع الرجل أسطورة مستقرة منتشرة بكثرة على طول الشرق الأوسط، تؤكد سيادة
•••
وكان الكلدانيون فلاسفة وكهنة حران يقولون بأن للجن إلها، يضحون له بنحر الخرفان،
وكان من منفراتهم؛
11
أي إتيانهم الأمور المنفرة للجن - وتعرف بالمنفرات عند الساميين بعامة - أنهم
كما كان من بين هذه المنفرات - التي ما تزال تتواتر حولنا - عند بقايا هذه الأقوام
12
أو اعتقادهم في سن الثعالب، وحلق الرأس بالموسى، وتغيير الأسماء، فيذكر عن
13
وعن ابن عباس قال: «كانت حواء تلد لآدم فتعبدهم؛ أي تسميهم عبد الله وعبد الرحمن، ونحو
ويورد ابن النديم أن مصر وبابل أكثرت من هذه المنفرات قائلا: «فأما السحرة فزعمت أنها
وأضاف: «وقال لي من رأى السحرة بأرض مصر: وبها بقايا ساحرين وساحرات، وزعم الجميع من
وكانت خرافات الغيلان منتشرة بكثرة شديدة في الجزيرة العربية، وينسب لكائن خرافي يسمى
وممن تزوج بالجن من العرب عمر بن يربوع بن حنظلة التميمي، وجذع بن سنان، وعمرو ذي الأزعار
بل إن قبائل بأسرها انتسبت إلى الجن
14
مثل بني مالك، وبني شيصيان، وبني يربوع، الذين تسموا ببني السعلاة - أي السلعوة
كما أن قبائل بكاملها عبدت الجن، مثل رهط طلحة الطالحات من خزاعة، ولقد اعتقدوا في أن
ولقد كتبت مؤلفات بكاملها في هذا المعنى، نسبة لابن هلال، وابن الإمام، وأبو خالد
ويرى ابن الكلبي أن إبليس
15
أنجب خمسة، منهم ثلاثة قبائل أو أسباط، تنزع إلى الشر: «الثبر» و«زلفيون»
كذلك فلا نهاية لمن عشق الجن من الإنس، وخاواها في العلن والخفاء.
كما أن حروبا طويلة دامية وقعت بين قبائل الجن وقبائل الإنس من العرب، منها حروب بني
16
وكان كلما أوقعت الجن ببشري بعد ذلك خاطبها قائلا: «يا معشر الجن، أنا رجل من بني سهل،
وكانت نحل وشيع الحابطين، أصحاب أحمد بن حابط بنواحي البصرة، وأحمد بن نانوس، وأيوب
وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم
.
والربط بين الجن والحيوانات والهوام والأشجار، يشير مباشرة إلى انحدارها من الطوطمية، وهو
17
وكانت القبيلة وأسلافها والأرض التي تعيش عليها، وما يتحكم فيها من عوامل مناخية
18
القائلين بفكرة الرحم الخالق (ويمكن ملاحظة العلاقة اللغوية الاشتقاقية بين ذلك
وهم الذين زعموا «أن في جوف الماء الريح، وفي الريح الرحم، وفي الرحم المشيمة، وفي
19
وكذلك أساطير خلق المغتسلة سكان البطائح، والكشطيين، والمنسطوريين، والصامية، والغولية،
وكانت أسطورة الخلق القريشية - فيما قبل الإسلام - وقريش كان طوطمها الحوت، تقول: «إن
وفي إحدى خرافات ذي القرنين التي يوردها وهب بن
20
وفي خرافة قريشية متأخرة، كان لها السيادة فيما
ويرى رفائيل بتاي أن العبريين استعاروا أفكارهم عن الحيتان والحيوانات البهيمية ذات الجثث
ووردت هذه الخوارق البهيمية في الميثولوجي الفرعوني، فذكر الرحالة المؤرخون «هردوت
21
كما وردت هذه الخوارق البهيمية في الميثولوجي البابلي، ومنها الحوت متعدد الرأس والإله ذو
وبحسب ما ذكره هردوت وديودورو الصقلي، فقد «أكل فقراء الشرق الأوسط عامة لحم الحيتان وفرس
وطبعا كان الحيوان الطوطم يدافع عن القبيلة ويحميها، مثل هدهد سليمان وبلقيس، وحادث
يقول المسعودي: «وقد زعموا أن الحيوان الناطق ثلاثة أجناس؛ ناس، وبنتاس، ونسناس، وقالوا:
وتركز الميثولوجيا السامية بشكل مجمل على أن خطيئة إبليس الأولى تمثلت في استكباره للمادة
وفي إحدى الروايات: «إن إبليس كان له ملك سماء الدنيا، وكان ينحدر من قبيلة من الملائكة،
ويبدو أن الصراع كان ملتهبا بين مادتي النار والطين، أو بين الملائكة والبشر؛ إذ إن الله
ومعنى هذا أنه كان هناك اعتقاد أكيد في أن «طينة» الجن أرفع منزلة من تلك التي صيغ منها
22
الذي أورد حكاية «من مصدر عربي عن حادث موت ملك الجن (1063-104ق.م) وأنهم كانوا
الفصل الثامن
حكايات فولكلورية سوادنية ومصرية
مجموعة حكايات فولكلورية سوادنية، جمعها الدكتور الأستاذ عواد كامل، ونشرها في كتاب تحت
ورغم أن د. مراد كامل قد أعاد صياغة هذه الحكايات الشفاهية السودانية، ونشرها في شكلها
والذي استوقفني بالنسبة لهذه الحكايات هو عثوري على نفس هذه الحكايات والحواديت، بكاملها،
وليس هذا بغريب بالنسبة للأسس والقوانين التي أمكن لعلم الفولكلور إرساؤها منذ مطلع هذا
ومرجع هذا التطابق أو التوحد للتراثين المصري والسوداني - بالنسبة للحكايات الشعبية - هو
وتصل علوم ما قبل التاريخ، بالعلاقة التاريخية لمصر القديمة بالسودان، إلى ما قبل عهد
ولقد تدعمت بين الدولتين منذ الدولة الوسطى 2000ق.م، حين بدأ ملوك الأسرة الثانية عشرة
ولقد لعب السودانيون دورهم الشقيق في معاونة المصريين في طرد الهكسوس، خاصة قبائل البجة
وكان الملك كشتا أول من عرف من ملوك السودانيين، واتسع سلطانه حتى تعدى الأقصى، ولما مات
ويعرف هؤلاء الملوك السودانيون الأوائل بملوك نبتة العظام، وهم الذين جلبوا الصناع
وخرج ملوك السودان أو ملوك نبتة مرارا لصد هجمات القرى وغيرهم من القبائل الليبية
وطبعا فإن هذه الاتصالات المصرية السودانية المبكرة حملت مع ما حملت التراث الشفهي
•••
وقبل الانتقال والتعرض للموضوع الذي نحن بصدده، أود أن أشير إلى النقص الكبير الذي
ومن ذلك أيضا متاخمة الشرق الأدنى لحضارتين مبكرتين هما الهند وفارس اللتين واصلتا تسريب
وحتى فترة قريبة، هناك شبه إجماع من جانب جيل الفولكلوريين الأكاديميين والمستشرقين،
ونشبت معارك طويلة حول ما قال به المستشرق تيودور بنفي، وعالما الفولكلور والأساطير
فيرى ثومبسون أن دور الشرق الأدنى تتعاظم أهميته في السنوات الأخيرة؛ نظرا لكونه المعبر
ويضيف الأستاذ ثومبسون: هذا إلى جانب القيمة العظيمة لتراث الشرق الأدنى الفولكلوري في حد
كما أن على رأس مصاعب وتعثر التصدي لدراسة تراث الشرق الأدنى بأساطيره وفولكلوره؛ تقف
لذا فإن محاولات الدراسين تعد إلى الآن محاولات شبه عقيمة، والأكثر عقما وأخطارا هو
•••
وإذا ما عدنا إلى موضوعنا الخاص بمجموعة الحكايات والأحدوثات السودانية التي تنبه لأهمية
وكان أن بدأت بعد ذلك مرحلة الدراسة العلمية اليقينية لهذه الملحمة.
