دار جاء السوء بالصبر وإن
لم تجد صبرا فما أحلى النقل
ولكن القنطاريين أحرجوهم فأخرجوهم، ففعلوا ما فعلوا تملصا من استبدادهم ونفوسهم غالية لا يبيعونها رخيصة في سوق الهوان.
فلما قرأ الأمير هذه العريضة غضب غضبا شديدا وتغير على الزحليين، وحسب أن ذلك تطاول منهم على القانون وقلة احترام له، فسكن مدبره المعلم بطرس كرامه ثائر غيظه، وقال له: إن مثل هؤلاء الشجعان لا تحسن مصادرتهم، فلعلك نسيت ما أبلوا به من المواقع في قطنة والمزة وعهدهما قريب فالأولى بسيدي الأمير أن يعفو عنهم ويتخذهم أعوانا لحين الحاجة وهو الآن في موقف حرج يحتاج فيه إلى أشداء الرجال.
فسري عن الأمير واستقدم إليه شيوخ زحلة، ووبخهم وأمرهم بالرجوع إلى بلدتهم والمحافظة على الراحة والإخلاد إلى السكينة، وأن يبعثوا إليه بزعماء الفتنة للاقتصاص منهم. فلما ساروا إليه قرعهم على عملهم وحذرهم من العودة إلى مثل ذلك، وخلع عليهم علامة رضاه وأعادهم إلى بلدتهم مكرمين. وهكذا انفضت المسألة على هذا الوجه، وأخذ الزحليون في تعاطي أعمالهم وترويج تجارتهم وتقدم بلدتهم.
ومما يجدر بالذكر من تفاصيل هذه الموقعة الدموية أنها حدثت في سوق البلاط، وامتدت إلى المقبرة قرب دير مار يوسف الأنطوني الآن، فجندل الزحليون هناك نحو أربعة وعشرين قتيلا من القنطاريين، ففروا إلى أبلح وحشمش وعلي النهري من القرى التي كانت لهم، والغريب أنهم لم يدخلوا قرية حوش حالا وهي لهم، فلحقهم نحو ثلاثين من الزحليين ووراءهم كثير من سكانها، فقتلوا نحو ستة من القنطاريين على عين كفر سنه قرب أبلح و24 في علي النهري واثنين في مجدلون. وهكذا كانوا يتأثرونهم ويقتلونهم حتى أرهبوهم وأبعدوهم من تلك الجهات، وهذه المذبحة كانت بدء استقلال الزحليين وفك قيود إذلالهم وكسر نير عبوديتهم، فأبلى كثير منهم إبلاء حسنا. ولقد عرفت بعد البحث الكثير والسؤال المتواصل والإعلانات المتعددة مع عدم التلبية، أن الفاتكين في القنطاريين من الزحليين كثيرون، وأن الموقعة كانت عامة لم تقتصر على أقوام من الخاصة؛ بل كانت الصدور جميعها موغرة حقدا عليهم ومفعمة انتقاما منهم، والسيوف كلها مرهفة للاستثآر بعد أن طفح كيل بغيهم، وسئمت الأنفس عيثهم وممن يحضرنا من أسماء الذين كانوا في مقدمة المبلين والفاتكين بخصومهم المذكورين كل من يوسف الحاج شاهين وإبراهيم مسلم شيخي البلدة وعبد الله أبي خاطر وسابا الخوري شحادة صعب ودرويش سمعان الصدي وإلياس دموس وشاهين مبارك ومخول غرة وفارس هلال وأبي فارس خليل حجي وسمعان البحنسي وموسى وضاهر الخياط وأبي سمعان جرجس الخياط وعبد النور الششم وإلياس هاشم المعلوف وأنسبائه طنوس شبلي ونجم أبي ضاهر ومراد قيامه وأبي يوسف فرح وجرجس طرزا، وغيرهم من لم تبلغنا أسماؤهم مع رجائنا المكرر لتسميتهم لنا، فليعذرنا المواطنون؛ لأن «جهد المقل غير قليل.»
وفيها انتشر الطاعون في سورية واتصل بزحلة، وطعن اثنان من سكانها فأخرجا إلى البيادر، وطاف المطران أغناطيوس العجوري بالقربان حول البلدة يوم اثنين الفصح، فانقطع دابر ذلك الوباء الأسود إلى يومنا، ولن تزال تلك العادة حتى الآن ولكنها نقلت إلى خميس الجسد.
وفيها صار المطران أغناطيوس المذكور يوقع (يمضي) هكذا «مطران الفرزل وزحلة والبقاع»، بزيادة كلمة زحلة على توقيعه.
وفي هذه الأثناء بلغ الأمير حيدر إسماعيل اللمعي في بكفية (لبنان) أن ابن حجازي من قب إلياس أطال لسانه عليه، فأرسل الأمير يتهدده فخاف المذكور وجاء زحلة ليتوسط شيخها إبراهيم مسلم ليطلب له عفو الأمير عنه، فعلم الأمير بقدومه فأرسل ثلاثة من رجاله قتلوه، فتكدر الزحليون لعمله هذا؛ لأنه كان في حماهم، وندم الأمير على تسرعه وخصص راتبا لابن المقتول.
وسنة 1827م أحدث وزير دمشق مظلمة على سبع عشرة قرية من البقاع، فأمر الأمير برجوع سكانها بمالهم إلى بلادهم، فرجعوا وخربت البقاع. وجاء بعضهم زحلة. (3) موقعة سانور
Unknown page