كيف لا تصدر نقابة الصحفيين بيانا إلى كل نقابات الصحفيين في العالم كله تستنهضهم ضد هذه الهجمة الهمجية الشرسة على إخواننا الفلسطينيين؟
أين هو اتحاد الكتاب - وفي مصر والله العظيم تنظيم اسمه اتحاد الكتاب المصريين - أين صوته؟ أين اتصالاته باتحادات الكتاب في العالم؟ أين موقفه حيال قضية وقع على شجبها خمسمائة كاتب ومثقف فرنسي ونشرت في كبريات صحفه؟ أين هذا كله؟
نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة، نقابة الزراعيين والمهندسين والتجاريين والإداريين، كل نقابات مصر، سواء على مستوى المصنع أو مستوى المؤسسة أو المستوى القومي العام.
إن النقابات هي القنوات الشرعية لإيصال صوت الشعب إلى الحكومة المحلية وإلى العالم كله، فأين نقابات العمال، واتحاد عام العمال، أين جامعاتنا - باسم الله ما شاء الله عشر جامعات أو تزيد - لكل منها اتحاد طلبة ونادي هيئة تدريس، ورئيس ومجلس، ومئات المئات من المدارس الثانوية والفنية، لو أن ناظر كل مدرسة ومدرسيها وطلبتها أرسلوا برقية للأمين العام للأمم المتحدة ولرئيس مجلس الأمن وللرئيس ريجان أو حتى لشامير يلعنون سياسته ويتوعدونه بالويل والثبور، لو أن هذا قد حدث لارتجت أبدان استعمارية كثيرة ولارتعشت يد رابين وهو يوقع الأمر بالضرب في المليان، ولكن شيئا من هذا لم يحدث.
ذلك لأننا شعب قد أمرضنا أنفسنا وتولوا هم إضافة الجرعات لمرضنا، أمرضنا أنفسنا حين فصلنا بين الدين وبين الوطنية وحين أصبح الصراع يدور حول من المسلم وكيف يكون الإسلام، وكيف تكون علاقة المسلمين بغير المسلمين ... إلى آخره.
وهذا كان أعظم ما يطمع إليه الطغاة والبغاة في كرتنا الأرضية، أن يلتهي المسلمون بفتنهم الداخلية عن أن يواجهوا أعداء أي دين وكل دين، أولئك الذين لا ملة لهم ولا أمان، وحوش القرن العشرين.
ثم جاءت أحزاب المعارضة حين تكونت الأحزاب لتوجه مدافعها الرشاشة والثقيلة إلى وزير الداخلية وضباط وزارة الداخلية، ومع أنهم يستحقون النقد على بعض ما يقترفون، ولكن عدونا ليس زكي بدر وليس أبو باشا ولا مكرم محمد أحمد، عدونا هو شامير وشارون وريجان الخاضع ورابين، أولئك هم الذين كانوا يتوجب علينا أن نوجه لهم كل مدافعنا، فنحن لا نزال في مرحلة تحرر وطني، وهم لا يزالون المستعمرين بلا جنود، ولكن بلقمة العيش وقطعة السلاح والدولار والسياح، استعمار من نوع جديد غريب لم يرد في الكتب ولن تجده في المراجع، وإنما هو ذا أمامنا في الحقيقة واضح وجلي وصريح ولا يحتاج إلا لذي نظر وبصر، ولكن أنظارنا مشغولة بالتفرقة بين الدجاج الأبيض والبني، وبين الأجور والارتفاع الجنوني في الأسعار، وأزمة السكن وأزمة المواصلات، وعمرنا، طوال عمرنا، نعاني من مشاكل الحياة، في طفولتي كنا نأكل اللحم مرة كل شهر، ومع هذا كنا نقاوم ونحارب ونتظاهر ضد الاستعمار والاحتلال غير محتجين أبدا بالفقر أو بالديون أو بالحاجة؛ فقد كانت روح مصر لا تزال حالة في جسدها ولا تزال تغذينا بموتور من الطاقة الروحية على المقاومة.
ولست أعني باستصراخي للمدارس والجامعات والنقابات أن أدعو إلى مظاهرات تجأر وتملأ الشوارع وتتيح الفرصة للمتربصين بها وبنا لكي يعيثوا فسادا في الأرض، إنما أدعو إلى مؤتمرات تعقد في المعاهد العلمية والنقابات لها كل الجلال والخطورة، تناقض وضع إخواننا الفلسطينيين الذين تتقطع لهم قلوب الناس في أمريكا نفسها وحتى في إسرائيل، مؤتمرات ليست موجهة ضد حكومتنا لكي تشتبك في صراع داخلي لا يفيد أحدا، وإنما بإشراك رجال حرب الحكومة أنفسهم في تلك المؤتمرات وبالاشتراك في تلك المعارك السياسية، حتما ستقل الفجوة، فجوة العداء إلى حد البطش من ناحية والاستنكار الصارم من ناحية أخرى، وبتقليل تلك الفجوة يمكن فعلا أن نتحدث بعد هذا عن حوار بين المعارضة والحكومة وعن حلول قومية حقا.
أما أن تتطوح مصر ال 52 مليونا ويحمل الفنان عادل إمام وحده ومن تلقاء نفسه ومعه مجموعة صغيرة جدا من الفنانين عبء التعبير عن غضبة شعب مصري يبصق في وجهه دم كل يوم من قبل أعدائه، ولا يصنع شيئا، فذلك هو ما جعلني أغرق في الضحك حتى البكاء.
قطعة من ضمير مصر الحي
Unknown page