108

بكل الود والاحترام اللذين كنت دوما أكنهما له.

ما إن تركنا البيت الذي سكناه في شارع البارودي حتى أصبح ملحقا بمعهد الفنون الجميلة. إن المعهد القديم الذي أعيد بناؤه هو الآن بناء حديث وجميل. ولا أدري أين أقيم «المرسم الحر»، الذي حلم به طه ثم حققه في عام 1943؛ ليتيح للفنانين الشبان الذين لا يحملون الشهادات إمكانية العمل واكتشاف طريقهم.

وهناك الآن في البيت الصغير المجاور للمعهد الجميل شبان وفتيات يحدثون ضوضاء هائلة في الغرف التي عمل فيها طه كثيرا. ذلك والحق لا يزعجني، بل على العكس من ذلك.

في اليوم الذي ذهبت فيه بصحبة أمينة (في نوفمبر 1973) للمرة الأولى إلى القبر الذي لم يكن بوسعنا الذهاب إليه يوم المأتم،

184

أثار انتباهي أمر لم أكن أتوقعه؛ ففي نهاية طريقنا تقريبا، وفي قلب منطقة مقابر «البساتين»، أثارتنا ضجة فرحة وصاخبة. كانت تلك ضجة وصخب التلاميذ الذين كانوا يمرحون في استراحة ما بين الدروس؛ فقد أقيمت هناك مدرسة حديثة، ودمعت عيناي، لكني ابتسمت على وجه التأكيد؛ فلا بد أن ذلك كان سيجعل طه مسرورا.

كانت لنا أيضا إجازات مريحة قبل مأساة الحرب. ففي «السافوا العليا

Haute-Savoie » كانت العلاقات الودية التي كنا نرتبط بها أحيانا في الفندق الذي ننزل فيه قد أصبحت صداقة وطيدة مع أسرة «بونو

Bonneau »؛ إذ كنا نلتقي بدانييل في كل مرة نستطيع فيها ذلك. كان والدها مديرا لمناجم

Hénin-Liétard ، وقد قضينا عدة أيام عندهم. كان شمال فرنسا مجهولا مني كليا، وللمرة الأولى والوحيدة أنزل إلى أعماق منجم عميق، وكانت السيدة بونو قد قالت لي: «إننا ننظر للفحم بطريقة مختلفة بعد أن ننزل إلى أعماق المنجم الذي يستخرج منه!» والحق أن عمال المناجم كانوا هم أيضا ينظرون له نظرة مختلفة.

Unknown page