Macahid Misriyya
المعاهد المصرية في بيت المقدس
Genres
ومنها الرباط المنصوري، الذي أنشأه الملك المنصور قلاوون الصالحي، سنة (681ه/1282م)، وأوقفه على الفقراء وزوار القدس. وكانت هذه الربط أو الأربطة تقوم بخدمة أولئك الزوار وتزودهم بالطعام، وتغذي أجسادهم وأرواحهم، فكانوا ينقلبون جنودا محاربين إذا ما دعا داعي الجهاد، بل كان فيها عنصر ترفيه؛ إذ كان الجنود المتطوعون يأوون إليها بعد أن يعودوا من ساحة القتال، ومنها الرباط الكردي الذي أوقفه المقر السيفي كرد، صاحب الديار المصرية، سنة (693ه/1293م).
ومنها المدرسة الدويدارية - دار الصالحين - أوقفها الأمير المجاهد علم الدين أبو موسى سنجر الدويدار الصالحي سنة (696ه/1296م)، وجعلها للعرب والعجم من المتصوفة. ومنها المدرسة السلامية التي أوقفها الخواجا مجد الدين السلامي من كبار التجار في عهد الناصر بن قلاوون بعد السبعمائة للهجرة 1300م، ومنها التربة الجالقية المنسوبة لركن الدين العجمي المعروف بالجالق سنة (707ه/1307م).
ومنها المدرسة الكريمية التي أنشأها كريم الدين، ناظر الخواص السلطانية الناصرية، وقد ذكرها ابن بطوطة في رحلته سنة (725ه/1324م)، واجتمع بشيخها، وهو يعدها خانقاه - أي رباطا - وواقفها كريم الدين هذا كان قبطيا فأسلم، وكان وقفها سنة (718ه/1318م).
ومنها المدرسة التنكزية، والخانقاه التنكزية؛ نسبة إلى الأمير سيف الدين أبو سعيد تنكز، نائب السلطنة المصرية بالشام، وذلك سنة (729ه/1328م)، وهو من كبار الرجال العمرانيين ممن ندر أمثالهم؛ فقد عمر في دمشق دارا للقرآن، وكانت له دار تعرف ب «دار الذهب»، وقد أنشأ في القدس مدرسة ورباطا، وعمر سور القدس، وساق الماء إليها، وأدخله الحرم الشريف، وعمر فيها حمامين، وبنى في صفد بيمارستانا، وله خان جلجوليا، وعمر خان المنية على بحيرة طبريا، وكان المسافرون من دمشق ينزلون فيه في طريقهم إلى بيت المقدس، ووسع الطرقات وعمر القنوات بدمشق، وبالجملة فهو من مفاخر الإسلام.
ومن المعاهد المصرية الأخرى الخانقاه الفخرية، عمرها فخر الدين بن فضل الله المتوفى سنة (732ه/1331م)، وكان ناظرا للجيوش المصرية، أصله قبطي فأسلم، والخانقاه هي زاوية أبو السعود الخلوتي الآن.
ويضيق بنا المقام عن تعداد جميع المعاهد الأخرى، فنكتفي بذكر أسماء أشهرها مع أسماء واقفيها؛ فمنها المدرسة الجاولية، لواقفها الأمير علم الدين سنجر الجاولي، نائب غزة، والمتوفى سنة (745ه/1344م).