وإذا ما بدأنا بتناول واحدة من هذه الحواديت أو الحكايات السودانية، التي جمعها د. مراد
وملخص الحكاية السودانية عن الملك الأسد هو أنه اشترى حمولة عشرين سفينة من «الزباد» - أو
وتتوالى الحكاية، حتى يصل إلى حانوت الحلاق ابن الملك الذي كان قد سبق أن شهد مجده
ولقد جمعت من حواديت الملك الأسد أربعة نصوص، منها هذا النص المصري الذي يبدأ هكذا:
كان الملك الأسد أغنى ملك في الدنيا، ومكنش فيه في مملكته لا بيع ولا شرا ولا
فترك مملكته، وركب حصانه، ومشى أرض الله لخلق الله، إلى أن صادفه في الطريق بحر
واستبدل الملك ملابسه بجلباب قديم - خيشة - كان يرتديها أحد الشحاتين، ونزل
وتتطابق نهاية الحكايات الأربع المصرية مع الحكايات السودانية في رجوع ملك الملك الأسد
وإذا ما تناولنا حكاية ثانية، أوردها د. مراد كامل من السوباط، وهي حكاية «شيخ الأسود»، وموجزها:
أن رجلا هرب من مدينته بعد أن قتل الملك أخاه وابنه واستولى على أملاكه، وعاش
وبينما الأسد يواصل احتداده مدافعا عن أنه أقوى المخلوقات، جاء - الإنسان -
فقال الحطاب: «هذا حسن، ولكني تركت قوتي في البيت، فانتظرني إلى الغد، حتى أحضر
وبهذه الحيلة التي ستكون موضوع بحثنا، نجا الحطاب من الأسد؛ نظرا لأن بقية الحكاية دخيل
ويكتمل الجانب - الاستطرادي - في الحكاية السودانية، بسلسلة من الحيل المتوالية، التي
ومثل هذا الاستطراد دخيل تماما على الجزئية السابقة، التي هي في حد ذاتها حكاية مكتملة،
والنص الشفاهي المصري لهذه الحكاية أكثر تحديدا وأصالة؛ لذا سأورده كاملا، كما حققته من
ديب مصاحب تمساح، ومتعود يزوره كل يوم، يروحلو على شط بركة قارون، وينط على ظهره
1
والتمساح يفسحه على وش الركة، وبعد كده يرجعه على الشط آخر
مرات التمساح - وليفته - زعلت واتقهرت وغارت من الديب.
وفي ليلة عملت عيانة، ولما جاء التمساح يسألها: عيانة بإيه؟ قالتلو: الحكيم قللي
التمساح قاللها: بسيطة؛ الديب صاحبي، وبكره الصبح حايجيني وأجيبلك قلبه.
وتاني يوم الصبح، لما الديب جا يزور التمساح، نط ركب على ضهره زي عوايده، التمساح
التمساح رجع الديب على البر، والديب أول ما حط رجله على البر فطس على روحه من
الديب قاللو: بضحك عليك؛ عليل ما دويت، وصاحب ما بقيت.
والاختلافات بين النصين السوداني والمصري لهذه الحكاية هي مجرد متنوعات أو اشتقاقات
وسأورد هنا النص العربي لهذه الحكاية، والذي يعد أقدم نص مدون، كما يجمع على هذا
كرتلي ، وملخص النص العربي المدون كما يلي:
ما إن انتهى الله من خلق العالم، حتى أمر - عزرائيل - ملك الموت، أن يلقي في البحر
وتمكن الثعلب بمكره ودهائه من الإفلات من قبضة ملك الموت، وحتى لا يلقي به في
وفي نهاية العام، أحصى الحوت «ملك البحر» جميع حيواناته، لكنه افتقد الثعلب، فأرسل الحوت
وعندما وصلت الأسماك، رسل الحوت إلى الشاطئ، والتقت بالثعلب، احتالت بدورها عليه،
هنا أجاب الثعلب للأسماك، بأنه كان من واجبهم تذكيره وهو على الشط لكي يحضر معه قلبه؛
وكان أن أعادته الأسماك إلى الشاطئ، لكي يسرع ويحضر قلبه، لكن ما إن وضع الثعلب قدمه على
وكان أن فتك الحوت برسله من الأسماك الأغبياء، والتهم قلوبهم.
ولقد عكف اثنان من كبار علماء الفولكلور، هما د. موسى جاستر ود. جنزبرج، على دراسة هذه
واتفق الباحثان على أن النص العربي الذي نقله اليهود إلى العبرية، وأورده أحد كتابهم وهو
واتفق الباحثان على أن النص مستمد بدوره من منابعه الهندية، وبالتحديد من حكاية «القرد
ويحتفي دارسو الفولكلور بحكايات الحيوانات والطيور والنباتات والزواحف، احتفاء خاصا،
كما أن هناك شبه إجماع من جانب دارسي الفولكلور على أن قصص الحيوان الشارحة، هي المصدر
وقصص الحيوان الشارحة، هي تلك القصص التي فسر بمقتضاها الأقدمون الفرق بين حيوان وآخر،
وفي واحدة من هذه الحكايات السودانية، التي موطنها النيل الأبيض، تكشف لنا الحكاية كيف أن
وفي حكاية شارحة أخرى من - الشلوك - عن البقرة والكلب، موجزها أن البقرة خلقت في السماء
وما من حيوان أو طائر أو نبات لم تصاحبه مجموعة حكايات، تحدد أوصافه وأخص معالمه وتحيطه
الفصل التاسع
الذاكرة الفولكلورية
مجموعة خبرات بسيطة لكنها ملفتة إلى أقصى حد، تتصل بالذاكرة الشعبية الجماعية، أو الذاكرة
ومن هذا المدخل يمكن القول بأن لا شيء مفتقد، بل إن المفتقد - تاريخيا أو أركيولوجيا
وإذا كان من الصعب علينا اليوم في أيامنا هذه تقبل حقيقة أن بلداننا العربية مصابة بأعلى
وتحفظ الذاكرة الشعبية مقوماتها الأولى المنحدرة من طفولتها الطوطمية والأنيزمية القديمة
1 - ستخ أو طيفون - الذي بسببه أصبح لها شريرا متجبرا، ومثل رأس الحية الذي هو
وقد يكون هناك ثمة علاقة بين ألوان الطيور والحيوانات المشئومة، وبين الألوان الحزينة
2
وهو الأبيض، وعلاقته أيضا بالحمامة النوحية، وبمعنى أصح الجلجاميشية، بعد أن
ويبرز «طوطم» الحمامة ودلالتها عند الساميين بشكل ملفت جدا؛ فتسمية راحيل أو راشيل - أم
ومن اسم الحمام تسمت الملكات السوريات الآشوريات: سميراميس، وسميرام، وسميرنا.
وقد لا ننسى الحمام في تراثنا العربي، وتحولات أبطال الخوارق والملاحم إلى الحمام.
كما قد لا ننسى حمامة الأيك، كطوطم إسلامي شامل ومغرق في القدم، وهو ما سنتعرض له في
وكما يقول الأستاذ تومبسون، فإن الأمر بالنسبة لذاكرة شعوبنا - السامية الشرقية -
وعلى سبيل المثال، فلنا أن نتصور أن عمر الانتقال إلى مرحلة الإعلام الإلكتروني - الراديو
3
ومن هنا ففي الإمكان التحقق من الكثير من تراثنا الحفري الفولكلوري مثل افتراض العثور على
ولعل أكثر المغالين أو المبالغين في قيمة هذه الحكايات المصرية هو إيرمان الذي أرجعها
وسجل بيتري في الجزئين اللذين نشرهما عن حكاياتنا المصرية الفرعونية مجموعة ملاحظات
كما سجل بيتري مدى خوف المصري القديم الدائم من أخطار البلاد الأجنبية، خاصة الآسيويين،
كذلك تنبه بيتري إلى غياب وتدهور ملامح الشخصية المصرية في العصر المتأخر، بدءا من
فحكايات السحر والخوارق مثلا بدأت تكثر جدا، بدءا من الأسرة الثانية عشرة، وكذلك
4
التي ترجع إلى الأسرة الثامنة عشرة، والتي يمكن القول بأنها ما تزال تعيش
ويمكن للقارئ تذكر هذه الحكايات الفولكلورية الفرعونية أو تذكر بعض وحداتها أو تضميناتها،
كان يوجد ملك لا يولد له أبناء، فتمنى من الآلهة أن ترزقه طفلا، واستجابت
Hothors
وتنبأت له: سيموت ابن الملك إما بسبب التمساح، أو الحية، أو الكلب.
وما إن أخبر الشعب مليكه بالنبوءة، حتى بنى له قصرا معزولا تحت الأرض، وحواه
وذات يوم صعد الولد إلى سطح قصره، فرأى كلبا يسير خلف رجل، فسأل معلمه:
5
ما هذا؟
أجابه المعلم: هذا كلب.
قال ابن الملك: أريد كلبا مثله.
فأحضروا له كلبا، وكتب الابن إلى أبيه رسالة أخبره فيها أنه يريد الخروج من قصره
وترك القصر بصحبة كلبه، وسافر إلى بلاد بدلام
6
الذي لم يكن له سوى ابنة وحيدة، بنى لها قصرا شاهقا، به سبعون شباكا
وطلب ملك نهرينا - بلاد ما بين النهرين - أنه لن يزوج ابنته إلا لمن يستطيع
وحاول ابن الملك مع بقية الشباب المتجمهرين حول قصر الأميرة ابنة الملك الوصول
وعندما استمعوا لحكايته المحزنة، احتضنوه وقبلوه.
