بسم الله الرحمن الرحيم
التقدمة وترجمة المؤلف:
النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها. بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات. درجات التوثيق في ميزان الذهبي. رأي ابن أبي حاتم الرازي، وابن الصلاح في درجات التوثيق. ألفاظ التعديل ومراتبه عن السخاوي. اهتمام الحفاظ بالجرح والتعديل. الكتب المؤلفة في الجرح والتعديل ومسالكها. الكتب الجامعة بين الثقات والضعفاء. كتب الثقات. كتب الضعفاء. كتب المدلسين. المصنفات في رجال كتب مخصوصة. كتاب "الثقات" للعجلي. ترجمة العجلي وبيان أن منزلته تعادل منزلة الإمام أحمد، ويحيى بن معين. لِمَ لَمْ يرو الأحاديث. المحنة بخلق القرآن وموقفه منها. روايته أخبار الصالحين وحكايات الزهاد فقط. شهادة العلماء الثقات له. تحريه ودقته في توثيقه. درجة توثيقه. نسخة الكتاب الخطية. نسخة الحافظ ابن حجر. الفرق بين النسختين. خطة المقابلة بينهما. المقابلة على التاريح الكبير للبخاري، وتاريخ يحيى بن معين، وثقات ابن حبان. طريقة العجلي وترتيب الهيثمي. هل استوعب العجلي كل الثقات. والد العجلي وترجمته. اعتماد الحافظ الهيثمي على أصلين لدى ترتيبه ثقات العجلي. نبذة عن الحافظ الهيثمي مرتب الثقات.
النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ، أنه قال: "سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم. فإياكم وإياهم".
وقال رسول الله ﷺ: "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون. يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم. فإياكم وإياهم. لا يضلونكم ولا يفتنونكم".
1 / 3
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص في الخبر الذي رواه مسلم في أول صحيحه "١: ١٢": إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلًا أعرف وجهه، ولا أدري ما اسمه، يحدث. ثم أردف قائلًا: إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان، يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنًا.
وجاء بشير بن كعب إلى ابن عباس ﵁ فجعل يحدثه. فقال له ابن عباس: عد لحديث كذا وكذا، فعاد له، ثم حدثه، فقال له: عد لحديث كذا وكذا، فعاد له، فقال له: ما أدري، أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا؟ فقال له ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله ﷺ إذ لم يكن يُكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول، تركنا الحديث عنه.
وقال عبد الله بن عباس ﵁ إنما كنا نحفظ الحديث. والحديث يُحفظ عن رسول الله ﷺ، فأما إذ ركبتم كل صعب وذلول فهيهات.
وقال مجاهد: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله ﷺ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه. فقال: يابن عباس! ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله ﷺ ولا تسمع. فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول الله ﷺ ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
1 / 4
وقال الإمام مسلم في صحيحه "١: ١٣-١٤": حدثنا داود بن عمرو الضبي، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة؛ قال: كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابًا ويخفي عني، فقال: ولد ناصح. أنا أختار له الأمور اختيارًا وأخفي عنه، قال فدعا بقضاء عليٍّ. فجعل يكتب منه أشياء، ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا عليٌّ إلا أن يكون ضل.
حدثنا عمرو الناقد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس؛ قال: أُتي ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي ﵁ فمحاه إلا قدر١. وأشار سفيان بن عيينة بذراعه.
حدثنا حسن بن علي الحلواني، حدثنا يحيى بن آدم عن ابن إدريس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق؛ قال: لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي ﵁؛ قال رجل من أصحاب علي: قاتلهم الله أي علم أفسدوا.
حدثنا علي بن خشرم، أخبرنا أبو بكر، يعني ابن عياش. قال: سمعت المغيرة يقول: لم يكن يصدق٢ على علي ﵁ في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود.
_________
١ "إلا قدر": منصوب غير منون، معناه: محاه إلا قدر ذراع.
٢ "يصدق" ضبط على وجهين: "أحدهما": بفتح الياء وإسكان الصاد وضم الدال. "والثاني": بضم الياء، وفتح الصاد، والدال المشددة.
