Madina Fadila
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Genres
8
القرن السابع عشر، فإن قيل إن عدم اغترار هيوم وفرانكلين بالدنيا كان شيئا عميقا حقا، أجبنا أن هذا صحيح، ولكن الرجلين استطاعا أن ينفسا عنه باتخاذ أسلوب من التهكم الخفيف يمر دون أن يزعج أحدا، بل دون أن يزعج صاحبيه على وجه ما، ولقد استخف فولتير بكل شيء، ولكن أين استخفافه من استخفاف فردريك الأكبر،
9
لقد كان استخفاف فريدريك شيئا سرى في الدم، حتى صار جزءا لا يتجزأ منه، وأين هو من استخفاف لاروشفكو،
10
وكان هذا استخفاف نبيل من سراة القوم، لا يشعر نحو بني الإنسان قاطبة إلا بعدم الاكتراث المجسم، وأين هو من استخفاف بسكال،
11
لقد كان هذا أثر داء روحي قتال، أثر هم في الفؤاد، والواقع أن استخفاف فولتير لا يدل على أكثر من عبث عقل مرن طليق، أو على ضجر رجل مثالي ضاق ذرعا بما هو قائم في زمانه، وكان فولتير رجل تفاؤل حقا، وهذا على الرغم من «كانديد»
12
وأخواتها، ولكنه لم يكن من المتفائلين السذج، هب للذب عن قضايا وعن مبادئ، على أنه لم يختر القضايا الخاسرة، كان في زمانه كالصليبيين في زمانهم، مجاهد أقسم ليسترد للدين الحق دين الإنسانية مدائنه ومعابده ومنازله، فولتير رجل شك! يا للخطأ الغريب! كلا، إن فولتير رجل إيمان، ورسول دعوة وكفاح لم تفتر له همة حتى النهاية، وهذه مؤلفاته في سبعين مجلدا، فيها بلاغ للناس، فيها الحق الذي سيجعل من بني الإنسان رجالا أحرارا.
Unknown page