وحاول الولد معهم أياما الوصول إلى شباك الأميرة، إلى أن نجح في الوصول إليها
وعندما ذهب الشبان، فأخبروا الملك، اغتاظ قائلا: «هل حقا سأعطي ابنتي الوحيدة،
وحين حاول الملك استدعاء الولد، لم تدعه الأميرة يذهب، وهددت بأنها لن تأكل وتشرب
وحين أخبروا الملك بكلام الأميرة، وأصر الملك في طلبه، هددت الأميرة بأنها ستموت
لكنهم أخذوا ابن الملك بالقوة إلى ملك نهرينا، الذي سأله وعلم منه أنه ابن سيد
وذات يوم أخبر ابن الملك زوجته قائلا: «اعلمي يا حبيبتي أنني مقضي علي بالموت
فأمرت الأميرة بقتل الكلاب، واصطياد جميع تماسيح البحيرة.
وذات ليلة، نام ابن الملك، وجاءت زوجته الأميرة بإناء اللبن ووضعته إلى جواره،
إلى أن كان يوم، نزل فيه الأمير الزوج ليستحم في النهر، فجاءه التمساح قائلا:
وكما هو واضح يمكن للقارئ تذكر بعض تضمينات هذه الحكاية المصرية التي ترجع إلى الأسرة 18،
ولقد قطعت هذه الحكاية شوطا كبيرا على رقعة معظم العالم، لو حاولنا التعرض لها
وليس هذا هو موضوعنا، بقدر ما إن موضوعنا هو مدى احتفاظ ذاكرتنا الفولكلورية لأقدم
من ذلك حكاية «أنبو وباتا» أو قصة الأخوين، التي ترجمها أيضا د. بيتري، وترجع إلى الأسرة
وعندما دلف إلى داخل الحظيرة، ورأى أخاه، اندفع جاريا بأقصى سرعة وسط البراري، وتبعه
فسمع لشكاته رع، جاعلا بينهما بحرا عميقا ضاريا، عازلا أصغرهما عن أكبرهما، مملوءة
ولعلها أيضا نفس تضمينة أو خارقة عزل موسى وقومه عن فرعون وجنوده، التي ارتبطت ببرزخ
وعاد الأخ الأصغر يصرخ متضرعا لرع حارختي، قائلا لأخيه: «أتتعقبني لتذبحني بسكينك
وطبعا يذكرنا هذا بأول جرائم قتل الأخ لأخيه، التي يقال إنها وقعت بأرض دمشق، حين قال
وحين لحق الأخ الأكبر بأخيه، استل سكينة وراح يقطع من جسده ملقيا بلحمه للسمك والتماسيح،
وذهب الأخ الأصغر ليعاود الحياة في وادي شجر السنط، التي نام تحتها ذات مرة، فالتقى
ويلاحظ أن كثيرا من أحداث أو تضمينات قصة الأخوين هذه قد تواترت وهاجرت إلى عديد من
كذلك فمن بين الحكايات المصرية التي ما تزال تعيش متواترة على الشفاه، خاصة بعد أن واصلت
فالبحث عن كتاب السحر لتحوت، يقابله بحث سيف بن ذي يزن عن كتاب النيل ومخاطراته الطويلة
وأخيرا ففيما يختص بتراثنا المصري المعاش اليوم وعلاقته بسالفه الفرعوني، يمكن القول بأن
ولو أن لدى الفولكلوريين المعاصرين معلومات كافية ، عن الملحمة التي أنشدها مصريو الدولة
وفيما يتصل بنصوص التوابيت والأهرامات، وكتاب الموتى، يمكن القول بأنها ما تزال محفوظة،
مسيكي بالخير يا عود الأنا يا روحي
يا للي تيابك على الجسم يرد الروحي
بكرة آخد اسمي واسمك واكتبه في اللوحي
وأعلقه في الهوا الطاير لجل البكا والنوحي.
الفصل العاشر
البناء القبلي ... والفولكلور
يتضح سلسال أو نسق القرابة خاصة في سيرنا وملاحمنا مثل ملحمة حسان اليماني أو الزير
فالقبيلة حين تتحرك للحرب والمنازلة، تتحرك حافظة بكل دقة لنسيجها القاربي، كفرع من
فالقبيلة فرع من الشعب المتحالف - عدنان وقحطان - مثل قبائل ربيعة ومضر وعدنان، ومن
والبدنة كما يعرفها الأستاذان إيفانز برتشاد وفورتس؛ وحدة دائمة تظل موجودة على مر
فيلاحظ أن نظام القرابة يهتم بدراسة العلاقات بين الجماعات القرابية كالبدنات وفروعها
وعلى سبيل المثال، فإن قريشا وكنانة ما هما إلا بدنتين من مضر.
ومن العمارة أو البدنة تجيء البطن، مثل بني عبد مناف من قريش، ومن البطن يجيء الفخذ، ومن
وإذا ما عدنا إلى الاستشهاد ببعض النماذج القرابية للهلالية، نجد أن العصب القبائلي الأم
بل إن السيرة تحفظ لقاتل الزناتي خليفة وهو قحطاني سلف بدوره، لهجرة يمنية سالفة - تابو -
لذا كان قاتله هو دياب بن غانم، وهو القحطاني الذي لقبه الشعب المصري، نظرا لغدره
كذلك يتضح في السيرة تقديس الخال عند القبائل العربية القمرية - الهلالية، مثل تقديس
كذلك يتضح مدى تقديس الخال المتواتر إلى اليوم المشاع بكثرة في الحواديت والشعر الشعبي
يا عم يا للي بلا خال
تعال أعملك خالي
وأحط قلبي السليم
على قلبك الخالي.
وكذا مسبة من لا خال له.
وهو ما تغرق فيه اليوم القبائل العبرية، السامية، التي انتهت في اليهودية، وتعريفها
وبحسب نظرية التوالد الذاتي للموضوعات التي كان تيلود أول من أشار إليها، وسماها
وإن كنت فنان وصاحب فن قوم هاتلي
أمارة عن أرض جت فيها الشمس مرة جات.
والمقصود مكان مسته الشمس ونفذت فيه أشعتها مرة واحدة، وهو يشير بالطبع إلى
كما أن منها مفاهيم وأمثلة وأحجية مثل: «الضربة الواحدة للرجل»، «ضربة الرجال ماتتناش»،
ومع استمرارية أبنية أو أنساق المجتمع، تظل هذه الظواهر والموروثات تواصل توالدها الذاتي،
ومن هنا يمكن القول بإسهام جيل الفولكلوريين الأنثروبولوجيين في المساهمة إلى المنهج
فمهمة الباحث الفولكلوري لا تقف عند مجرد جمع النصوص والكشف عن مصادرها وأصولها، بل إن
فما من شك مثلا في أن لخرافات الجان والنداهات ملامحها المحلية ما بين قرية وما يجاورها
وعلى هذا فإذا ما اتفقنا على أن الملمح الرئيسي لفولكلور وأساطير منطقتنا العربية أو
وإذا ما عرفنا أن من أهم الأساسيات التي تقوم عليها المجتمعات البشرية مبدأ القرابة أو
وإذا ما عرفنا أن القرابة شيء أساسي لكافة المجتمعات البشرية، فما بالنا بالنسبة للقبيلة،
وبكل تأكيد ممكن، فإن في دراسة بنية أو نسق القرابة والانتساب على مستوى المنطقة العربية
في دراسة مثل هذه الظاهرة أو النسق، انفتاح على بنية كاملة، ووصلت العلوم الأنثروبولوجية
فدراسة أي نسق لا يصح أن تجري بمعزل عن بقية الأنساق والأبنية التي تؤلف البناء الاجتماعي
ومن السهل تصور أن التركيبات العائلية بل لنقل القبائلية، تتبدى بوضوح في - نص - نعي
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن في دراسة البناء القرابي في علاقاته المتبادلة مع بقية
ومن هنا فليس مدخلنا إلى دراسة النسق القرابي، على مستوى العالم العربي أو المنطقة
وهو ما تتوسع فيه الدراسات العبرية اليهودية، ربما بإيقاع قرن إثر قرن منذ كوزمولوجي سفر
فيلاحظ هنا أنه بالنسبة للكوزمولوجي السامي، أو نسق القرابة، تبدأ شجرة العائلة، منذ آدم،
وقحطان طبعا ما يزال يتردد إلى اليوم، وإليه تنسب عديد من القبائل العربية سواء في
بل لقد ظل نسق القرابة متواصلا داخل التراث العربي متواترا، وتصر على تدعيمه وإحيائه
ومرة ثانية، من مدخل تنشيط دراسات نسق القرابة وعلى مستوى بلداننا العربية بهدف استيضاح
فليكن الهدف هنا هو الدخول إلى أحد ميادين العصر الكبيرة، وهو ميدان الاتصال.
