أَن يكني عَمَّا يُوجِبهُ دوَام التلاقي من السرُور بالجمود لظَنّه أَن الجمود هُوَ خلو الْعين من الْبكاء مُطلقًا من غير اعْتِبَار شَيْء آخر وَأَخْطَأ فِي مُرَاده إِذْ الجمود هُوَ خلو الْعين من الْبكاء حَالَة إِرَادَة الْبكاء مِنْهَا كَقَوْل أبي عَطاء يرثي ابْن هُبَيْرَة
(أَلاَ إنَّ عَيْنًا لم تَجُدْ يَومَ وَاسِطٍ ... عَلَيْكَ بِجَارِي دمعها لجمود) // الطَّوِيل //
وَقَول كثير عزة
(وَلم أدْرِ أنَّ العَيْنَ قَبْلَ فِرَاقِهَا ... غَدَاة الشبا مِنْ لاّعِجِ الوَجْدِ تَجْمُدُ) // الطَّوِيل // فَلَا يكون الجمود كِنَايَة عَن السرُور بل عَن الْبُخْل فَيكون الِانْتِقَال من جمود الْعين إِلَى بخلها بالدموع لَا إِلَى مَا قَصده من السرُور وَلَو كَانَ فِي الجمود صلاحيةٌ لِأَن يُرَاد بِهِ عدم الْبكاء حَال المسرة لجَاز أَن يُقَال فِي الدُّعَاء لَا زَالَت عَيْنك جامدة كَمَا يُقَال لَا أبكى الله عَيْنك وَهَذَا غير مَشْكُوك فِي بُطْلَانه وَعَلِيهِ قَول أهل اللُّغَة سنةٌ جماد أَي لَا مطر فِيهَا وناقة جماد أَي لَا لبن فِيهَا
وَقد فسر الْمبرد فِي الْكَامِل هَذَا الْبَيْت بِغَيْر هَذَا فَقَالَ هَذَا رجل فَقير يبعد عَن أهل ويسافر ليحصل مَا يُوجب لَهُم الْقرب وتسكب عَيناهُ الدُّمُوع فِي بعده عَنْهُم لتجمدا عِنْد وُصُوله إِلَيْهِم وَأنْشد
(تقَولُ سُلَيْمى لَو أقمتَ بِأرضنا ... وَلم تَدْرِ أَنِّي للِمُقَامِ أَطُوف) // الطَّوِيل //
وَمِنْه قَول الرّبيع بن خَيْثَم وَقد صلى طول ليلته حَتَّى أصبح وَقَالَ لَهُ رجل أَتعبت نَفسك فَقَالَ راحتها أطلب وَمثله قَول روح بن حَاتِم بن قبيصَة ابْن الْمُهلب وَنظر إِلَيْهِ رجل وَاقِفًا بِبَاب الْمَنْصُور فِي الشَّمْس فَقَالَ لَهُ الرجل قد طَال وقوفك فِي الشَّمْس فَقَالَ روح ليطول قعودي فِي الظل
وَقَالَ الزّجاج فِي أَمَالِيهِ أخبرنَا أَبُو الْحسن الْأَخْفَش قَالَ كنت يَوْمًا يحضرة
1 / 52