1 / 5
بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب، وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذب عن الشريعة المكرمة:
قال الإمام مسلم في صحيحه "١: ١٤":
حدثنا حسن بن الربيع، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب وهشام، عن محمد، وحدثنا فضيل، عن هشام. قال: وحدثنا مخلد بن حسين، عن هشام، عن محمد بن سيرين؛ قال: إن هذا العلم دين. فانظروا عمن تأخذون دينكم.
حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين؛ قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عيسى، وهو ابن يونس، حدثنا الأوزاعي، عن سليمان بن موسى؛ قال: لقيت طاوسًا فقلت: حدثني فلان كيت وكيت١. قال: إن كان صاحبك مليًا٢ فخذ عنه.
حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا سفيان. ح وحدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي، واللفظ له؛ قال: سمعت سفيان بن عيينة، عن مسعر. قال:
_________
١ "كيتَِ وكيتَِ" هما بفتح التاء وكسرها. لغتان نقلهما الجوهري في صحاحه عن أبي عبيدة.
٢ "مليا" يعني ثقة ضابطًا متقنًا يوثق بدينه ومعرفته، يعتمد عليه كما يعتمد على الملي بالمال ثقة بذمته.
1 / 6
سمعت سعد بن إبراهيم يقول: لا يحدث عن رسول الله ﷺ إلا الثقات١.
وحدثني محمد بن عبد الله بن قهراذ من أهل مرو. قال: سمعت عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال محمد بن عبد الله: حدثني العباس بن أبي رزمة؛ قال: سمعت عبد الله يقول: بيننا وبين القوم القوائم٢. يعني الإسناد.
وقال محمد: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني؛ قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن! الحديث الذي جاء "إن من البر بعد البر: أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك"، قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش. فقال: ثقة، عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة، عمن؟ قال: قلت: قال رسول الله ﷺ. قال: يا أبا إسحاق! إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي ﷺ مفاوز٣، تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف٤.
_________
١ "لا يحدث عن رسول الله ﷺ إلا الثقات" معناه لا يقبل إلا من الثقات.
٢ "بيننا وبين القوم القوائم" معنى هذا الكلام: إن جاء بإسناد صحيح قبلنا حديثه، وإلا تركناه. فجعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسناد. كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم.
٣ "مفاوز" جمع مفازة. وهي الأرض القفر البعيدة عن العمارة وعن الماء، التي يخاف الهلاك فيها.
٤ "ليس في الصدقة اختلاف" معناه أن هذا الحديث لا يحتج به. ولكن من أراد بر والديه فليتصدق عنهما، فإن الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها، بلا خلاف بين المسلمين.
1 / 7
وقال محمد: سمعت علي بن شفيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف.
وحدثني أبو بكر بن النضر بن أبي النضر، قال: حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل صاحب بهية. قال: كنت جالسًا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد. فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد! إنه قبيح على مثلك، عظيم أن تُسأل عن شيء من أمر هذا الدين، فلا يوجد عندك منه علم، ولا فرج. أو علم ولا مخرج، فقال له القاسم: وعم ذاك؟ قال: لإنك ابن إمامي هدى: ابن أبي بكر وعمر. قال يقول له القاسم: أقبح من ذاك عند من عقل عن الله، أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة. قال فسكت فما أجابه.
وحدثني بشر بن الحكم العبدي، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: أخبروني عن أبي عقيل صاحب بهية أن أبناء لعبد الله بن عمر سألوه عن شيء لم يكن عنده فيه علم فقال له يحيى بن سعيد: والله إني لأعظم أن يكون مثلك، وأنت ابن إمامي الهدى -يعني عمرَ وابن عمرَ- تُسأل عن أمر ليس عندك فيه علم. فقال: أعظم من ذلك، والله، عند الله، وعند من عقل من الله، أن أقول بغير علم أو أخبر عن غير ثقة. قال: وشهدهما أبو عقيل يحيى بن المتوكل حين قالا ذلك.