فكما يقول شترواس: «يجب أن تخضع دراسة القرابة والزواج لبعض المناهج التي تنبع مباشرة من
ولعل الملمح الأساسي لتقدم الأنثروبولوجيا الاجتماعية منذ القرن الماضي، كانت زيادة
ومن المفيد الإشادة بالدور الذي أصبحت تلعبه بعض الدراسات الميدانية في التبصير بأهمية
وقد يكون للدور الكبير الذي لعبه رادكليف براون بشكل خاص للدراسات البنائية في عمومها،
السلوك المصاحب لعادات الاقتتال والثأر، أو المصاحب لتصرفات الأسرى أو العشيرة في حالات
ففي أهمية دراسة السلوك داخل النسق القرابي - كما يقول لوي - ما يشير ويكشف عن جوهر
ولقد اعتبر شتراوس أن من أغراض نظم القرابة وقواعد الزواج التي يسودها تناسق وظيفتها في
ففي رأيه أن النساء في أحسن حالاتهن، أحد مستويات الاتصال، وعلى ذلك فمن الزواج إلى اللغة
كذلك استطاع براون أن يصل في دراساته إلى وضع مصطلحات أو قوانين لها عموميتها، ولها
ويتفق براون مع مالينوفسكي في أن الروابط البيولوجية وروابط الدم هي في ذات الوقت الأصل
إلا أنه يتفق مع ماكلينان ومالينوفسكي في أن «تنظيم العائلة الذي يسود فيه حق الذكر في كل
وبالنسبة إلى البناءات الطبقية، وصكوك الملكية، ونظم التوريث وعلاقتهم بالبناء القرابي
•••
وكما هو واضح يتبدى مدى تأثير المجتمع الأموي داخل تراثنا العربي والسامي بعامة، والعبري
وتنقصني معلومات عن نظام التوريث والميراث الإسرائيلي، ذلك أن خط التوريث شديد الارتباط
وفي حالة التوريث يمكن الرجوع إلى فكرة الفصل بين الأبوة البيولوجية والأبوة الاجتماعية،
كذلك لاحظ مالينوفسكي وغيره داخل هذه المجتمعات الأمومية أن في مقدور أي فرد أن يذكر
1
ويمكن القول بالنسبة لعالمنا العربي أن كلا التوريث والانتساب للجدود يسير في خطين، صحيح
وكان لريموند فيرث سبق التوصل والتبصير بهذه الطريقة الثالثة التي لا هي بالأبوية
ومن المفيد هنا الإشارة إلى أنه من الصعب علينا كمجتمعات عربية أبوية، تصورنا لإمكان
وتذكر مسز أودري ريتشاردز التي سجلت دراساتها الميدانية الأنثروبولوجية داخل قبائل
كما أن رحيل الرجال للعمل في مناجم النحاس قضى على عادة أو نسق مبدأ إقامة الرجل في موطن
كذلك كان لفيرث سبق الريادة في دراسة نظام أو نسف الزواج بأكثر من زوجة واحدة، وهو المثال
كما أن من أسبابه الإشباع الجنسي، لا على اعتبار أنه مجرد شهوة، ولكنه إشباع لما يمكن
بالإضافة إلى علاقة تعدد الزوجات بارتفاع عدد الإناث عن الرجال لأسباب اقتصادية، وهجرة
وبالنسبة للسلفية، تلك التي عرفها شيخ المؤرخين وأحد فلاسفة التاريخ، أرنولد توينبي،
ومن جانب آخر تتمثل السلفية في سحر اللغة ورونقها، ولنقل سحر عصور وأحقاب بعينها لأزهى
كما أن أقصى جاذبيتها تتبدى في الأساطير والتحليق في رومانتيكية العقل الغيبي، المضاد
ويا له من عالم - من حيث جمالياته البحتة - عالم الأساطير المكبل بسلطان العادة
منذ أساطير خلق العالم والإنسان الأول أو القديم أو الأديم، المصاغ من طين العمق
فالسلفية هنا جزء من التصور القبلي، ذلك الذي لا يقف عند الأحياء، بل هو يمتد خلفا في
ومن هنا فكلا الأحياء والأموات يوجدان الجماعة أو الأمة، مع ملاحظة الانتساب اللغوي إلى
ويمكن القول بأنه حالة الانجذاب هذه نحو السلفية، سماها الكثيرون بحق بحالة الهستيريا،
الفصل الحادي عشر
التابو والفولكلور
طبيعي أن لا تقتصر دراسة «التابو» على الباحث الاجتماعي؛ نظرا لأنها تصادف جامع ودارس
ومعنى التابو، ذلك الذي ينتمي في المجتمعات البدائية للقوانين الطقوسية الخالعة، الملحوظة
وتغرق بحار التابوات وقنواتها مجمل حياتنا اليومية بشقيها الصاحي والنائم، فلكل حركة
للبدء تابواته وللنهاية، وهو ما تزايد خطره واستفحل إلى أن وصل في السنوات الأخيرة إلى حد
ومن هنا تفجرت شرايينه ونفذت دون سدود أو حدود إلى أجهزة الدولة وأنشطتها المختلفة، حتى
فالبداية - أية بداية منذ الكلام والفعل والكتابة حتى الولادة - محرماتها
وللنهاية - أية نهاية سواء أكانت وصولا أو تذييل خطاب أو نص أو أكل أو وفاة - طقوسها
ومن هنا أصبحت تنقسم حياتنا هذه المعاصرة إلى مباح ومحظور، أو حلال وحرام، وإذا ما عرفنا
فكلمة تابو كلمة بولونزية تعني الممنوع أو «ذلك الذي لا» تعرف عليها المبشرون والرحالة
Taboo
وبطريقة أقرب إلى تعبير «تفو» المتداولة في
ويؤكد التقارب اللغوي الاشتقاقي بين تابو وتفو تعريف د. مارجريت ميد للتابو في دائرة
ومنذ ذلك التاريخ دخلت هذه الكلمة إلى اللغات الأوروبية، فاستخدمها كتاب عصر التنوير
إلى أن شغلت كلمة تابو فيما بعد عديدا من المشتغلين بالعلوم الاجتماعية أو الإنسانيات
واللافت أن مكتشفي القرن 17 للعالم خارج الغرب، مثل كوك وغيره، قد تحرجوا في المطابقة بين
والملفت هنا أن تحريم أكل المرأة مع الرجل عندنا، على اعتبار أن المرأة - هنا في بلدنا -
عدم مشاركة المرأة الرجل الطعام، بل والكثير من الأفعال، محرمة كما سبق أن أوضحنا؛ أنها
ونظرا لكثرة تدخل التابو - من محلل ومحرم - في حياتهم، فقد استغرقت دراسته حيزا كبيرا
فزارتهم عشرات البعثات المتعاقبة لدراسة مجمل أنشطة حياتهم وشعائرهم الحرية الدينية، التي
وما إن تجمعت المواد الميدانية أو الخام التي جمعها الرحالة والمبشرون في القرن الثامن
إلخ.
فعن طريق الاستغراق في دراسة مختلف الأنشطة والتصورات التي يحكم ناصيتها التابو، داخل هذه
فحين كان أئمة المساجد وشيوخها يواصلون تنغيم دعائهم على الأعداء - الإسرائيليين اليهود -
بل إن دراسة طرق وقنوات التابو، كشفت عن أن الكثير من بقايا الممارسات السحرية التي ما
بل إن متنوعات التابو شملت كيفية التعامل مع المواسم المختلفة والشهور، وأيام الأسبوع
فيلاحظ أنه على الرغم من الالتفات للتابو لم يعرف فيما قبل العصر الفيكتوري بالنسبة
•••
وبالنسبة للمرأة يشمل تابو النظر لها كمحرم عند مجمل الشعوب الشرقية إلى حد رفض الأنثى -
ولعل أخطر التابوات عندنا - في مصر والمنطقة العربية - هو ما يتصل بالمرأة والجنس، سواء
فنحن ما نزال ننظر للمرأة تبعا لتواتر النظرة الحجرية أو الطوطمية، أو الأسطورية
وفي تقريري أنه لو كان هناك دراسات علمية جادة تغطي تابو المرأة على مختلف مراحله
كذلك ستقودنا الدراسة إلى مدى العلاقة الوثيقة بين تابو المرأة والجنس، وبين آفة
ويلاحظ أنه قد يبدو للوهلة الأولى أن جدلية العلاقة بين تابو المرأة أو الحرام
HARAM
كما تنبه إليه وسماه روبرت سميث منذ مطلع هذا القرن،
وبمعنى آخر، هل يؤدي تابو المرأة والجنس المتواتر منذ منبعه على طول منطقتنا العربية
بل إن في الحلول المتعسفة التي مداها التحلل الجنسي، في اتجاه عقلنة هذه العلاقة، والتي
كذلك ستوقفنا مثل هذه الدراسة إلى الارتباط الشديد بين معوقات وتابوات الجنس وبين تخلفنا
ولا يمكن تصور مدى الارتباط بين حلول تابوات وموروثات الجنس، وبين الاندفاعات العقلية
ولعل في ظاهرة انفكاك وتفجر تابوات الجنس في الخفاء والظلام والزحام، بالشكل والكم الذي
ففي الوقت الذي يصعب جدا على الرجل أو الشباب التعرف بامرأة أو فتاة، خلال زحام
•••
