ثَعْلَب فأسرعت الْقيام قبل انْقِضَاء الْمجْلس فَقَالَ لي إِلَى أَيْن مَا أَرَاك تصبر عَن مجْلِس الْخُلْدِيِّ يَعْنِي الْمبرد فَقلت لَهُ لي حَاجَة فَقَالَ لي إِنِّي أرَاهُ يقدم البحتري على أبي تَمام فَإِذا أَتَيْته فَقل لَهُ مَا معنى قَول أبي تَمام
(أآلِفةَ النَّحيبْ كم افْتراقٍ ... أظلَّ فكانَ دَاعِيَة اجْتِمَاع) // الوافر //
قَالَ أَبُو الْحسن فَلَمَّا صرت إِلَى أبي الْعَبَّاس الْمبرد سَأَلته عَنهُ فَقَالَ معنى هَذَا أَن المتحابين والمتعاشقين قد يتصارمان ويتهاجران دلالًا لَا عزمًا على القطيعة فَإِذا حَان الرحيل وأحسا بالفراق تراجعا إِلَى الوداد وتلاقيا خوف الْفِرَاق وَأَن يطول الْعَهْد بالالتقاء بعده فَيكون الْفِرَاق حِينَئِذٍ سَببا للاجتماع كَمَا قَالَ الآخر
(مُتِّعا بالفِراقِ يَومَ الفراقِ ... مُستجيرَيْنِ بالبُكا والعناقِ)
(وأَظَلَّ الفِراقُ فَالْتَقَيَا فِيهِ ... فِراقٌ أتاهُمَا باتَّفاقِ)
(كَيفَ أَدْعُو على الفراقِ بحَتْفٍ ... وَغدَاةً الفِراق كَانَ التلاقي) // الْخَفِيف //
قَالَ فَلَمَّا عدت إِلَى مجْلِس ثَعْلَب سَأَلَني عَنهُ فَأَعَدْت عَلَيْهِ الْجَواب والأبيات فَقَالَ مَا أَشد تمويهه مَا صنع شَيْئا إِنَّمَا معنى الْبَيْت أَن الْإِنْسَان قد يُفَارق محبوبه رَجَاء أَن يغنم فِي سَفَره فَيَعُود إِلَى محبوبه مستغنيًا عَن التَّصَرُّف فَيطول اجتماعه مَعَه أَلا ترَاهُ يَقُول فِي الْبَيْت الثَّانِي
(ولَيستْ فَرحةُ الأوْباتِ إلاَّ ... لِمَوقوفٍ عَلى تَرح الوَدَاعِ)
وَهَذَا نَظِير قَول الآخر بل مِنْهُ أَخذ أَبُو تَمام
(سَأْطلبُ بُعدَ الدَّار عَنْكُم لتقربوا ... وتسكب عَيْنَايَ الدُّمُوع لِتجمُدَا)
هَذَا ذَاك بِعَيْنِه
وَذكرت بِمَا تقدم آنِفا من أَن عَادَة الزَّمَان الْإِتْيَان بضد المُرَاد أَي وَإِن كَانَ على وفْق الْإِرَادَة الإلهية قَول الباخرزي
(ولَطالمَا اخترتُ الفراقَ مُغالِطًا ... واحتْلتُ فِي اسثمار غَرسِ ودادي)
1 / 53