وحدثنا عمرو بن علي، أبو حفص. قال: سمعت يحيى بن سعيد. قال: سألت سفيان الثوري وشعبة ومالكًا وابن عيينة، عن الرجل لا يكون ثبتًا في الحديث فيأتيني الرجل فيسألني عنه. قالوا: أخبر عنه أنه ليس بثبت.
1 / 8
وحدثنا عبيد الله بن سعيد قال: سمعت النضر يقول: سئل ابن عون عن حديث لشهر وهو قائم على أسكفة الباب١. فقال: إن شهرًا نزكوه إن شهرًا نزكوه٢.
قال مسلم ﵀: يقول: أخذته ألسنة الناس. تكلموا فيه.
وقال مسلم: حدثني الفضل بن سهل. قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرني خليفة بن موسى قال: دخلت على غالب بن عبيد الله. فجعل يملي عليّ: حدثني مكحول. حدثني مكحول فأخذه البول٣ فقام فنظرت في الكراسة٤ فإذا فيها حدثني أبان، عن أنس، وأبان عن فلان، فتركته وقمت.
قال: وسمعت الحسن بن علي الحلواني يقول: رأيت في كتاب عفان حديث هشام أبي المقدام، حديث عمر بن عبد العزيز. قال هشام: حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب، قال: قلت لعفان: إنهم يقولون: هشام سمعه من محمد بن كعب فقال: إنما ابتلي من قبل هذا الحديث. كان يقول: حدثني يحيى عن محمد، ثم ادعى بعد، أنه سمعه من محمد.
حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ. قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن جبلة يقول: قلت لعبد الله بن المبارك: من هذا الرجل الذي رويت عنه
_________
١ "أسكفة الباب" هي العتبة السفلى التي توطأ.
٢ "نزكوه" معناه طعنوا فيه وتكلموا بجرحه. فكأنه يقول: طعنوه بالنيزك، وهو رمح قصير.
٣ "أخذه البول" معناه ضغطه وأزعجه واحتاج إلى إخراجه.
٤ "الكراسة" قال أبو جعفر النحاس في كتاب "صناعة الكتاب": الكراسة معناه الكتبة المضموم بعضها إلى بعض. والورق الذي قد ألصق بعضه إلى بعض، مشتق من قولهم: رسم مكرس، إذا ألصقت الريح التراب به. وقال أقضى القضاة الماوردي: أصل الكرسي العلم، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب: كراسة.
1 / 9
حديث عبد الله بن عمرو "يوم الفطر يوم الجوائز" قال: سليمان بن الحجاج. انظر ما وضعت في يدك منه.
قال ابن قهزاذ: وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبد الملك، قال: قال عبد الله، يعني ابن المبارك: رأيت روح بن غطيف، صاحب الدم قدر الدرهم١، وجلست إليه مجلسًا، فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالسًا معه. كُره حديثه٢.
حدثني ابن قهزاذ قال: سمعت وهبًا يقول عن سفيان، عن ابن المبارك؛ قال: بقية صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر٣.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي؛ قال: حدثني الحارث الأعور الهمداني، وكان كذابًا.
حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري، حدثنا أبو أسامة، عن مفضل، عن مغيرة؛ قال: سمعت الشعبي يقول: حدثني الحارث الأعور، وهو يشهد أنه أحد الكاذبين.
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم؛ قال: قال علقمة: قرأت القرآن في سنتين فقال الحارث: القرآن هين. الوحي أشد.
وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا أحمد، يعني ابن يونس، حدثنا زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم؛ أن الحارث قال: تعلمت القرآن في ثلاث سنين والوحي في سنتين. أو قال: الوحي في ثلاث سنين. والقرآن في سنتين.
_________
١ "صاحب الدم قدر الدرهم" يريد وصفه وتعريفه بالحديث الذي رواه روح هذا عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة يرفعه "تعاد الصلاة من قدر الدرهم" يعني من الدم.
٢ "كره حديثه" أي كراهية له.
٣ "ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر" يعني عن الثقات والضعفاء.