ولعل أكثر الحالات أمنا، والتي لا يعيرها الكثيرون التفاتا، هي حالة الشذوذ النسائي أو
فإذا ما تعمقنا قليلا في جدلية العلاقة بين تابوات الجنس والزحام في مدننا، لهالنا ما
ولوجدنا أيضا أنها حالة يمكن تصنيفها مع ظاهرة الثقافة أو المواقف المضادة التي تتمثل
وبالنسبة لتابوات اللغة، فكما يقول مالينوفسكي،
1
فإن اللغة - أية لغة - لا تلعب فقط دور الحارس والحامي للأسطورة والأديان
ويذكرنا هذا على الفور بمدى سيطرة عائلة اللغات السامية، التي انتهت اليوم في العربية -
كما أن هذا يذكرنا بمدى اكتمال اللغات السامية في الفصحى، واتساع رقعتها، لدرجة أنهت بها،
وقد يكون في تابوات الفصحى ومنمنماتها اللغوية ما يحفظ إلى اليوم إضفاء صفتي القداسة
ويصل الأمر إلى إضفاء شطري التابو من مباح ومحظور على بقية أضلاع - المكعب - من ارتباط
بل إن أخطار التابو - اللغوي - على التنمية من بشرية أو عقلية أو حضارية، تصل إلى حد
ومن هنا يكون التابو كعيب أو شيء معيب أو ممنوع دوره الحافظ، المتسق الإخلاص مع المجتمع
وعلى هذا يصبح عيبا وتابو مثلا لمواطني بني سويف وقراها النطق على الطريقة المعتادة في
ومن هنا فالحضري أو المتحضر أقرب إلى الرفض خاصة في مصر الوسطى، وقد يقول له سائله
فالحضري أو التحضر غير مستحب، أو هو أنموذج لا يصح التمثل به، وتحفل الحواديت والحكايات
وفي قصص الشطار وخرافات الجان، عادة ما يأخذ ابن زوجة «الملك» الحضرية أو المتحضرة، جانب
وطبعا واصل مثل هذا الموروث، المدعم بسلطة العادة والتابو، نموه داخل عديد من أنظمتنا
•••
ولعل التكنيات والاستعارات هي آفة اللغة - أية لغة - وبالنسبة للغتنا تصل إلى إخفاء اسم
وبالطبع يمكن الاستطراد إلى حد الأدعية سواء بهدف جلب الخير أو الشر، بتعاويذها وأعمالها
ويمكن الاستطراد إلى تابوات وأسماء وممارسات بلاد وأماكن بعينها على طول بلداننا العربية،
وتعرض الكثيرون للتابوات المصاحبة لمأثورات النبات والطيور والحشرات والهوام، وشعائر
2
وبالنسبة للقسم - أو الحلفان - أفرد الشاعر عالم الأساطير روبرت جريفر مؤلفا هاما من
وقبل الاستطراد لكتاب جريفز الشيق، يمكن القول بأن القسم في معظم أحواله أقرب إلى التابو
ويبدو أن أقدم نماذجه موجودة في حضارات الشرق الأدنى السامية، منذ الفراعنة والبابليين
ولا حاجة هنا إلى تأصيل القسم، فكما يقول روبرت جريفر فإن القسم قديم قدم اللغة.
وفي رأي جريفر أن الإيمان والاعتقاد في القسم مرتبط بفكرة إدانة أو - قباحة - المرأة
وعلى هذا فكثير من الحضارات والأقوام، لم تعرف القسم، مثل حضارات الهنود الأمريكيين
ولعله في الإمكان القول بأن مركز الثقل بالنسبة للدراسات ونتائجها أو تقنينها العلمي
ووجه شتينر أقسى نقده ومعارضته لنظريات سميث التي ضمنها موسوعته الهامة عن الأديان
إلا أن شتينر أشاد بالجوانب اللغوية في دراسات روبرت سميث، الذي تنبه إلى أن أصل تسمية
kadesh
أو
ولقد شارك أيضا في هذا البحث اللغوي رائد التحليل النفسي فرويد متصورا هو أيضا أن كلمة
ولقد لاحظ روبرت سميث أن قادش بمعنى المقدس في اللغات السامية على عكس تابو التي تشير إلى
فعند العرب الأراضي المقدسة حرم مكة أو حمى الطائف، ومن حمى القبيلة، تواترت كلمة حمية أو
ولا يصح هنا إغفال ما توصل إليه روبرت سميث الذي أولى اهتماما فائضا للتابو في موسوعته
وفي رأي سميث أنها كلمة سامية مشتركة، قبل أن تكون بولونزية، وأنها مرادفة لكلمة - مقدس -
واستخدمها فرويد بمعنى قادش
kadesh ، فمعنى الكلمة
ومنها اسم قاديشا، وهو ما كان يطلق على معابد البغايا في إسرائيل، فكان لسميث فضل طرح
إلخ.
وتعرض سميث للجزيرة العربية حيث يوجد الكثير من الأماكن المقدسة، وحيث كان يحرم المساس
كما تعرض «لنذور» النوق أو الجمال السائبة، وضرب مثلا بناقة صالح والرعاف كعقاب.
فكان المفروض في الأماكن المقدسة أن تترك الأشياء والممتلكات والنذور، فقط لاستخدامات
فليست كل التابوات تنتمي إلى أغراض دينية كما يقول شتينر معارضا سميث.
واستخدم قوانين النظافة بتوسع منذ الاستنجاء والوضوء حتى تابو المرأة الطامث ومن لمس جثة
فالإنسان - السامي أو العربي - يحتم التابو ألا ينظر إليه كمقدس، بقدر ما هو يتقي أخطار
كما تعرض لمفهوم النجاسة وعدم لمس أشياء بعينها مثل الكلاب والخنازير وأجساد الموتى
كذلك عدد روبرت سميث، خلال دراساته على مختلف المجتمعات السامية، كثيرا من الأشياء
واستخدم سميث مثلا متداولا بيننا نحن العرب الساميين؛ حين نقول: «مبروك على الأرض»،
3
عن الكيفية التي يجب أن يحرك بها المرء حذاءه
4
على أرض يطأها للمرة الأولى (خروج 3-5)، وما يصاحب هذا من تابوات البدء المصاحب
ويمكن القول بأن تنبه روبرت سميث لفكرة العلاقة بين التابو والمقدس، كان له التأثير المشع
وكالعادة تعرضت نظريات سميث لكثير من النقد ممن جذبهم حقل التابو والدراسات السامية، مثل
snith
عن «أفكار مميزة عن العهد القديم 1944»؛
أما الدراسات التوراتية لهربرت سبنسلا وآرثر تيلور «الثقافة البدائية»، وفريزر في «الغصن
والأخير أولى اهتماماته لكلمة «قادش» وعلاقتها بالبابلية والبوبية، وتوصل إلى أنها تعني
ثم تعرض دافيد سون لعلاقة المقدس بالعادي (صمويل 22-21) وعلاقتها بحلل وحلال واختلاف
كذلك تعرض لقادش وحرام، ولاحظ أن في طنجة لو لمس أحد الأهالي جثة ميت، يظل تابو 10 أشهر،
ويتفق دافيد سون مع فريزر في النظر للتابو خاصة من خلال الشعائر الدينية بالإضافة إلى
أما فرويد في «الطوطم والتابو» فربط بين قانون الملكية - على المستوى الطبقي - والملكية
أما ماريت، أهم نقاد فريزر، فقد أشار إلى أن فضيلة فريزر تمثلت في الربط بين السحر
فلقد كان تيلور أول من أشار بوضوح، خلال تعرضه بالدراسة لبعض المجتمعات المحددة، للعلاقة
وهو ما لا يزال عندنا حول الفواكه والأطعمة، مثل «النث» أو الفحومة المرتبط بطهارة الفم،
فالاعتقاد منصب على أن قيم الأكل تسري خلال الأكل.
واستنادا إلى ما يقوله د. تيلور فقد وصلت إباحة الأطعمة وتحريمها إلى حد الاعتقاد عند
ويقودنا هذا إلى العلاقة بين السحر والتابو عند فريزر، خاصة في مقاله بدائرة المعارف
أما ما عالجه فريزر في مجلده الثالث من «الغصن الذهبي»: «التابو وأخطار الروح»، فيمكن
(1)
الأفعال المحرمة، الأشخاص، والأشياء، والكلملت بالنسبة لممارسات التابو أو
5 (2)
خلال الطعام والشراب. (3)
خلال رؤية الوجوه. (4)
المنازل وخراب المنازل - خلال الصيام عن الطعام.
ثم تابو الأشخاص: (1)
الرؤساء والملوك. (2)
الندابون. (3)
حيض النساء والولادة. (4)
المحاربون. (5)
القتلة. (6)
صيادو الوحوش والأسماك.
بالإضافة إلى الأشياء المحرمة وهي: (1)
الحديد. (2)
الأسلحة الحادة. (3)
الدم. (4)
الرأس. (5)
الشعر. (6)
احتفالات الحلاقة. (7)
تقليم الشعر والأظافر. (8)
البصاق. (9)
الطعام. (10)
الخبط والطرق والأجراس. (11)
حيوانات التوراة المحرمة مثل الجمال والخنازير.
وأخيرا الكلمات المحرمة وهي: (1)
أسماء الأشخاص. (2)
أسماء الأقرباء. (3)
أسماء الموتى. (4)
أسماء الملوك والأشخاص المقدسين. (5)
أسماء الآلهة. (6)
كلمات عادية.
