ثم استندت إلى الباب خوفا أن تسقط على الأرض من الدوار الذي ألم بها.
فقال عمرو: سأعود إليك في الصباح بعد أن أضمد جراحي.
وسار يجر فرسه وهو يعرج حتى بعد قليلا عن الباب، ثم تحامل فركب وغاب عنها في الظلام تحت المطر المنهمر.
وقضت زينب ليلة ساهرة بين الصلاة شكرا لله على نجاة زوجها وبين الحيرة في أمر أسره. فماذا تستطيع أن تفعل حتى تفك أسره؟ وماذا يقول أبوها إذا هي أرسلت إليه تسأله أن يمن عليه بالحرية؟ بماذا تستطيع أن تعتذر عنه لأبيها وقد ذهب إليه مع الأعداء ليحاربه؟ وهل حقا رضي أبو العاصي أن يجرد سيفه لحرب أبيها وهو يقول إنه أكرم من عرف؟ وأخذت تسائل نفسها كيف تستطيع أن تفتدي زوجها وهي لا تملك من الأموال شيئا. فالتجارة مع أبي سفيان، وهي لا تدري هل وقعت في أيدي المسلمين غنيمة أم استطاع ذلك الداهية أن ينجو بها. وما زالت تعيد في ذهنها مئات من الأسئلة التي لم تستطع أن تهدأ عنها مع كل الصلوات التي كانت تحاول أن تهدئ بها مخاوفها .
وطلع الصباح آخر الأمر، وهدأت ثورة السماء، وصفا الجو، ولمعت الشمس في الأفق، وكانت طرق مكة زاخرة بالجموع المتزاحمة التي لا حديث لها إلا عن الهزيمة الشنيعة التي أصابت القوم. وكان المنهزمون يعودون أفرادا وفي جماعات صغيرة ويسرعون إلى بيوتهم ليداروا وجوههم عن الأبصار وليضمدوا الجراح التي أصابتهم في المعركة الدامية. وبدأت الأصوات تتعالى من أركان المدينة بالنواح على القتلى من أبطال قريش وسادتها. وجاء عمرو بن الربيع يطرق باب زينب زوجة أخيه، وكانت زينب تنتظر قدومه في قلق، فما رأته حتى بادرته قائلة: كيف السبيل إلى خلاص أبي العاصي؟
فنظر إليها عمرو صامتا ولم يحر جوابا.
فقالت زينب: متى تعود القافلة بالتجارة؟
فقال عمرو وقد فطن إلى قصدها: وماذا تفيدنا القافلة أو التجارة؟ لقد وهبها أهل المدينة للاستعداد لمعركة جديدة. قد تعاهد الجميع على أن ينزلوا عن أموالهم في تلك التجارة ليستعدوا للانتقام من محمد وأصحابه.
فوجمت زينب وخاب أملها في تخليص صاحبها، وبقيت لحظة صامتة، ثم رفعت يدها تلمس جانب صدرها، تلمس العقد الثمين الذي وهبته لها أمها.
ووقفت تفكر حينا وتسأل نفسها: ماذا تستطيع في تخليص زوجها؟ أيليق بها أن تتخلى عن عقدها الثمين ليكون فداء له؟ لقد أهدته الأم النبيلة إليها ليكون رباطا بينها وبين زوجها، وها هي ذي تحتاج إلى فداء ليعيد إليها زوجها. أليست هذه مكرمة من مكرمات الأم بعد موتها؟ ونظرت إلى عمرو بن الربيع فقالت له: كم يساوي هذا العقد يا عمرو؟
Unknown page