1 / 10
وحدثني حجاج قال: حدثني أحمد، وهو ابن يونس، حدثنا زائدة، عن منصور والمغيرة، عن إبراهيم؛ أن الحارث اتهم.
وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن حمزة الزيات. قال: سمع مرة الهمداني من الحارث شيئًا. فقال له: اقعد بالباب. قال، فدخل مرة وأخذ سيفه. قال، وأحس الحارث بالشر، فذهب.
وحدثني عبيد الله بن سعيد، حدثنا عبد الرحمن، يعني ابن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، عن ابن عون؛ قال: قال لنا إبراهيم: إياكم والمغيرة بن سعيد، وأبا عبد الرحمن فإنهما كذابان.
حدثنا أبو كامل الجحدري، حدثنا حماد، وهو ابن زيد، قال: حدثنا عاصم، قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع، فكان يقول لنا: لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص، وإياكم وشقيقًا، قال وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج، وليس بأبي وائل.
حدثنا أبو غسان، محمد بن عمر والرازي، قال: سمعت جريرًا يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه. كان يؤمن بالرجعة١.
حدثنا الحسن الحلواني، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا مسعر. قال: حدثنا جابر بن يزيد، قبل أن يحدث ما أحدث.
_________
١ "كان يؤمن بالرجعة" معنى إيمانه بالرجعة هو ما تقوله الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل أن عليًّا كرم الله وجهه في السحاب. فلا نخرج، يعني مع من يخرج من ولده حتى ينادى من السماء أن اخرجوا معه.
1 / 11
وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان. قال: كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر، فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس. فقيل له: وما أظهر؟ قال: الإيمان بالرجعة.
وحدثنا حسن الحلواني، حدثنا أبو يحيى الحماني، حدثنا قبيصة وأخوه، أنهما سمعًا الجراح بن مليح يقول: سمعت جابرًا يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر، عن النبي ﷺ، كلها.
وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا أحمد بن يونس. قال: سمعت زهيرًا يقول: قال جابرٌ، أو سمعت جابرًا يقول: إن عندي لخمسين ألف حديث، ما حدثت منها بشيء، قال ثم حدث يومًا بحديث فقال: هذا من الخمسين ألفًا.
وحدثني إبراهيم بن خالد اليشكري قال: سمعت أبا الوليد يقول: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: سمعت جابرًا الجعفي يقول: عندي خمسون ألف حديث عن النبي ﷺ.
وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان. قال: سمعت رجلًا سأل جابرًا عن قوله ﷿: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ . فقال جابر: لم يجئ تأويل هذه. قال سفيان: وكذب، فقلنا لسفيان: وما أراد بهذا؟ فقال: إن الرافضة تقول: إن عليا في السحاب فلا تخرج مع من خرج من ولده، حتى ينادي مناد من السماء يريد عليًّا أنه ينادي: اخرجوا مع فلان. يقول جابر: فذا تأويل هذه الآية وكذب. كانت في إخوة يوسف ﷺ.
1 / 12
وحدثني سلمة، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان. قال: سمعت جابرًا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث. ما أستحل أن أذكر منها شيئًا، وأن لي كذا وكذا.
قال مسلم: وسمعت أبا غسان، محمد بن عمرٍو الرازي قال: سألت جرير بن عبد الحميد، فقلت: الحارث بن حصيرة لقيته؟ قال: نعم. شيخٌ طويلُ السكوتِ، يُصر على أمر عظيم.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي. قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد، قال: ذكر أيوب رجلًا يومًا فقال: لم يكن بمستقيم اللسان، وذكر آخر فقال: هو يزيد في الرقم.
حدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، قال: قال أيوب: إن لي جارًا، ثم ذكر من فضله ولو شهد عندي على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة.
وحدثني محمد بن رافع، وحجاج بن الشاعر. قالا: حدثنا عبد الرزاق قال: قال معمر: ما رأيت أيوب اغتاب أحدا قط إلا عبد الكريم. يعني أبا أمية. فإنه ذكره فقال: ﵀ كان غير ثقة، لقد سألني عن حديث لعكرمة، ثم قال: سمعت عكرمة.