وعلى هذه الأفعال والأشياء والممارسات التي حددها، أقام فريزر نظريته في الربط بين السحر
وهي النظرية التي تعرضت لأشد الهجوم وأقساه، خاصة من مارييت وغيره؛ مما دفعه إلى تعديلها
•••
وأخيرا فإذا كان هناك من قول بأن للتابوات، كنظام أو مؤسسة، دورها الوظيفي أو النفعي
وإذا ما أخذنا مثلا بسيطا، وليكن التابوات المصاحب لطرق ذبح الحيوانات والطيور عن طريق
ولعل الكثير من تابوات ومعتقدات أولئك الكلدانيين الذين انتهوا في فلاسفة وكهنة حران
كما أنه من الصعب تصور السالب والعادم الذي يسببه التابو بالنسبة للصحة العامة، مثل إخراج
كما أنه من الصعب أيضا تصور مدى سيطرة التابو على الذهن البدائي ممثلا في عادات حفظ
فالسكينة أو الطمأنينة التي تضفيها مثل هذه الترنيمات، أقرب إلى السكون منها إلى الحركة
الفصل الثاني عشر
اللغة ... والفولكلور
من المفيد لجامع ودارس الفولكلور الاهتمام بدقائق - فونيمات - اللهجة أو اللغة، واللغة
ودعاة الإبقاء على اللغة والنظر إليها كنوع من المحرمات أو التابو الذي لا يجب أبدا
فتغير الحياة وميكانيتها الجديدة في نقل الصور، يحدث بالقطع تغيراته بالنسبة لأدوات
ويرى فليكستر أن وليام شكسبير قد يبدو أميا اليوم، فعلى أيامه لم يكن عدد كلمات اللغة
بل إن التغيير لحق حتى مدلولات اللغة، فأصبحت كلمة «أسود» المهينة تعني القوة السوداء،
والملفت أن مثل هذا التغيير الموازي للسرعة الإلكترونية لا يلحقنا هنا في مصر والعالم
كيف؟
فاللغة عندنا، ما تزال إلى أيامنا هذه مكبلة بالأساطير وأبنيتها اللغوية والأساطير تحكم
وكما تقول الآنسة لينا ماكليد، فإن آفة اللغة هي الأساطير.
وهناك مدرسة كاملة تعرف منذ منتصف القرن الماضي بالمدرسة الميثولوجية لدراسة الفولكلور،
ووصل بالبرت كون في استخدامه لهذا المنهج إلى حد بناء نظريته بكاملها (1812-1881) التي
وعندما تقدم بكون السن، وضع كتابه عن «مراحل نمو الأساطير» أو مراحل تطور تكوين الأساطير
وسار على نفس الدرب رواد هذه المدرسة اللغوية الميثولوجية عن الأصول - اللغوية -
وطبعا لا حاجة هنا إلى شرح لوغاريتمات وطلاسم لغتنا الجميلة - العربية - من نصب ورفع
وكما يقول العالم الأنثروبولوجي الروسي الأصل برونسلاف مالينوفسكي (كركوف 1884، نيوهافن
وبالطبع يذكرنا هذا، بمدى سيطرة مجموعة اللغات واللهجات - للعائلة - السامية التي انتهت
كما يذكرنا هذا بمدى اكتمال روافد لغات العائلة السامية في الفصحى واتساع وقعتها، لدرجة
وكما هو معروف فقد أطلق الساميون واشتقوا من لغاتهم أسماءهم وأسماء أعلامهم وتقويماتهم،
كما أن جده الأعلى، الإنسان الأول آدم، نسبة إلى أرض أدوم، التي اكتشفتها منذ سنوات قليلة
ولفظة آدم تعني أديم الأرض، كما أنها تعني الإنسان - الأديم - القديم، وارتباطها باستمرار
1
أما زوجته حواء فيشير اسمها إلى الحياة والحيوات، وبما أن حواء كانت قد جلبت الخطيئة
وطبعا ترتب على طرد حواء من الجنة أو الفردوس عقابها الشهري الممثل في الحيض وسيادة
ثم ذلك العداء الأزلي الرباعي بين الرجل والمرأة والحية والشيطان:
اهبطوا بعضكم لبعض عدو .
وحواء هذه هي بذاتها إناثا أو إناث أو أنثى، كما وردت بنفس هذا الاسم منذ السومريين
مع ملاحظة أن أقدم أشكال العبادات البدائية تمثل عند عديد من مجتمعات العالم القديم، وما
2
في رحمة ومرحوم بل وحرام وتحريم، ثم أسماء الله الحسنى رحيم، رحمن ... إلخ،
أما فيما يتصل بإبليس أو الشيطان أو الجني الذي أغوى حواء، وعديد من الزوجات مثل «برهة»
فالجني كما هو واضح من الاشتقاق اللغوي، حارس الجنة، ومنه يتواتر الجنون، وهو عادة ما
بل إن الاسم المفضل لبطل السينما المصرية - خاصة فريد الأطرش وأنور وجدي وعبد الحليم حافظ
أما في أساطير العرب واليهود فإن الله استخدم الرواسب الطفلية في صياغة حواء الأولى في
والأخت الثانية من بنات الله الثلاثة - اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى - فالعزى كانت
أما شقيقتيها الأولى «اللات»، والثانية «مناة»، وهما أيضا بالنسبة للعرب والعبريين من
وجمعها طبعا منايا ومنوات، وهو ما لا يزال يغرق الشعر العربي إلى اليوم.
ومن بين أسماء الآلهة التي حفظتها اللغة وخاصة الفصحى اسم «بعل»، وهو اسم إله أو صنم،
وحين استقدم صنمه الكاهن الخرافي المداح الشاعر عمرو بن لحي الجرهمي، ونصبه حول الكعبة
وبالنسبة للاسم «هاجر» الذي يرد في ملحمة أو مديحة سارة وهاجر، وهي الزوجة الثانية التي
لكن اسم هاجر يرتبط بكونها الزوجة المهجورة أو المضطهدة، سواء أكانت زوجة أو جارية، فعلى
ومن اشتقاقات اسم هاجر، ما يزال يتواتر - نسائيا - تعبير أن فلانة زوجها هجرها، وأنها
أما سارة، فينسب لها الرداء النسائي المعروف بالساري الهندي، ومشتقاته من يسر ومره، وسار
ويكنى عن الاسم إبراهيم، بأبو خليل، أي خليل الله أو صفي الله - إيل - بالسريانية؛ إبرا
ولقد خلف كبير الآلهة السامية إيل هذا اسمه على كثير من الأماكن التي ما تزال مقدسة في
إلخ.
وكما أن «كبير» كانت تسمية لإله أو صنم فأصبحت صفة، كذلك «ملى» كانت اسما لإله أو صنم أو
كذلك حفظت لهم روافد اللغات السامية تقديس جهة اليمين، التي أطلقوها ليس فقط على اليمين،
ويذكر تيلور
3
أن تقديس الناحية أو القبلة التي يولي الناس وجوههم شطرها وهم يمارسون أعمالا
ومن هنا فمعظم الشعوب البدائية تؤمن بأن عالم الموتى يقع في الغرب وجهة أو تسمية الغرب،
وما أكثر الأسماء الأسطورية، أو أسماء الآلهة والأصنام والطواطم التي تواترت إلى أسماء
•••
وكذلك تضمين اسم الإله أو الآلهة لبناته أو طائره أو طوطمه المقدس، مثل شجرة الجميزة -
كما أن أسماء الآلهة والإلهات القديمة من شمسية وقمرية وطواطم، ما تزال تتواتر حولنا؛ مثل
وكانت كعبة هذا الإله دبستس المعروفة إلى اليوم بالقرب من الزقازيق بوبسطة أو تل بس. ويذكر هردوت (القرن الرابع ق.م) احتفالات أو موالد «المصريين» بجميع أو بانثيون قطط بوبسطة،
وقد وجدت تماثيل الإله بس، بأعداد هائلة في فينيقيا ومستعمراتها في جزر البحر الإيجي
كما يذكر هردوت أنه عندما كانت تموت قطة في منزل مصري، يحلق سكان المنزل حواجبهم فقط، أما
•••
ومن اسم الإله الابن اليتيم حورس - ورمزه العين الحارسة أو أن «العين عليها حارس»، ولا
ومن اسم آلهة الإخصاب الجنسي للناس والبهائم عشتر، تواتر عشار وتعاشرة وعشرة
كما أن من تسمية «فرج» المرأة، ما يتوحد مع الفرج والتفريج، والفرجة.
فرغم أن مشكلة المشاكل في اللغات القديمة هي المعنى، إلا أن لغتنا ما تزال حافظة لأصولها
ومثل شعيرة أو أشعار وارتباطها بالشعر وقدسيته عند الساميين والآريين على السواء.
