147

وعدنا بطريق البحر.

أود أن يتعلم كل الأطفال في المدارس اليونانية عدة صفحات عن حياتك ... إنه أجمل الدروس ...

كنت أذكر هذه الكلمات التي قالها أحد أعضاء الحكومة اليونانية، حين كانت باخرة «الإدنا

Adna » تبتعد، وحين كانت لا تزال تغمرنا حرارة الود والفهم الصامت والحنين الآسف لوداعنا بلدا جميلا ورجالا حقيقيين.

لم يكن طه يستريح إلا في «القناطر»، عندما كان بوسعنا قضاء يوم في أحد بيوت الاستراحة، وقد حملت إلى هذا البيت ذات مساء هدية عيد ميلادي، وكانت عبارة عن تسجيل لقداس من مقام سي لباخ؛ كنا نستمع إليه ليلا والنوافذ مفتوحة المصاريع، وكان النوتيون يدهشون دون شك من هذه الموسيقى الغريبة، على أني أذكر أنه لدى إجراء تحقيق مع الناس الذين يجهلون الموسيقى الغربية، لوحظ وجود جاذبية واضحة غير متوقعة لموسيقى باخ في نفوسهم.

وهناك تحقيق آخر أجري هذه المرة في القرى التي كان طه يفكر تزويدها بجهاز راديو ليستخدمه جميع الناس. لم يكن الفلاحون يريدون ذلك، فقد كانوا يقولون: «لا حاجة بنا إلى هذا، فعندما نعود من العمل نريد أن نأكل وننام.»

لقد تغيرت الأمور الآن إلى حد كبير؛ فأجهزة الراديو في كل مكان، وسترتفع احتجاجات جميلة لو تم إلغاؤها!

عندما توجب علينا - خلال السنة الأولى من عمل طه كوزير - المجيء إلى الإسكندرية حيث تنتقل الحكومة كل صيف، استأجرنا دارة صغيرة في بولكلي. كان صهري قد أوفد إلى واشنطن كملحق ثقافي، وقبل أن تلحق به ابنتي أمضت بعض الوقت بيننا بصحبة طفليها، إذ كان قد ولد لهما بنت صغيرة قبيل فترة، وعندما جاء طه لرؤيتها في مستشفى كوتسيكا بالإسكندرية، كان الأطفال في الغرف المجاورة يحدثون ضجيجا كبيرا بصراخهم، في حين كانت هذه الطفلة ساكتة؛ فصرخ طه غاضبا بسخرية: «إنها لا تبكي! ماذا يقول الناس عنا!»

كان هناك في الدارة أيضا مؤنس الذي وصل من باريس مع رفيقه وصديقه هنري بوييه. كان هنري يأتي كل يوم، وكان الشابان يسليان الطفلة الرضيعة بمنتهى اللطف، وخلال نزهة قمنا بها إلى رشيد، كان هنري شديد الانتباه على وجه الخصوص لهذه الطفلة الصغيرة، ولابتسامتها، ولغمازتيها.

كان طه مولعا بها، وكان يزعم أنها لم تكن تبكي قط عندما تكون بين ذراعيه (بعد أن تعلمت البكاء!)

Unknown page