قشتالة.
لا نحاول أن نحيط ما أصاب ألفنس من الحزن الأليم عندما انتهى إليه نبأ أقليش، فحسبنا أن نتصور هذا الملك الشيخ يجر وراءه أمجاد ثلاث وأربعين سنة استوى فيها على العرش، فإذا هو يمنى آخر حياته بكارثة لم تقتصر على انكسار جيشه واستسلام قلعته، بل جاوزت ذلك إلى الفجيعة بابنه الوحيد، بقية أمله، ووارث عرشه.
وتقول الرواية الإسبانية: إن شانجه لم يكن ولدا شرعيا؛ فقد رزقه ألفنس من حظيته ابنة المعتمد بن عباد،
1
وكان يحبه كثيرا لما بدا من نجابته على حداثة السن، فخالف فيه القانون المرعي وجعله ولي عهده، ومحط رجائه، فماذا يكون مصير تلك المملكة العظيمة إذا تركها ولا وارث من صلبه يجمع أجزاءها، وهو لا يأمل أن يرزق ولدا بعد أن بلغ من العمر عتيا؟
وقعت هذه الهموم ثقيلة على عاتق الشيخ الفاني، فكاد يهوي تحتها لولا بقية حزم لم تنل منها عاديات السنين، فرأى أن لا سبيل إلى بقاء العرش في سلالته إلا بنقل ولاية العهد إلى ابنته أوراكا، وكانت فتاة ذكية كثيرة المطامع، تزوجت في العاشرة من عمرها بالكونت ريمون البورغوني، ثم توفي بعلها بعدما رزقت منه غلاما سمته ألفنس باسم أبيها، غير أن الملك الشيخ خشي ألا تستطيع ابنته حماية المملكة وحدها؛ فآثر أن يزوجها ملكا قويا من أنسبائه، فوقع اختياره على ملك أرغون حفيد عمه راميرو.
وكان بدرو قد توفي سنة 1105م وخلفه أخوه ألفنس الأول، ذاك الذي لقب بالمحارب؛ لبسالته وغاراته المتلاحقة على ثغور المسلمين، ولم يغب عن والد أوراكا ما يتعلق بهذا الزواج من الخير لإسبانية؛ إذ تصبح مملكة قشتالة ولاون وجليقية وأشتوريش ومملكة أرغون والبشكنس دولة واحدة، فدعا مجلس النواب (Cortés)
فانعقد في لاون؛ حيث اجتمع الأساقفة والقوامس وحكام الولايات ورجال الدين والأشراف والفرسان وممثلو الطبقة الوسطى، فقرروا أن تكون أوراكا وارثة مملكة قشتالة ولاون وأشتوريش، وإن تزوجت بألفنس الأول ملك أرغون، حتى إذا لم ترزق منه ولدا عادت المملكة بأجمعها إلى ابنها ألفنس البورغوني، وأعطي هذا عرش جليقية على أن يكون تابعا لقشتالة.
وتوفي ألفنس السادس سنة 1109م بعد أن اطمأنت نفسه إلى نظام ولاية العهد، وأمن على عرشه من الانهيار، وما خطر له أن زواج ابنته بنسيبها ملك أرغون سيدفع البلاد إلى فتنة حمراء؛ ذلك أن كلا الزوجين رضي الآخر بدافع المنفعة الشخصية لا بدافع الحب المتبادل، وأن كليهما كان يريد أن يستأثر بالسلطة دون رفيقه، وفي نفسه من الطماح والصلابة ما يأبى عليه أن يلين أو يتنازل عن شيء من حقوقه، حتى بلغ التنازع بينهما إلى النفور فالتباغض، ثم إلى مجاهرة الخلاف والقطعية؛ فطلبت أوراكا الطلاق متذرعة بموانع القربى، وراحت في الوقت نفسه تبسط يدها للعشاق مستنصرة بهم، مثيرة غيرة بعلها؛ لتحمله على قبول الطلاق.
واشتهرت روايتها الغرامية فباتت سمرا للناس، ولا سيما صلتها بالكونت غومز، وكان ألفنس يتألم في كبريائه من سلوك زوجته ويزداد سخطا عليها، غير أنه رأى من الحكمة أن يرفض تطليقها؛ حفاظاعلى حقوقه في مملكة قشتالة، وأن يعمد إلى تدبير جازم يضع حدا لنفوذها وتهتكها، فأمر باعتقالها بعد أن جعل حصون طليطلة في حراسة جنوده الأرغونيين.
Unknown page