224

Macarri

أبو العلاء المعري زوبعة الدهور

Genres

سأتبع من يدعو إلى «الخير» جاهدا

وأرحل عنها ما «إمامي» سوى عقلي

والشجاعة عندهم رأس الفضائل؛ فالعاقل يكون شجاعا صادقا متعففا لا يهاب أحدا ولا يخاف غير الخالق. وليس بعاقل من لم يتصف بالحلم وسعة الصدر والترفع عن بذيء الكلام. وهم يتحوبون من ذكر القرد ولا يعتقدون بالجن والشياطين، وقد أشار إلى هذا شاعر العقل كما رأيت . أما الزواج فهم في سنته كما وصى أبو العلاء. ليس للفقير أن يتزوج، وإن تزوج فليقلل من المحروسين ما استطاع، والزواج للنسل فقط. ولا يجمع الفاطمي بين ثنتين، وإذا طلقها فلا تعود. والطلاق من حقوق الاثنين، ولا يكون إلا لعلة عظيمة، وإن طلقها ظالما فلها نصف ما يملك حتى الذي على جلده. ومن يتعفف يكن من الملائكة المقربين. أما ملائكتهم فغير مجنحة، وثالوثهم مؤلف من العقل والنفس والكلمة.

إن للعقال الفاطميين خطة ضيقة جدا، وما خطة هؤلاء إلا خطة المعري نفسها: انزواء وانفراد وترويض للنفس، وتذليل لها بالتقشف والحرمان من الملذات، حتى روى لي منهم شيخ موقر أن أحدهم عاش مع زوجته أربعين سنة كان يعاملها في أثنائها كأخت، ولا يكون هذا إلا بعد التراضي؛ فالنساء في المذهب الفاطمي كالرجال سواء بسواء، وتعففهم ونسكهم وزهدهم عملا بالآية: «ادخلوا من الباب الضيق.»

إن المذهب يجيز هذا الزهد للإخوان؛ فللعاقل أن يختار أسلوبا معينا لحياته، بشرط ألا يتنافى مع المبدأ العام، وهو ألا يقاطع حيث يقتضي أن يواصل؛ فحفظ الإخوان واجب، وللأخ على أخيه حق بكل ما هو حلال. وتنحصر صفات العاقل عندهم في عفة اليد والقلب واللسان.

وللعلم عندهم أجل شأن؛ فهم يتبرءون من الجهال؛ فكأنهم يعملون بالكلمة اليونانية: «اطلب المعرفة لأجل المعرفة وهي تجلب لك السعادة.»

إن كل «أسرار» أبي العلاء التي قال إنه «يستر دونها ويجمجم» هي هنا. و«السر» محتوم به على الإخوان الفاطميين الموحدين؛ فهم كما قال الشاعر في العشاق، وأظنه السهروردي: «بالسر» إن باحوا تباح دماؤهم

وكذا دماء البائحين تباح

ما شبهت بعض دارسي أبي العلاء إلا بالجرذان التي في قبو الخمر عندي. يقرطون الفلين والشمع الأحمر، ومتى هرقت الخمرة المعتقة هربوا مولين الأدبار ...

بعد أربعمائة سنة

Unknown page