فالآريون تسموا باسم شعب بهارات، نسبة إلى الهند أرض البهارات، وكذلك تسمت ملحمتهم
واستنادا إلى نظرية سير ريتشارد تمثل بالنسبة للقوانين التي تحكم اللغة ومشتقاتها
فالمعنى هو مشكلة المشاكل في اللغات القديمة، وكما يقول مالينوفسكي فإن معنى الكلمات يهدف
وكما يقول أرنست كاسيرر، فقد تتغير العادات والأفكار الدينية بمرور الزمن، أما كلمات هذه
ويلاحظ أن نصوص هذه التراتيل الشعائرية أو الدينية تحكم بنائية إعرابها برمتها، وليس
وكما هو معروف فإن الترتيلة الدينية، هي الحارسة الأولى للأسطورة أو مجمل
وأرجع البعض هذا إلى عبادة الموتى، وتمثل حكم الأسلاف، الذين تعارف الساميون على عبادتهم،
فالعرب والعبريون - خاصة - كانوا من أقدم عبدة «جثمان» الأسلاف أو التابوت، تابوت العهد،
ولا يمكن تصور مدى الصراعات والحروب القبائلية الطاحنة لدرجة الإبادة في التنازع على
بل إن كلمة حرب أو سنحارب، منحدرة إلى اليوم بنصها ومدلولها منذ أسرة أو مجموعة الملوك
وتعارف الساميون من عرب وعبريين على تسمية فراعنة مصر، باسم عون أو فرعون، واعتبروهم خارج
كذلك تعارف الساميون على تحقير ملوك العراق أو نماردة بابل، ووجد اسم «بابل» في الآثار
وما يزال الاسم محفوظا إلى اليوم في إحدى مقاطعات أو مديريات العراق المعروفة باسم
ويبدو أن الكريتيين والإيجيين اليونانيين عامة كانوا أول من اخترع الكفتة، فلقد تعارف على
ومن المعروف أن الفينيقيين الشوام قد استعمروهم منذ أقدم العصور - الألف الثالث ق.م -
كما أنهم تعارفوا على تسمية إيطاليا وجنوب فرنسا باسم بلاد الغال، أو الغول، كما قد يكون
ومع اتساع رقعة وحجم الانكباب على دراسة علم الإنسان الثقافي - الأنثروبولوجيا - باستخدام
ومن هنا يصبح من المفيد جدا اهتمام مراكز الفولكلور وهيئات جمع التراث، بملاحقة الأدوات
وإني لأتفق مع عبد الحميد حواس في أن حقول البحث في الفولكلور والأساطير عندنا على مستوى
بل إنه ليسرني أن أختم ملاحظاتي حول أهمية دراسة اللغة وإعادة التعرف على جذور لغتنا
وعن طريق مقارنة هذه الكلمات البابلية القديمة - 4 آلاف عام - بما يشابهها من كلمات عربية
بل إنه يمكن ملاحظة أن معظم ما نستخدمه في حياتنا اليومية الآن وفي هذا المكان، له أصوله
ومن ذلك: واو العطف، وابن، وآبو، ويوم، وعين، وعش، وأب، وعباب - الطوفان أو السيل - وأدان
4
أو الزوج أو رب الشيء ومالكه وأنثاه البعلة بمعنى ربة البيت، وبشع، وبيت،
الفصل الثالث عشر
هذا التراث الجبري السامي
وإذا ما كان الهدف الأخير لهذا الكتاب وسابقه محاولة الدفع بدعوة إعادة تفهم هذا التراث -
وقد يكون الاسترسال في التعرض لسلبيات هذا التراث هو في حد ذاته تابو أو مناطق لا يصح
وعلى هذا فلا مجال هنا للأخذ بنهج دفن الرءوس في الرمال، ونحن نتعرض لموضوع التعرف على
فلعل أبسط وأجدى إيجابيات المعرفة وتفهم هذا التراث فيه إنهاء لكافة أنماط وأشكال المزالق
وبالنسبة لاستخدام هذا التراث، خاصة جانبه الأنيزمي، على المستوى الداخلي، فإنه إذا ما
فلعل من منافع إعادة تفهم تراثنا هذا، فيه إنهاء وإعادة تصحيح للكثير من أنماط وأشكال
من أهم هذه الاضطهادات بالطبع هو الاضطهاد النوعي، بمعنى تفوق وتسيد الرجل الذكر على
كما أن من المفيد معرفة أن أي شكل من أشكال الثورة أو الحركة النسائية لاستعادة تعقيل وضع
واللافت هنا أن معظم علماء المصريات يأسفون أشد الأسف، للوضع المتقدم الذي كانته المرأة
ولعله من الأليق تسجيل هذه الملاحظة الصحيحة بالنسبة لاحتفاظ المرأة المصرية بتفوقها
ولعل ثاني هذه الاضطهادات التي قد ينهيها عقلنا هذا التراث القبلي الفاشي في مجمله، هو
ويمكن هنا ملاحظة الاشتقاق اللغوي بين مشايخ وشيخ، وهو ما يستوجب صفة القداسة، وقد تكون
وعلى سبيل المثال، يصل تقديس الساميين لموتاهم - أو أسلافهم - إلى حد دفنهم معهم في
كما أن من سلبيات هذا التراث اضطهادات وقهر أطوار العمر بعضها لبعض على طول تاريخ العالم
ولعل في احتفاظ اللغة بالمكونات الأسطورية لهذا النسق - أطوار العمر - في تسميات: جد وكهل
ويمكن طرح مفارقة ملفتة بين ما يتملكنا عقائديا، وما يحدث في العالم من ثورة شبابية
كما أن من إيجابيات هذا الاتجاه وهو إعادة تعرف أصول وخصائص تراثنا الفولكلوري، وفي اتجاه
وطبعا لا يمكن إنكار مدى ثقل ما يشكله هذا التراث الغيبي اللاعقلاني - كما عرفه د. فؤاد
ولعل في توارث هذا التراث في تكامله البنائي، المحكم التنسيق والدقة، والحافظ في المحل
ولعل في شرعية الحرب القبائلية، والذود عن الحمى، في مرحلة العشائر المتحالفة والمهاجرة
أما اليوم فلنا أن نتصور اللامحدود الذي صاحب تطور الأسلحة، من عصا ومقلاع وخيول وسيوف،
وبحسب نهج المنظمة الدولية للثقافة وشعاراتها، فإنه إذا ما كانت الحروب تنشأ أو تومض في
بل كان للسامية والساميين - الذين يدعي اليهود أنهم طلائعها - دورهم أيضا في مسببات
ويجيء اليوم الدور على السامية، بعد إفلاس النظريات الآرية القبلية الفاشية التي تبلورت
فيمكن استخلاص المسببات الفعلية التي اكتملت في النازية الهتلرية وبؤرتها هذا التراث
1
فهذه القبائل التي حملت ونشرت تراثها الطوطمر، وخزعبلاتها عبر كل مداخل أوروبا، بدءا من
وهي حكاية عن قتل تسعة أبناء، تتطابق مع ما حدث لسالفه السامي العربي لقمان الحكيم مع
والذين يموتون من مدى ثقل وخزعبلات هذا التراث السامي للشرق الأدنى القديم، الذي حمل إلى
فأنت تجد في خضم هذا التاريخ الأسطوري، أو هذه الأساطير التاريخية، ما يهم الحفري أو
تجد أماكن أطلال حضارات قحطان وحمير، وعاد وثمود وجرهم والعماليق ورائش؛ محددة بدقة تخدم
كذلك يجد الباحث في الأساطير خصائص كل إله من آلهة أو أصنام مكة وعددها 360 بعدد أيام
وبالطبع يجد باحث الفولكلور ما يغنيه من حكايات وخرافات الجان والنداهات عند كل هؤلاء بلا
وبالطبع فأنت محظوظ، لو أنك تبحث فيما انتهت إليه الحضارات السامية من سومرية وبابلية
أما في سوريا فسيصادفك بقايا الآشوريين والكنعانيين والفينيقيين، في رأس الشمرا، وقادموس
ولماذا نذهب بعيدا، وبقايا هذه الحضارات ما تزال تعيش إلى اليوم! من آشوريين وفينيقيين
والذين يهونون أو هم يتعامون عن مدى الأخطار التي قد يقودنا ويعرضها لها تراث ما قبل
2
أنفسهم كما يقول غوته في تراجيديا فاوست.
