39

فلفظ حجر قطعة من المرار كان يلوكها، وقال كأنه ينفث سما: نعم، ما أنا إلا بعير أكل المرار. امض يا سدوس، امض في قصتك وأتم لي حديثها.

فاستأنف سدوس ولا يزال في خشوعه: ثم قالت له: «لقد عرفته أحزم رجل نائما ومستيقظا. إن كان لتنام عيناه وبعض أعضائه مستيقظ. ولقد رأيته ذات ليلة نائما وأنا أنظر إليه، فإذا أفعى تقبل عليه، فلما بلغت رأسه نحاه عنها، فمالت إلى يده فقبضها، فمالت إلى رجله فحركها، فذهبت الأفعى إلى عس لبن كان إلى جانبه فشربت منه، فقلت يستيقظ فيشربه فيموت ...»

فصاح حجر كأن الأفعى قد عضته وقال: أمسك أمسك يا سدوس، هذه آية لا يدخل إليها الريب في صدقك. نعم، إني لأذكر ذلك وأعرفه. لقد صحوت من نومي فرفعت العس لأشرب منه فوجدت فيه ريح الأفعى، وسألتها عنها فأنكرت أن ثمة أفعى. لقد رأتها الشقية تنفث سمها في اللبن وودت لو أني شربته.

ثم اندفع خارجا من الخيمة كأن خبلا أصابه، وصاح في أتباعه يستنفرهم للقتال ... •••

وانتهى القتال إلى غايته، وهزم حجر جيوش زياد، وعاد بعدوه وامرأته الخائنة أسيرين، وكان أول همه أن يرى هندا في الخباء. •••

ودخل عليها فقامت إليه تستقبله، وكأنها لم تر بريق عينيه ولا تقلص شفتيه، وكأنها لم تسمع فحيح أنفاسه الملتهبة ولا دقات قلبه الحانق. ومدت نحوه يديها كأنها تريد أن ترتمي بين ذراعيه، فاقترب منها جاهما فوجمت إذ نظرت إلى وجهه، وشخصت ببصرها إليه، وثارت في نفسها كل صور الماضي البعيد والقريب، ولم تستطع أن تنطق حرفا، وترددت ثم أطرقت وردت طرفها عن وجهه هاربة من نظراته الثائرة.

فصاح بها حجر وفي صوته الأجش المخيف تهدج وتقطع: هلمي إلى ذراعي يا هند. ما لي أراك لا تقبلين على زوجك الحبيب؟

فرفعت عينيها إلى وجهه المربد تريد أن تقرأ ما عليه، فلم تجد إلا دما وسما ولهيبا، فعادت إلى إطراقها واضطربت وقالت في ضراعة: هل للأسيرة إلا أن تذكر عارها؟

فاندفع حجر وقد ملكه الغضب، فمد يده إلى كتفها فهزها هزة عنيفة وقال في صيحة مكتومة: هل للأسيرة أن تفتح ذراعيها لمن يأسرها؟ هل للأسيرة أن تقبل من سباها؟ تكلمي يا ابنة ظالم. تكلمي يا دنس الحرائر ...

فرفعت إليه رأسها مبهوتة وقالت صارخة: كذبت أو صدقت الكاذب.

Unknown page