112

Madkhal Fiqhi

المدخل الفقهي العام

Publisher

دار القلم

Genres

من الأمم هذا الرأي على إطلاقه في تشريعها وتسمح به لرجل الحقوق والقضاء في اجتهادهم لسادت الفوضى في العمل بالشريعة والقانون، فمن تراءت له مصلحة في القانون عمل به، ومن تصور فيه مفسدة نبذه وفي ذلك منتهى الاضطراب والتخبط(1).

لذلك وجدنا أئمة فقهاء الشريعة الإسلامية مجمعين على رفض هذا الغلو؛ ورأينا أن الذين أخذوا بقاعدة الاستصلاح قد أقاموا في طريق تمييز المصلحة من المفسدة، وتحديد حدودهما، ضوابط كفيلة بهذا التمييز والتحديد مستمدة من مقاصد الشرع العامة التي تسمى اليوم: غرض الشارع، وذلك لمنع الفوضى في الفهم والتقدير، لأن المصلحة والمفسدة جب تحديدهما وفقأ لنظر الشرع واعتباره، لا للنظر الذاتي أو الفردي كما سلف بيانه (ر: ف 4-3/5) .

و قد رأينا أيضا أن في طليعة تلك الضوابط التي أقيمت لمنع التخبط من طريق الاستصلاح أن تكون المصلحة المبني عليها الحكم مصلحة مرسلة، أي لا يوجد في الشريعة نص عليها آمر أو ناه، يتناولها بعينها أو نوعها، وأن يكون فيها دعم لإحدى الزمر الثلاث من الأحكام المنظمة الحياة الاجتماعية وهي الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات.

فإذا عارض المصلحة نص شرعي فالعلماء عندئذ لا يرجحونها على النص ترجيحا مطلقا (كما يريد الطوفي) ، بل لهم تجاهها موقف تفصيلي سنراه قريبا (ر: ف 20/5- 25).

هذا مقام الاستحسان والاستصلاح في هذه الاجتهادات الأربعة (2) . ولا شك أن الأخذ بالمنهاج الذي سلكه فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة يجعل

(1) ر: "المدخل إلى علم أصول الفقه" أيضا ص 216 - 219.

(2) مما يلحظ في هذا الشأن أن الإمام الشافعي تلميذ الإمام مالك، وأن الإمام أحمد بن حنبل تلميذ الشافعي.

Page 123