بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وصل اللَّهُمَّ على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم
الْحَمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد ذُو المناقب الحميدة وعَلى آله وَأَصْحَابه مَا دَار الزَّمَان بسيطة ومديده
وَبعد فَهَذِهِ فَوَائِد جمة وفرائد يعْنى بهَا ذُو الهمة غالبها أبكار أبكار عزيزة الْوُجُود رخيصة الأسعار تتَعَلَّق بِكَلِمَة لَا إِلَه إِلَّا الله علقتها فِي لَيْلَة أقلقني فِيهَا رائد الْفِكر وتشعبات النّظر لَيْسَ لي فِيهَا سمير غير المحبرة والسراج وَلَا أنيس غير الْفِكر الْوَهَّاج هَذَا وبحره شَدِيد
1 / 59
الأمواج سريع الْأزْوَاج إِلَى أَن أَسْفر الصُّبْح فأعلن بالابتهاج وأنتجت مقدماته أشرف الإنتاج فسرت من عَالم الأفكار إِلَى عَالم الاستبصار واستغفرت الْعَزِيز الْغفار
ورتبته على فُصُول الأول لَا نَافِيَة للْجِنْس مَحْمُولَة فِي الْعَمَل على نقيضها إِن
1 / 60
وَاسْمهَا مُعرب ومبني فيبنى إِذا كَانَ مُفردا نكرَة على مَا كَانَ ينصب بِهِ
1 / 61
وَسبب بنائِهِ تضمنه معنى الْحَرْف وَهُوَ من الاستغراقية
يدل على ذَلِك ظُهُورهَا فِي قَول الشَّاعِر
(فَقَامَ يذود النَّاس عَنْهَا بِسَيْفِهِ ... وَقَالَ أَلا لَا من سَبِيل إِلَى هِنْد)
وَقيل بني لتركبه مَعهَا تركيب خَمْسَة عشر
1 / 62
وَعَن السيرافي والزجاج أَن حَرَكَة لَا رجل وَنَحْوه حَرَكَة إِعْرَاب وَإِنَّمَا حذف التَّنْوِين تَخْفِيفًا وَيدل على ذَلِك الرُّجُوع إِلَى
1 / 63
هَذَا الأَصْل فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه
(أَلا رجلا جزاه الله خيرا ... يدل على محصلة تبيت)
1 / 64
وَلَا حجَّة فِيهِ لِأَن التَّقْدِير أَلا تروني رجلا وَإِن لم يكن مُفردا وأعني بِهِ الْمُضَاف والمشبه بِهِ أعرب نصبا نَحْو لَا خيرا من زيد
الثَّانِي لَا هَذِه تخَالف إِن من أوجه أَحدهَا أَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات بِخِلَاف إِن
الثَّانِي أَن اسْمهَا إِذا لم يكن عَاملا كَمَا فِي لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهُ يبْنى وَقد تقدم السَّبَب فِي عِلّة بنائِهِ
1 / 65
الثَّالِث أَن ارْتِفَاع خَبَرهَا عِنْد إِفْرَاد اسْمهَا نَحْو لَا رجل قَائِم بِمَا كَانَ مَرْفُوعا بِهِ قبل دُخُولهَا لَا بهَا وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَخَالفهُ الْأَكْثَرُونَ وَلَا خلاف بَين الْبَصرِيين أَن ارتفاعه بهَا إِذا كَانَ عَاملا
1 / 66
الرَّابِع أَن خَبَرهَا لَا يتَقَدَّم على اسْمهَا وَلَو كَانَ ظرفا أَو مجرورا
الْخَامِس أَنه يجوز إلغاؤها إِذا تَكَرَّرت نَحْو لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَك فتح الاسمين ورفعهما والمغايرة بَينهمَا
السَّادِس أَنه يكثر حذف خَبَرهَا إِذا علم نَحْو ﴿قَالُوا لَا ضير﴾
1 / 67
وَتَمِيم لَا تذكره حِينَئِذٍ
الثَّالِث اعْلَم أَن لَا لفظ مُشْتَرك بَين النَّفْي وَهِي فِيهِ على قسمَيْنِ قسم تَنْفِي مَعَه الْجِنْس فتعمل عمل إِن كَمَا تقدم
1 / 68
وَقسم تَنْفِي فِيهِ الْوحدَة وتعمل حِينَئِذٍ عمل لَيْسَ وَبَين النَّهْي وَالدُّعَاء فتجزم فعلا وَاحِدًا
قلت هَكَذَا ادّعى جمَاعَة من النَّحْوِيين أَن لَا العاملة عمل لَيْسَ لَا تكون إِلَّا نَافِيَة للوحدة لَا غير
ورد عَلَيْهِم بِنَحْوِ قَوْله
(تعز فَلَا شَيْء على الأَرْض بَاقِيا ...)
