Macna Hayat Muqaddima Qasira
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
وبناء على النظرية التي اقترحتها للتو، فإنه لا يوجد أي تعارض نهائيا بين اثنين من أقوى المتنافسين في رهانات معنى الحياة؛ ألا وهما الحب والسعادة. فإذا كانت السعادة ترى بعين أرسطية بوصفها الازدهار الحر لملكات المرء، وإذا كان الحب هو نوعية التبادل التي تتيح لذلك أن يحدث على النحو الأمثل له، فلا يوجد صراع حاسم بينهما. ولا يوجد أيضا صراع بين السعادة والفضيلة، بالنظر إلى أن معاملة عادلة ورحيمة للآخرين تعد على النطاق الواسع للأمور واحدة من شروط الازدهار الشخصي للفرد. ومن ثم تقل الحاجة للقلق بشأن نوعية الحياة التي تبدو ذات معنى من حيث كونها إبداعية وديناميكية وناجحة ومكتملة، ولكنها تتألف من تعذيب الآخرين أو سحقهم. وبناء على هذه النظرية أيضا، فإن الفرد ليس مرغما على الاختيار بين عدد من المرشحين المختلفين من أجل تحقيق الحياة الجيدة، مثلما يشير جوليان باجيني إلى حتمية هذا الاختيار. فيقدم باجيني مجموعة من الاحتمالات لمعنى الحياة - السعادة والإيثار والحب والإنجاز وفقدان أو نكران الذات والمتعة والخير الأصلح للنوع - ويشير بأسلوبه المتحرر إلى وجود قدر من الحقيقة فيها جميعا. ومن هذا المنطلق يقترح نموذج للاختيار والمزج. وهكذا على طريقة المصممين، يمكن لكل منا أن يأخذ ما يريد من هذه العناصر المتنوعة ويمزجها مكونا منها حياة ملائمة له بشكل متفرد.
شكل 4-4: فريق بوينا فيستا سوشيال كلوب. (© Road Movie
غير أنه من الممكن أن نرسم خطا فاصلا بين العناصر التي اقترحها باجيني وننظر إلى معظمها بوصفها عناصر قابلة للدمج مع أحدها الآخر. لنأخذ فريقا لموسيقى الجاز كصورة مجازية للحياة الجيدة.
7
إن فريق الجاز الذي يمارس الارتجال يختلف بشكل واضح عن الأوركسترا السيمفوني؛ نظرا لأن كل فرد فيه إلى حد كبير يمتلك حرية التعبير عن نفسه كيفما يشاء. ولكنهم يفعلون ذلك بحساسية متفتحة لعروض الموسيقيين الآخرين المعبرة عنهم. والتناغم المعقد الذي يصوغونه لا يأتي من العزف من نوتة جماعية، ولكن من التعبير الموسيقي الحر لكل عضو بالفريق والذي يعمل بمثابة الأساس للتعبير الحر للآخرين. ومع تطور الطلاقة الموسيقية لكل عازف، يستمد الآخرون الإلهام من ذلك، ويتولد لديهم الحافز لبلوغ مستويات أعلى. ولا يوجد هنا صراع بين الحرية وبين «منفعة الكل»، إلا أن الصورة الذهنية الحاضرة هنا هي عكس الصورة الشمولية. فعلى الرغم من أن كل عازف يساهم في «الخير الأسمى للكل»، فإنه يفعل ذلك ليس بتضحية متبرمة بالذات، وإنما من خلال التعبير عن النفس ببساطة. فهناك تحقيق للذات، ولكن يتم من خلال فقدان الذات في الموسيقى ككل. وهناك إنجاز، ولكنه ليس مجرد مسألة نجاح للتفاخر والتباهي. فالإنجاز - المتمثل في الموسيقى نفسها - يعمل بمثابة وسيلة لبناء العلاقة بين العازفين. وهناك متعة تجنى من هذه البراعة الفنية، وهناك أيضا سعادة تتأتى من الإحساس بالازدهار؛ نظرا لوجود إشباع أو تحقيق حر للقدرات والإمكانيات. ونظرا لأن هذا الازدهار تبادلي، بإمكاننا حتى التحدث من بعيد وبشكل قياسي عن نوع من الحب. ولا بأس بالتأكيد من اقتراح مثل هذا الموقف بوصفه معنى الحياة؛ من حيث إنه هو ما يجعل للحياة معنى، وأيضا - وهو الأمر الأكثر إثارة للجدل - من حيث إننا عندما ننتهج هذا المسلك، فإننا ندرك طبيعتنا في أروع صورها.
إذن، هل موسيقى الجاز هي معنى الحياة؟ ليس بالضبط. فالهدف سيكون إذن بناء مجتمع من هذا النوع على نطاق أوسع، وهو ما يمثل مشكلة سياسة. ولا شك أنه طموح مثالي إلى حد الخيال، ولكن ليس في ذلك ما يسوء. إن الهدف وراء مثل هذه الطموحات هي الإشارة إلى اتجاه ما، بغض النظر عن استحالة بلوغنا هذا الهدف مع الأسف. إن ما نحتاج إليه هو صورة من صور الحياة لا هدف لها إطلاقا، مثلما يخلو عرض الجاز من أي هدف. فبدلا من خدمة هدف نفعي أو غاية ميتافيزيقية جدية، فهو متعة في حد ذاته؛ فهو لا يحتاج إلى تبرير يتجاوز نطاق وجوده. وفي هذا الإطار، يقترب معنى الحياة بشكل مثير من انعدام المعنى. والمتدينون الذين يرون هذه النسخة من معنى الحياة هادئة أكثر من اللازم حتى إنها لا تمثل لهم مصدرا للارتياح يجب أن يذكروا أنفسهم بأن الإله أيضا هو غاية نفسه، وأساسه، وأصله، ومنطقه، ومتعته الذاتية، وأن العيش على هذه الوتيرة هو وحده ما يجعل بالإمكان القول بأن البشر يشاركون في حياته. أحيانا ما يتحدث المتدينون وكأن أحد الفروق الأساسية بينهم وبين غير المتدينين يكمن في أنهم يرون أن معنى وهدف الحياة يكمنان خارجها. ولكن هذا ليس صحيحا تماما حتى بالنسبة للمتدينين. فالإله - من منظور اللاهوت الكلاسيكي - يفوق العالم، ولكنه يبرز بداخله كعمق. وكما يشير فيتجنشتاين في موضع ما: إذا كان هناك ما يسمى بالحياة الأبدية، فلا بد أن تكون هي الحياة الحاضرة الآن. فاللحظة الحالية هي صورة للخلود، وليست تتابعا لانهائيا لمثل هذه اللحظات.
إذن هل غطينا السؤال على نحو حاسم؟ إن من سمات الحداثة أنه نادرا ما تتم تغطية أي سؤال مهم بشكل تام. فالحداثة - كما أشرت من قبل - هي الحقبة التي ندرك فيها أننا عاجزون على الاتفاق حتى على أهم القضايا وأكثرها جوهرية. ولا شك أن مجادلاتنا المستمرة حول معنى الحياة سوف يثبت أنها مثمرة. ولكن في عالم يحيق بنا فيه خطر داهم، فإن إخفاقنا في إيجاد معان مشتركة يعد مصدر تحفيز بقدر ما هو مصدر إزعاج.
هوامش
قراءات إضافية
(1) أرسطو وأخلاق الفضيلة
Unknown page