ومنها المدرسة الفارسية، أنشأها الأمير فارس البكي نائب السلطنة المصرية بالأعمال الساحلية، ومن أوقافها قرية طور كرم - هي مدينة طولكرم الآن - وتاريخ وقفها سنة (755ه/1354م). والمدرسة المنجكية، وهي خانقاه ومدرسة، لواقفها الأمير منجك نائب الشام سنة (762ه/1360م). والمدرسة والزاوية اللؤلؤية في أواخر القرن الثامن. والمدرسة البرقوقية، ونرجح أنها للظاهر برقوق (القرن الثامن). والمدرسة الجهاركسية، وهي للأمير جهاركس أمير آخور الملك الظاهر (791ه/1388م). والمدرسة الطولونية؛ نسبة إلى شهاب الدين الطولوني الناصري، أنشئت قبل الثمانماية؛ أي (1397م). والمدرسة الباسطية؛ نسبة إلى زين الدين عبد الباسط ناظر الجيوش سنة (834ه/1430م). والمدرسة الغادرية؛ نسبة إلى الأمير ناصر الدين دلغادر، عمرتها زوجته مصر خاتون (836ه/1432م). والمدرسة الحسنية؛ نسبة إلى الأمير حسن الكشكيلي ناظر الحرمين ونائب السلطنة سنة (837ه/1433م). والمدرسة المزهرية، أنشأها أبو بكر بن مزهر صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية (885ه/1480م). إلى غير ذلك مما يضيق المقام عن ذكره.
ولعل من أفخم وأجمل الآثار والمعاهد، المدرسة السلطانية الأشرفية، التي عمرت سنة (885ه/1480م)، والتي بنيت في بادئ الأمر للملك خشقدم، ثم لما توفي سئل الملك الأشرف قايتباي في قبولها فقبلها، ولكنها لم تعجبه لما رآها، فأمر بإعادة بنائها من جديد وجلب لها المهندسين والمعمارين والرخامين من مصر، وكان المهندس المشرف على بنائها قبطيا نصرانيا. ويقول مجير الدين: كان الناس يقولون قديما مسجد بيت المقدس به جوهرتان: قبة الجامع الأقصى، وقبة الصخرة الشريفة، وإن هذه المدرسة صارت جوهرة ثالثة في حسن المنظر ولطف الهيئة، وظلت هذه المدرس عامرة حتى القرن الثاني عشر للهجرة، فقد ذكرها الرحالة عبد الغني النابلسي ونزل فيها (1101ه). كما ذكرها الرحالة الشيخ مصطفى أسعد اللقيمي الدمياطي، ودرس فيها عند زيارته بيت المقدس (1143ه)، ثم هدمت بفعل الزلازل والإهمال، فسبحان مغير الأحوال! ولا تزال تتبين عظم بنائها وإتقانه إذا وقفت في صحن الصخرة ونظرت إلى الغرب؛ فهي تقع بين بابي السلسلة والقطانين، وهي آخر مدرسة عمرت في بيت المقدس في عهد المماليك قبل الفتح العثماني سنة 922ه. هذا ما يتسع له المقام، وقد نعود إلى الحديث عنها في فرصة أخرى.
ولما جاء العهد العثماني سنة (922ه/1516م) أخذت هذه المدارس تضعف وتتلاشى، وكان بعضها قد اندثر في زمن المماليك، وأصبح بيوتا استولت عليها بعض عائلات القدس، أو الأوقاف الإسلامية، ومع أنها بطلت أن تكون معاهد علمية، إلا أنها لا تزال آثارا ناطقة فنية يجدر الاعتناء بها وإصلاحها، وإعادتها إلى حالتها الأولى.
بقي علينا أن نأتي على ما قام به المغفور له القائد العظيم إبراهيم باشا، الذي استولى على فلسطين بين (1246ه-1256ه/1830م-1840م)، ولسنا نعرض في هذا البحث إلى فتحه البلاد، وما قام به من الإصلاح الإداري، وكيف وطد الأمن ونشر العدل؛ فهذا مما أصبح البحث فيه من قبيل تحصيل الحاصل؛ إذ ما زلنا نسمع من شيوخنا عن آبائهم القصص والحوادث التي تدل على عبقرية هذا المصلح الكبير، الذي يرجع إليه وإلى والده الفضل قبل كل أحد في إيقاظ النهضة الحديثة في بلدان الشرق الإسلامية خاصة.
Unknown page