حدثني الفضل بن سهل، قال: حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، قال: قدم علينا أبو داود الأعمى فجعل يقول: حدثنا البراء. قال: وحدثنا زيد بن أرقم
1 / 13
فذكرنا ذلك لقتادة، فقال: كذب ما سمع منهم١ إنما كان ذلك سائلا يتكفف الناس٢ زمن طاعون الجارف٣.
وحدثني حسن بن علي الحلواني قال: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همام، قال: دخل أبو داود الأعمى على قتادة فلما قام قالوا: إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدريًّا، فقال قتادة: هذا كان سائلا قبل الجارف لا يعرض في شيء من هذا٤، ولا يتكلم فيه، فوالله ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة. ولا حدثنا سعيد بن المسيب عن بدري مشافهة، إلا عن سعد بن مالك.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن رقبة؛ أن أبا جعفر الهاشمي المدني كان يضع أحاديث كلام حق٥، وليست من أحاديث النبي ﷺ، وكان يرويها عن النبي ﷺ.
حدثنا الحسن الحلواني قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، وحدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن يونس بن عبيد قال: كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث.
_________
١ "ما سمع منهم" يعني البراء وزيدًا وغيرهما ممن زعم أنه روى عنهم. فإنه زعم أنه رأى ثمانية عشر بدريًّا.
٢ "يتكفف الناس" معناه يسألهم في كفه أو بكفه.
٣ "طاعون الجارف" سمي بذلك لكثرة من مات فيه من الناس وسمي الموت جارفًا لاجترافه الناس، وسمي السيل جارفًا لاجترافه ما على الأرض، والجرف الغرف من فوق الأرض وكسح ما عليها، وأما الطاعون فوباء معروف، وهو بثر وورم مؤلم جدًا يخرج مع لهب ويسود ما حوله أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة، ويحصل معه خفقان القلب والقيء.
٤ "لا يعرض لشيء من هذا" أي لا يعتني بالحديث.
٥ "كلام حق" بنصب كلام، وهو بدل من أحاديث، ومعناه كلام صحيح المعنى وحكمة من الحكم ولكنه كذب. فنسبه إلى النبي ﷺ وليس هو من كلامه ﷺ.
1 / 14
حدثني عمرو بن علي، أبو حفص. قال: سمعت معاذ بن معاذ يقول: قلت لعوف بن أبي جميلة: إن عمرو بن عبيد حدثنا عن الحسن؛ أن رسول الله ﷺ قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا" ١ قال: كذب، والله! عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث٢.
وحدثنا عبيد الله بن عمرو القواريري. حدثنا حماد بن زيد. قال: كان رجل قد لزم أيوب وسمع منه ففقده أيوب، فقالوا: يا أبا بكر إنه قد لزم عمرو بن عبيد. قال: حماد: فبينا أنا يومًا مع أيوب وقد بكرنا إلى السوق فاستقبله الرجل فسلم عليه أيوب وسأله ثم قال له أيوب: بلغني أنك لزمت ذاك الرجل. قال حماد: سماه، يعني عمرًا. قال: نعم يا أبا بكر إنه يجيئنا بأشياء غرائب. قال: يقول له أيوب: إنما نفر أو نفرق٣ من تلك الغرائب.
وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا ابن زيد، يعني حمادًا، قال: قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن قال: لا يجلد السكران من النبيذ، فقال: كذب. أنا سمعت الحسن يقول: يجلد السكران من النبيذ.
_________
١ "من حمل علينا السلام فليس منا"، صحيح مروي من طرق، وقد ذكرها مسلم ﵀، ومعناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا؛ كما يقول الرجل لولده، إذ لم يرض فعله: لست مني.
ومراد مسلم ﵀ بإدخال هذا الحديث هنا بيان أن عوفًا جرح عمرو بن عبيد وقال: كذاب. وإنما كذبه، مع أن الحديث صحيح لكونه نسبه إلى الحسن. وكان عوف من كبار أصحاب الحسن والعارفين بأحاديثه. فقال: كذب في نسبته إلى الحسن، فلم يرو الحسن هذا، أو لم يسمعه هذا من الحسن.
