فأمر شيمانة بالجلاء عنها فأطاعت مكرهة، وعادت برجالها مع الجيش إلى قشتالة، حاملة رفات زوجها رذريق (أيار سنة 1102م)، بعدما انتهبت بلنسية وأحرقت، فدخلها مزدلي وهي على تلك الحال.
وبموت السيد تطوى صفحة جليلة من تاريخ الأندلس العربية؛ فإن ولايتها أصبحت خاضعة لمراكش، تابعة ليوسف بن تاشفين الزعيم المرابطي، بعد نضال طويل اشترك فيه أمراؤها وأمراء إسبانية المسيحية، ليطردوا الغريب من بلادهم؛ فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا.
يوم سرقسطة
ما كان طبيعيا أن تظل سرقسطة إمارة إسلامية مع تطرفها في الشمال الشرقي على نهر إبره (Ebre) ، وقد سقطت قبلها طليطلة في أيدي الإسبانيين؛ فجعلت نهر التاج فاصلا بينها وبين الولايات الأندلسية المسلمة، حتى أصبحت في شبه عزلة عن أبناء جلدتها، تستنجد في ضنكها ملوك الطوائف وتستنفر أمير المرابطين.
وقد أخذها ألفنس السادس بالحصار أخذا شديدا، فما رده عنها إلا نبأ جاءه عن يوسف بن تاشفين وأمراء الأندلس بأنهم زاحفون إليه في جموع جرارة، فبادر نحوهم قبل أن يبلغوا طليطلة، والتقاهم في بطليوس؛ حيث دارت عليه معركة الزلاقة بشؤم الطالع 1089م، فانكفأ منهزما إلى عاصمته في فلول من جيشه المكسور، فاستطاعت سرقسطة عندئذ أن تتنفس الصعداء، وتستعيد سلطانها على الولايات التي انتزعت من يدها، ولم يكن لها قبل بالدفاع عنها.
ولكن لم يطل الأمر حتى ساورها خطر جديد من ناحية أرغون لا يقل هولا عن الخطر الأول؛ فإن أميرها شانجه بن رذمير (Sancho Ramiro) ، أغار من جبال البرنات (Pyrénées)
بعشرين ألف مقاتل على نهر إبره، فتصدى له المستعين بن هود، صاحب سرقسطة يدافعه بظاهر وشقة (Huesca) ، وقيل: إن السيد رذريق الفارس القشتالي حارب مع المسلمين في هذه الموقعة، وكان يومئذ ضيف المستعين بعد أن نفاه ألفنس السادس من قشتالة.
إلا أن النصر حالف الأرغونيين فانهزم أمير سرقسطة في جيشه ودخل وشقة محتميا بقلعتها الحصينة؛ فضرب المسيحيون حولها آلات الحصار، وشدوا عليها الخناق ليكرهوها على الاستسلام ؛ فصبرت باسلة، ودافعت أنبل دفاع؛ لقي منه الأرغونيون ضيما وخسرانا، وأصيب فيه شانجه بسهم قاتل أودى بحياته 1093م، ومع ذلك فالحصار ما برح على شدته وضغطه، وتمكن الغزاة في الوقت نفسه من افتتاح مدينة إفراغة (Fraga)
والتغلب عليها ، فلم يبق من سبيل للمستعين إلا أن يفزع إلى حليف يناصره، وينفس الكرب عنه، فرأى أن يحالف عدوه ألفنس السادس؛ لما يعلم من تفسخ الأمراء المسيحيين، ثم من استياء صاحب قشتالة لتوسع مملكة أرغون.
وقد تعودت سرقسطة - لتطرف إمارتها - أن تؤدي الجزية لملوك قشتالة، وتحالفهم على الأعداء الذين يهددونها من قطلونية وأرغون والبشكنس (Basque) ؛ فقد رأينا السيد رذريق يلجأ إليها؛ لأن أميرها أبا جعفر المقتدر، ومن بعده ابنه المؤتمن والد المستعين كانا حليفين لفردينان الأول، ثم لولده ألفنس السادس؛ فغير عجيب أن يحذو الابن حذو أبيه وجده فيحتمي بعاهل قشتالة في الملم العصيب.
Unknown page