1 / 69
وَلَا هَذِه العاملة عمل لَيْسَ تخَالف لَيْسَ من وُجُوه أَحدهَا أَن عَملهَا قَلِيل
الثَّانِي أَن ذكر خَبَرهَا قَلِيل
1 / 70
الثَّالِث أَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات خلافًا لِابْنِ جني وَعَلِيهِ قَول النَّابِغَة
(وحلت سَواد الْقلب لَا أَنا بَاغِيا ... سواهَا وَلَا عَن حبها متراخيا)
1 / 71
وَعَلِيهِ بنى المتنبي قَوْله
(إِذا الْجُود لم يرْزق خلاصا من الْأَذَى ... فَلَا الْحَمد مكسوبا وَلَا المَال بَاقِيا)
وَقد ترد لَا زَائِدَة تَقْوِيَة للْكَلَام نَحْو ﴿مَا مَنعك إِذْ رَأَيْتهمْ ضلوا أَلا تتبعن﴾ ﴿مَا مَنعك أَلا تسْجد﴾ وتوضحه الْآيَة
1 / 72
الْأُخْرَى ﴿مَا مَنعك أَن تسْجد﴾
الرَّابِع إِذا عرف أَن لَا فِي كلمة الْإِخْلَاص نَافِيَة للْجِنْس فإله اسْمهَا وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا وَاسْمهَا فِي مَحل رفع بِالِابْتِدَاءِ وَلَا عمل لَهَا فِي الْخَبَر وَمذهب الْأَخْفَش أَن اسْمهَا فِي مَحل رفع وَهِي عاملة فِي الْخَبَر
1 / 73
الْخَامِس قَول لَا إِلَه إِلَّا الله قدر فِيهِ الْأَكْثَرُونَ خبر لَا محذوفا فَقدر بَعضهم الْوُجُود وَبَعْضهمْ لنا وَبَعْضهمْ بِحَق قَالَ لِأَن آلِهَة الْبَاطِل مَوْجُودَة فِي الْوُجُود كالوثن وَالْمَقْصُود نفي مَا عدا إِلَه الْحق وَنَازع فِيهِ بَعضهم وَنفى الْحَاجة إِلَى قيد مُقَدّر محتجا بِأَن نفي الْمَاهِيّة من غير قيد أَعم من نَفيهَا بِقَيْد
1 / 74
وَالتَّقْدِير أولى جَريا على الْقَاعِدَة الْعَرَبيَّة فِي تَقْدِير الْخَبَر وعَلى هَذَا فَالْأَحْسَن تَقْدِير الْأَخير لما ذكر ولتكون الْكَلِمَة جَامِعَة لثُبُوت مَا يَسْتَحِيل نَفْيه وَنفي مَا يَسْتَحِيل ثُبُوته
1 / 75
السَّادِس ذكر بَعضهم أَن إِلَّا فِي كلمة الشَّهَادَة بِمَعْنى غير وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى ﴿لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا﴾ ثمَّ بقول الشَّاعِر
1 / 76
(وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ ... لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان)
فَإِنَّهُ لَو حمل إِلَّا على الِاسْتِثْنَاء الصَّرِيح لم يكن اللَّفْظ بِالْكَلِمَةِ الشَّرِيفَة توحيدا مَحْضا فَإِن تَقْدِير الْكَلَام لَا إِلَه مُسْتَثْنى عَنهُ الله فَلَا يكون نفيا لآلهة لَا يسْتَثْنى عَنْهَا الله وَهَذَا لَيْسَ بتوحيد
وَهَذَا الْقَائِل مُنَازع فِي هَذَا الْفَهم وَإِجْمَاع الْعلمَاء على أَنه
1 / 77
يُفِيد التَّوْحِيد الْمَحْض وَإِطْلَاق الشَّارِع لَهَا غير مُقَيّدَة بِقَيْد لَا سِيمَا فِي مَوضِع الْبَيَان وَالتَّفْسِير دَلِيل قَطْعِيّ على أَنه صَرِيح فِيهِ
وَأما حمل الْآيَة على معنى غير فَظَاهر لِأَنَّهَا مَرْفُوعَة نعتا لآلهة لَا أَن المُرَاد بهَا الِاسْتِثْنَاء إِذْ المُرَاد نفي الْمَعِيَّة لانْتِفَاء التمانع الْمَنْفِيّ لانْتِفَاء غير الله تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي أوردهُ المتكلمون فِي صُورَة التَّقْسِيم الْمُسَمّى عِنْدهم برهَان الْخلف
1 / 78