17
كنا، أمي وأختي وأنا، قد أقمنا في باريس.
18
وكنا نلتقي. وكان ثمة غرفة شاغرة في بيتنا، وكان يبدو مهملا، ضائعا برغم حضور أخ له لم يكن للأسف معينا، وإنما كان مصدر هم متواصل بحيث إن أمي اقترحت عليه المجيء للسكن عندنا. وقبل، ولكن بعد كثير من التردد؛ لأنه وهو الذي لا يوقفه شيء عند اتخاذه القرارات الهامة، كان شديد الخجل في الحياة اليومية. لم يقبل إطلاقا أن يتناول وجباته معنا.
19
كان ثمة قارئة تأتيه بانتظام، وكانت هناك سيدة أكبر في العمر تصحبه إلى السوربون. لكني شيئا فشيئا أخذت أتدخل في ذلك وأصحبه أنا الأخرى إلى الجامعة من وقت إلى آخر حتى بت أصحبه غالبا. وكنت أقرأ له عندما يكون وحيدا. كنا نتحدث بكثرة، وكان يحقق تقدما عظيما في اللغة الفرنسية.
وذات يوم، يقول لي: «اغفري لي، لا بد من أن أقول لك ذلك؛ فأنا أحبك.» وصرخت، وقد أذهلتني المفاجأة، بفظاظة: «ولكني لا أحبك!» كنت أعني الحب بين الرجل والمرأة ولا شك. فقال بحزن: «آه، إنني أعرف ذلك جيدا، وأعرف جيدا كذلك أنه مستحيل.»
ويمضي زمن، ثم يأتي يوم آخر أقول فيه لأهلي إنني أريد الزواج من هذا الشاب. وكان ما كنت أنتظره من رد الفعل: «كيف؟! من أجنبي؟! وأعمى؟! وفوق ذلك كله مسلم؟! لا شك أنك جننت تماما!»
ربما كان الأمر جنونا، لكني كنت قد اخترت حياة رائعة. اخترت! من يدري؟ لقد قالت لي صديقة عزيزة ذات يوم: «لقد كان عليك أن تضطلعي بهذه الرسالة.» وصديقة أخرى تقول لي منذ زمن ليس ببعيد: «أتذكرين يا ماري؟ لقد ملئت حياتك إلى أقصى حد.» نعم؛ لقد ملئت حياتي إلى أقصى حد. كان قد قال لي: «لعل ما بيننا يفوق الحب.» فيما يتعلق بي، كان هناك هذا الشيء الرائع: الفخر، واليقين من أنه ليس ثمة ما يدعو للخجل، ومن أنه ليس هناك على الإطلاق أية فكرة مريبة أو بشعة أو منحطة يمكن أن تأتي لتحقر أو لتثلم الكائن الذي أقاسمه حياته. آه! لم يكن دوما هادئ الطبع - على العكس من ذلك - لكن هذا أمر آخر.
وكان لا بد من النضال بالطبع بسبب ذلك القرار. وجاءني أكبر عون من عم لي كنت أكن له إعجابا عظيما؛ وكان هذا العم قسا.
Unknown page