٢ "أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث" معناه كذب بهذه الرواية ليعضد بها مذهبه الباطل الرديء، وهو الاعتزال، فإنهم يزعمون أن ارتكاب المعاصي يخرج صاحبه عن الإيمان ويخلده في النار، ولا يسمونه كافرًا، بل فاسقًا مخلدًا في النار.
٣ "نفرّ أو نفرَق" شك من الراوي في إحداهما، معناه: إنما نهرب أو نخاف من هذه الغرائب.
1 / 15
وحدثني حجاج، حدثنا سليمان بن حرب قال: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: بلغ أيوب أني آتي عمرًا فأقبل عليّ يومًا فقال: أرأيت رجلًا لا تأمنه على دينه، كيف تأمنه على الحديث؟
وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، قال: سمعت أبا موسى يقول: حدثنا عمرو بن عبيد قبل أن يحدث١.
حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي. قال: كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط، فكتب إليّ: لا تكتب عنه شيئًا ومزق كتابي.
وحدثنا الحلواني قال: سمعت عفان قال: حدثت حماد بن سلمة عن صالح المري بحديث عن ثابت. فقال: كذب. وحدثت همامًا عن صالح المري بحديث، فقال: كذب.
وحدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود. قال: قال لي شعبة: ايْتِ جرير بن حازم فقل له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة؛ فإنه يكذب. قال أبو داود: قلت لشعبة: وكيف ذاك؟ فقال: حدثنا عن الحكم بأشياء لم أجد لها أصلًا. قال: قلت له: بأي شيء؟ قال: قلت للحكم: أصلى النبي ﷺ على قتلى أحد؟ فقال: لم يصل عليهم. فقال الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس؛ إن النبي ﷺ صلى عليهم ودفنهم. قلت للحكم: ما تقول في أولاد الزنا؟ قال: يصلى عليهم. قلت: من حديث مَن يُروى؟ قال: يُروى عن الحسن البصري. فقال الحسن بن عمارة: حدثنا الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي.
_________
١ "يحدث" يعني قبل أن يصير معتزلا قدريًّا.
1 / 16
وحدثنا الحسن الحلواني. قال: سمعت يزيد بن هارون، وذكر زياد بن ميمون، فقال: حلفت ألا أروي عنه شيئًا، ولا عن خالد بن محدوج. وقال: لقيت زياد بن ميمون، فسألته عن حديث، فحدثني به عن بكر المزني، ثم عدت إليه، فحدثني به عن مورق، ثم عدت إليه، فحدثني به عن الحسن وكان ينسبهما إلى الكذب.
قال الحلواني: سمعت عبد الصمد، وذكرت عنده زياد بن ميمون، فنسبة إلى الكذب.
وحدثنا محمود بن غيلان. قال قلت لأبي داود الطيالسي: قد أكثرت عن عباد بن منصور. فمالك لم تسمع منه حديث العطارة١ الذي روى لنا النضر بن شميل؟ قال لي: اسكت فأنا لقيت زياد بن ميمون، وعبد الرحمن بن مهدي٢ فسألناه فقلنا له: هذه الأحاديث التي ترويها عن أنس؟ فقال: أرأيتما رجل يذنب فيتوب أليس يتوب الله عليه؟ قال قلنا: نعم. قال: ما سمعت من أنس، من ذا قليلا ولا كثيرًا إن كان لا يعلم الناس فأنتما لا تعلمان٣ أني لم ألق أنسًا.
قال أبو داود: فبلغنا، بعد، أنه يروي. فأتيناه أنا وعبد الرحمن فقال: أتوب ثم كان بعدُ يحدث، فتركناه.
_________
١ "حديث العطارة" قال القاضي عياض ﵀: هو حديث رواه زياد بن ميمون هذا عن أنس: أن امرأة يقال لها: الحولاء، عطارة كانت بالمدينة، فدخلت على عائشة ﵂ وذكرت خبرها مع زوجها، وأن النبي ﷺ ذكر لها فضل الزوج، وهو حديث طويل غير صحيح.
