Macqul Wa La Macqul
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Genres
عمرو :
الرأي والله ما رأيت.
وهنا يعلن أبو موسى في الناس، قائلا: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به شأن هذه الأمة.
فقال عمرو: صدق! تقدم يا أبا موسى فتكلم.
وقام ليتكلم، فاعترضه ابن عباس قائلا: ويحك! والله إني لأظنه قد خدعك! إن كنتما قد اتفقتما على أمر، فقدمه قبلك ليتكلم به، ثم تكلم أنت بعده؛ فإنه رجل غدار!
لكن أبا موسى لم يأبه لتحذير ابن عباس، ومضى ليعلن في الناس: أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها، ولا ألم لشعثها من ألا تتباين أمورها، وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية وأن يستقبل هذا الأمر، فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أموركم، وولوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلا.
فقام عمرو بن العاص ليعلن: إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة؛ فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه.
10
من خدعة التحكيم انبثقت دولة؛ هي الدولة الأموية، ومنها كذلك تفجرت فلسفة للسياسة، بدت بوادرها في جماعة الخوارج ومن عارضوهم، أما الأولى فلا نقف عندها لأنها من شأن من رصد نفسه لكتابة التاريخ، وأما الثانية فهي التي تعنينا؛ لأنها مسألة فكرية تعرض للعقل الإنساني في كل زمان أو مكان؛ إذ ما زال الناس إلى يومهم هذا من أواخر القرن العشرين، يسألون: لمن يكون الحكم؟ فلا يجد السؤال جوابا يتفق عليه الجميع، وكان الخوارج في تاريخ المسلمين هم أول من طرحوا علينا هذا السؤال.
إن كاتب هذه الصفحات ليأخذه بهؤلاء الخوارج العجب آنا والإعجاب آنا.
Unknown page