وأخيرا، أسأل أبا العلاء أن يغتفر لي وقاحتي وتطاولي على سدته السنية؛ لأنه أمرني أن أبتعد ما استطعت عن التقليد حتى في الصلاة:
في كل أمرك تقليد رضيت به
حتى مقالك: ربي واحد أحد
إني أثق برحابة صدر الشيخ، ولكني أخشى غضب من يؤمنون به إيمانا أعمى ويريدون أن ينزهوه ...
إن من يقرأ أبا العلاء ويفكر بما يدعو إليه يظنه دهريا عدميا. ورجل حكيم واع كأبي العلاء لا يصح أن يكون بلا مذهب، ناهيك بأن هذا مستحيل؛ فعلم النفس الحديث يثبت أن لا بد للإنسان من معتقد، بل لا بد له من التفكير في فرض لحل المشكلة العظمى التي تواجهه كل لحظة، فما هو مذهب المعري الذي يبرر ذلك الزهد العنيف؟
لولا هذا الفرض كان صاحبنا مجنونا.
ولماذا يتنسك هذا النسك الأهوج من لا ينتظر حالة خيرا من التي هو فيها؟
لم يعجب أبا العلاء سماع قوله تعالى حين تلاه في حضرته ذلك المقري:
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ، إذن فما عساه يرجو وهو ذلك اللبيب اللبيب، وعلى أي رجاء يموت؟
إن نقل لا رجاء له كما يبدو لبعضهم من تردده وشكه، فلماذا هذا التقشف؟
Unknown page