٢ "وعبد الرحمن بن مهدي" مرفوع معطوف على الضمير في قوله لقيت.
٣ "فأنتما لا تعلمان" هكذا وقع في الأصول، ومعناه: فأنتما تعلمان. فيجوز أن تكون لا زائدة، معناه: أفأنتما لا تعلمان؟ ويكون استفهام تقرير، وحذف همزة الاستفهام.
1 / 17
حدثنا حسن الحلواني قال: سمعت شبابة١ قال: كان عبد القدوس يحدثنا فيقول: سويد بن عقلة. قال شبابة: وسمعت عبد القدوس يقول: نهى رسول الله ﷺ أن يتخذ الروح عرضًا. قال: فقيل له: أي شيء هذا؟ قال: يعني تتخذ كوة في حائط ليدخل عليه الروح٢.
قال مسلم: وسمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول: سمعت حماد بن زيد يقول لرجل، بعدما جلس مهدي بن هلال بأيام: ما هذه العين المالحة٣ التي نبعت قِبَلكم؟ قال: نعم يا أبا إسماعيل.
وحدثنا الحسن الحلواني، قال: سمعت عفان، قال: سمعت أبا عوانة، قال: ما بلغني عن الحسن حديث٤، إلا أتيت به أبان بن أبي عياش، فقرأه عليَّ.
وحدثنا سويد بن سعيد. حدثنا علي بن مسهر، قال: سمعت أنا، وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحوًا من ألف حديث.
قال عليٌّ: فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي ﷺ في المنام، فعرض عليه ما سمع من أبان، فما عرف منها إلا شيئًا يسيرًا خمسة أو ستة.
_________
١ "سمعت شبابة ... إلخ" المراد بهذا المذكور بيان تصحيف عبد القدوس وغباوته واختلال ضبطه وحصول الوهم في إسناده ومتنه. فأما الإسناد فإنه قال: سويد بن عقلة، وهو تصحيف ظاهر وخطأ بيّن، وإنما هو غفلة، وأما المتن، فقال: الروح وعرضًا، وهو تصحيف قبيح وخطأ صريح، وصوابه الروح، وغرضًا، ومعناه نهى أن يتخذ الحيوان الذي فيه الروح غرضًا، أي هدفًا للرمي، فيرمى إليه بالنشاب وشبهه.
٢ "الروح" أي النسيم.
٣ "العين المالحة" كناية عن ضعفه وجرحه.
٤ "ما بلغني عن الحسن حديث" معنى هذا الكلام أنه كان يحدث عن الحسين بكل ما يسأل عنه، وهو كاذب في ذلك.
1 / 18
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا زكرياء بن عدي. قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري: اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين، ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين، ولا عن غيرهم.
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: سمعت بعض أصحاب عبد الله قال: قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية، لولا أنه كان يكني الأسامي ويسمي الكنى١. كان دهرًا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي، فنظرنا فإذا هو عبد القدوس.
وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال: سمعت عبد الرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب إلا لعبد القدوس، فإني سمعته يقول له: كذاب.
وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال: سمعت أبا نعيم، وذكر المعلى بن عرفان، فقال: قال: حدثنا أبو وائل قال: خرج علينا ابن مسعود بصفين. فقال أبو نعيم: أتراه بعث بعد الموت؟ ٢.
حدثني عمرو بن علي وحسن الحلواني؛ كلاهما عن عفان بن مسلم قال: كنا عند إسماعيل بن علية، فحدث رجل عن رجل، فقلت: إن هذا ليس بثبت. قال: فقال الرجل: اغتبته. قال إسماعيل: ما اغتابه ولكنه حكم: أنه ليس بثبت.
_________
١ "كان يكني الأسامي ويسمي الكنى"، معناه: أنه إذا روى عن إنسان معروف باسمه كناه ولم يسمه، وإذا روى عن إنسان معروف بكنيته سماه ولم يكنه، وهذا نوع من التدليس، وهو قبيح مذموم.
٢ "أتُراه"، معناه: أتظنه.
