وقال الرواة: إنها أهدت إليه في جملة الأشياء وصفاء ووصائف، فألبست الغلمان لباس الجواري، وألبست الجواري لباس الغلمان، وطلبت منه أن يميز فريقا من فريق، فأمرهم جميعا بأن يغسلوا وجوههم وأيديهم، فكانت الجارية تحفن الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تنقله إلى اليد الأخرى، ثم تنشره على وجهها، وإذا أرادت غسل ساعدها صبت الماء صبا وجعلته على باطن الساعد، أما الغلام فكان يغرف من الإناء بكلتا يديه، ثم يضرب به وجهه، وإذا أراد غسل ساعده حدر الماء تحديرا وجعله على ظهر الساعد.
ولما أقبلت بلقيس على سليمان شاء هو اختبارها أيضا، فأمر ببناء صرح من زجاج نقي البياض، وأجرى تحته الماء وألقى فيه السمك، ثم أقام عرشه في صدر المكان وجلس عليه، فحين همت بلقيس بدخول الصرح خالت نفسها قادمة على ماء، فترددت لتكمش جلبابها الطويل، فتذكرت شيئا وزاد ترددها، ولكنها لم تجد بدا من التشمير وألقت قدمها تخوض اللجة فناداها الملك، إنه صرح ممرد من قوارير، وطافت على شفتيه ابتسامة عابثة، ذلك أنه شهد من ساقيها ما كان يحب أن يشهد فيمنعه جلبابها الطويل.
ولا شك في أن بلقيس أحست ببعض الحنق وأرادت أن تعجز سليمان بسؤال، فسألته عن ماء لم ينفجر من الأرض ولم ينحدر من السماء، فتحير الملك الحكيم، ثم أمر بإجراء جياد حتى تفصد جلدها عرقا فملأ منه قارورة وقال لها: دونك ماء لا من الأرض هو ولا من السماء.
فأقرت له بالحكمة!
وهنا كادت تنقطع القصة بين الملكة السبئية والملك الإسرائيلي لولا أن بريطانيا حاربت الأحباش سنة 1768م فهزمت النجاشي تيودورو، وأخذت في جملة الغنائم نسختين من كتاب قديم هو تاريخ الحبشة، ثم ردت إحدى النسختين إلى النجاشي يوحنا الرابع، واحتفظت بالأخرى في المتحف البريطاني.
وإن في هذا الكتاب، خصوصا، وفي غيره من الكتب القديمة، لغرائب عن بلقيس وسليمان.
فقد جاء أن الملك الحكيم أحبها لما رآها، وكان باب قلبه سهل الانفتاح على النساء، فتزوجها، فحملت الجد الذي ينتسب إليه نجاشيو الأحباش.
حكت بلقيس، أو حكي عن لسانها، أن سليمان أظهر لها الرغبة فيها، ولكنها دافعته ومانعته لأنها رأت كثرة نسائه فعز عليها أن تكون محض واحدة منهن.
فعمد سليمان إلى الحيلة، دعا بعشاء ثقيل، فأكل وأكلت بلقيس، وانصرف القصر ومن فيه إلى النوم، وإذا بالعطش يوقظ الملكة السبئية في سكون الليل، فنهضت تتلمس الماء والقصر خال والخدم في عميق رقادهم، فلم تعثر على ما تبل به حلقها اليابس.
نبهت بعض الجواري، على أنهن جميعا قلن لها ليس في القصر ماء إلا في حجرة الملك.
Unknown page