وإذا ما كانت «الأرض الموعودة» أو الخلاص، يمكن في المستقبل، بالنسبة لمفهوم المستقبلية
فإن مفهوم العالم السالف أو القديم وبؤرته شرقنا العربي عن الخلاص والمستقبل، يجيء
وإذا ما كانت الإنسانية التي نحن جزء من حركتها العامة، خاضعة تماما لقانون تطورها
وعلى هذا يصبح من المفيد إعادة تفهم واقعنا والوقوف على حقيقة متناقضاته، بنفس النهج الذي
وأعترف أنه تراث شديد الغنى متدفق، ذلك الذي ابتدعته مخيلة تلك القبائل السالفة القديمة
فالإغراق في سحر وجاذبية ذلك الماضي، يوقع الباحث بالقطع ويقوده إلى حيث براثن التعقب
وهي بالطبع تلك النظرة المثالية، التي صاحبت مولد علم الفولكلور وملازمته للطموحات
بل إن اهتمامي ينصب في المحل الأول على مدى انعكاس طرق وميكنزمات واحتياجات وحتميات
ويمكن طرح السؤال على النحو التالي: إلى أي مدى جاءت استجابة هذا التراث - لحتمية -
ذلك أن تكبيل تركة الماضي الغيبية البدائية القبائلية، المتوارثة منذ عصور ما قبل العلم
ولنتذكر جيدا مدى إحباط ولا جدوى العمل الثوري في أرض هذا التراث، ما لم نعاود الالتفات
وهو ذلك المنهج الذي بصرت به المدرسة التطورية الديمقراطية الثورية الروسية، التي وإن
مع الأخذ في الاعتبار بأن تشابه المادة الخام - من بيئة وظروف اقتصادية واجتماعية - يؤدي
فمثل هذه الدراسات كما يقول لينين مهمة وضرورية في دراسة النفسية الشعبية في
«ولم يكن شغف ماركس - وانجلز بشكل خاص - ولينين، بالفولكلور، والأساطير، في دراساتهم عن
فعن طريق التحليل الجدلي - للواقع والموروث الثقافي - نصل بالطبع إلى توجيه العمل الثوري
فدفاعا عن المصالح الطبقية، تشرع الأسلحة دفاعا عن التراث - الأنيمزمي - الذي سماه
ولا شك في أننا أصبحنا هنا في عالمنا العربي في مسيس الحاجة إلى هجرة محققة من نقيض إلى
ولما كانت الأساطير - في منشأها وغاياتها - تأليها لعناصر الطبيعة من برق، ورعد، ورياح،
فيترتب على تأليه وتقديس الظواهر الطبيعية والبيئية المحيطة، وما يستتبعه هذا من صراع
فجغرافية المنطقة كما يشير د. جمال حمدان، تجمع ما بين دالات الأنهار في دلتا مصر
والمجتمع الصحراوي المجدب القبلي، مجتمع الإغارة واعتبار الحرب نوعا من الصيد، وبالطبع
ويلاحظ أن اقتصاد غرب البحر المتوسط بعامة عبارة عن بنيان مقسم الأجزاء لأقاليم - أو مدن
وكما يقول الجغرافي الفرنسي فرناند موريت، فهي بلاد تجبر فيها تضاريس الأرض سكانها على
وعلى هذا فأساطير وفولكلور منطقتنا هي في المحل الأول أساطير وفولكلور القبيلة.
وبالطبع يمكن القول بأن الجسد الفولكلوري لمختلف فولكلور العالم، هو في أدنى أشكاله
ووصل البعض من أصحاب النظريات الطقسية أو الشمسية - مثل روبرت جريفز ورفائيل بتاي - إلى
وذهب البعض الآخر من أصحاب النظرية الأنثروبولوجية في تفسير الأساطير، إلى مدى أكثر
وعلى هذا فمجتمعات العالم القديم، في مراحل التكون القبلي أو العشائري، قد عاشت في مختلف
وعن هذا الطريق يمكن تعريف الحضارات التي شهدها شرقنا الأوسط وتحديد معالم وخصائص كل
وهذا هو هدفنا، البيئة واختلافاتها وتنوع مصادر القوى الإنتاجية لعالمنا العربي، أو منطقة
وكما سبق أن أوضحنا فإن الاختلافات البيئية وبالتالي المناخية، تظهر بوضوح على طول هذا
ويتركز هذا الصراع بأجلى معانيه في الأسطورة - الأم - التي حددت أجناس شعوب وقبائل
وهي تضمينة أو فكرة أسطورية تتوالى بكثرة شديدة جدا في هذا التراث الطوطمي
ولعل أقدم أشكالها - 3 آلاف سنة ق.م - جاء بها النص السومري لملحمة جلجاميش، في صراعي
كما وردت بنصها في صراع ابني إسحاق: يعقوب - الذي سمي إسرائيل - وشقيقه توأمه عيسو أو
كما أنها تتوالى متوارثة إلى ما لا نهاية في ضواحي عرب الجزيرة العربية، بقسميها الشمالي
كما تطل برأسها على طول التاريخ القديم السابق للإسلام، وحتى فيما بعد مجيء الإسلام، مثل
بل إن هذا الصراع حول الزراعة والبداوة يتبدى بشكل واضح جلي في معظم الملاحم والسير
فأبو زيد الهلالي بدوي رعوي عدناني، بينما خصمه الزناتي خليفة حميري أو قحطاني
لذا وعلى هذا لم يتمكن أبدا أبو زيد الهلالي - قاتل آلاف الأبطال - من قتل الزناتي
كلمة أخيرة
ترددت لفترة في إصدار وجهة نظر، أو كلمة أخيرة، يمكن أن تحيط هذه المجموعة من الدراسات
ولا يمكن بحال الإمساك بآفاتنا وسلبياتنا وما يفت في عضد أمتنا، من المحيط إلى الخليج
ولا يمكن بحال تحقيق ما نرجوه ونأمله من انفتاح، ما لم نعد نعرف مواطئ أقدامنا، أين نقف
وما أبلغ الثقافة الشعبية المضادة، التي تسخر من كل ما هو فعلا أنتيكي أو أنتيكة أو
بمعنى أن كل ما هو قديم أو سالف أصبح اليوم مدعاة للسخرية، في عصر يحتم ممارسات وأفكارا
ومن الصعب جدا تصور حجم الكم من موروثات العالم القديم أو عالم ما قبل العلم، ومعايشتها
ولنا أن نتصور أن هم أوروبا والعالم الجديد عامة الأول ومعاناتها، تكمن في محاولة
كما أن لنا أن نتصور، وما أشقاه من تصور، أنه بينما لم نبدأ نحن بعد في نقل وهضم وتفهم ما
فبينما يدخل العالم الجديد مراحله المذهلة في التوصل إلى مقدمات ونتائج إلكترونية في مجال
ففي الوقت الذي خلع العالم من حولنا أرديته ممثلة في تراثه وموروثاته الجمعية، ووضعها في
فلقد جاء عصر التنوير أو القرن 18 بأكبر ثورة في اتجاه تسيد العقل، والنظر للإنسان على
باختصار أكثر فإنه إذا ما كان لكل داء دواء، فإن دواءنا وشفاءنا هو في إعادة التدقيق في
وطبعا توصل العالم المتقدم، أو المستهدف للعقل، لمثل هذه النتائج بعد الجهود المضنية
فيلاحظ أنه حتى النوادر والقفشات اليومية، لها موسوعاتها ودراساتها المضنية منذ عصر
كذلك استفاد العالم المتقدم من تملكه ومعرفته بهذه العلوم، في تفجير أقصى طاقاته
وبالطبع لا يمكن إنكار أن جانبا كبيرا من النشاطات والنتائج التي توصلت إليها هذه
فمنذ مطلع هذا القرن، أكثرت الدول الاستعمارية من
فمثلا عن طريق دراسة أحد علماء الأنثروبولوجيا المعاصرين وهو د. شتاين، على الفروق
ولعب الخبراء الاجتماعيون دورا هاما في الكشف عن استعداد الجماعات المتباينة لتقبل سلع
أي إن في الاستفادة من هذه العلوم المترابطة تحقيقا لمنافع ومصالح تدخل حتما في
ولنا أن نتصور حجم ومعدلات الاندفاع نحو المستقبل بالنسبة لهذا العالم المستقبلي الجديد،
فاستنادا على فهم شيخ المؤرخين أرنولد توينبي بالنسبة لعاملي الحضارة، من مستقبلية يأخذ
ورغم أن توينبي - خاصة في آخر كتبه أو مذكراته «خبرات» - قد عمم فهمه عن المستقبلية
أي إنها راية واحدة موجزها عبادة المستقبل أو التقدم، يقف تحت لوائها ويأخذ بها العالم
إلا أنني لا أشك أن غاية تجري متزايدة في جميع العصور وأن أفكار الرجال تتسع كلما
وطبعا كتب تنيسون أبياته هذه، مبشرا الانفتاح الإمبريالي، عن أن خمسين سنة في أوروبا
وهذا هو بالضبط مفهوم الثورة الثقافية: نفض تراث العالم السالف أو القديم، وهو طبعا ما
أليس هذا صحيحا؟
شوقي عبد الحكيم
مراجع
(1)
Folklore and Anthropology-William R. Bascom. (2)
Jewish Encyclopedia. (3)
Dictionary of Folklore. (4)
Brewer’s Dictionary of Phrase and Fable. (5)
Judaism in Islam. (6)
Finnish Folklore-j. and kaarle Krohn. (7)
Dictionary of all Scriptures and Myths-G. A. gaskell. (8)
S. N. Kramer-Sumerian Mythology. (9)
Semitic Mythology-New York. 1926. (10)
The Golden Bovgh Sir. J. Frazer. (11)
Egyption Tales. K. M. Flinders Petrie. (12)
The Dying God. Part II Frazer. (13)
The Ancient World. T. R. Glover. (14)
Malinowski Broniolaue. Science, magic and
(15)
Evans Pritchard. Witchcraft, oracles and
(16)
Radcliffe Brown, Structure and Function in Primitive
(17)
Frankfurt. The Birth of Civilization in the Near
Unknown page