1 / 19
وحدثنا أبو جعفر الدارمي. حدثنا بشر بن عمر قال: سألت مالك بن أنس، عن محمد بن عبد الرحمن الذي يروي عن سعيد بن المسيب. فقال: ليس بثقة، وسألته عن صالح مولى التوأمة. فقال: ليس بثقة. وسألته عن أبي الحويرث. فقال: ليس بثقة. وسألته عن شعبة الذي روى عنه ابن أبي ذئب. فقال: ليس بثقة. وسألته عن حرام بن عثمان. فقال: ليس بثقة. وسألت مالكًا عن هؤلاء الخمسة. فقال: ليسوا بثقة في حديثهم. وسألته عن رجل آخر نسيت اسمه. فقال: هل رأيته في كتبي. قلت: لا. قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي.
وحدثني الفضل بن سهل، قال: حدثني يحيى بن معين، حدثنا حجاج، حدثنا ابن أبي ذئب عن شرحبيل بن سعد، وكان متهمًا.
وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ. قال: سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول: لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر، لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة. فلما رأيته، كانت بعره أحب إليّ منه.
وحدثني الفضل بن سهل، حدثنا وليد بن صالح قال: قال عبيد الله بن عمرو: قال زيد، يعني ابن أبي أنيسة: لا تأخذوا عن أخي.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثني عبد السلام الوابصي. قال: حدثني عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو؛ قال: كان يحيى بن أبي أنيسة كذابًا.
حدثني أحمد بن إبراهيم قال: حدثني سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد قال: ذكر فرقد عند أيوب. فقال: إن فرقدًا ليس صاحب حديث.
1 / 20
وحدثني عبد الرحمن بن بشر العبدي قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، ذكر عنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، فضعفه جدًّا١، فقيل ليحيى: أضعف من يعقوب بن عطاء؟ قال: نعم. ثم قال: ما كنت أرى أن أحدًا يروي عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير.
حدثني بشر بن الحكم، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، ضعف حكيم بن جبير وعبد الأعلى، وضعف يحيى بن موسى بن دينار، قال: حديثه ريح، وضعف موسى بن دهقان، وعيسى بن أبي عيسى المدني، قال: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك: إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث ثلاثة، لا تكتب حديث عبيدة بن معتب، والسري بن إسماعيل، ومحمد بن سالم.
قال مسلم: وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواة الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير، يطول الكتاب بذكره على استقصائه، وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا.
وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث، وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل، أو تحريم، أو أمر، أو نهي، أو ترغيب، أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره، ممن جهل معرفته، كان آثمًا بفعله ذلك، غاشًّا لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها، أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها مع أن الأخبار الصحاح من رواية
_________
١ "جدًّا" هو بكسر الجيم. وهو مصدر جدّ يجدّ جدًّا. ومعناه تضعيفًا بليغًا.
1 / 21
الثقات وأهل القناعة١ أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع٢.
ولا أحسب كثيرًا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها، من التوهن والضعف، إلا أن الذي يحمله على روايتها، والاعتداد بها، إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث، وألف من العدد.
ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يسمى جاهلا، أولى من أن ينسب إلى علم.
وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتقسيمها بقول، لو ضربنا٣ عن حكايته وذكر فساده صفحًا لكان رأيًا متينًا، ومذهبًا صحيحًا.
إذ الإعراض عن القول المطرح، أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله٤ وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهًا للجهال عليه، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطا المخطئين، والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله، ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى٥ على الأنام، وأحمد للعاقبة إن شاء الله.
_________
١ "أهل القناعة" أي الذين يقنع بحديثهم لكمال حفظهم وعدالتهم.
٢ "مقنع" مثل جعفر، أي يقنع به، ويستعمل بلفظ واحد مطلقًا.
٣ "لو ضربنا ... إلخ" أي لو أعرضنا عن ذلك إعراضًا. فصفحا مصدر من غير لفظه، وفي التنزيل الجليل: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ .
٤ "إخمال ذكر قائله" أي إسقاطه.
٥ "أجدى" أنفع.
1 / 22