75

Mabsut

المبسوط

Publisher

مطبعة السعادة

Publisher Location

مصر

قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِقَلِيلِهِ، وَكَثِيرِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَنْوَاعِ، وَاحْتَجَّا بِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ الدَّمِ فَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ فَرْجِهِ فِي الْجَوْفِ فَإِذَا سَالَ بِقُوَّةِ نَفَسِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ كَانَ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ كَالسَّائِلِ مِنْ جُرْحٍ فِي الظَّاهِرِ (وَرَوَى) الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ هَذَا إذَا قَاءَ دَمًا رَقِيقًا فَإِنْ كَانَ شِبْهَ الْعَلَقِ لَمْ يُنْتَقَضْ الْوُضُوءُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقٌ. قَالَ (وَإِنْ خَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ دَمٌ، أَوْ صَدِيدٌ، أَوْ قَيْحٌ فَسَالَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقَضَ الْوُضُوءَ عِنْدَنَا)، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ ﷺ «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ حَدَثٍ، قِيلَ وَمَا الْحَدَثُ؟ قَالَ: صَوْتٌ، أَوْ رِيحٌ»، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَوْضِعِ الْحَدَثِ لَا عَيْنَيْهِ فَدَلَّ أَنَّ الْحَدَثَ مَا يَكُونُ مِنْ السَّبِيلِ الْمُعْتَادِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قَلِيلَ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ لَيْسَ بِحَدَثٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا يَكُونُ حَدَثًا فَالْقَلِيلُ مِنْهُ، وَالْكَثِيرُ سَوَاءٌ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الرِّيحُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الْمَخْرَجَ مَقَامَ الْخَارِجِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْحَدَثِ فَمَا لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا النَّجَاسَةُ جُعِلَ الْخَارِجُ مِنْهُ حَدَثًا، وَنَجِسًا، وَمَا يَخْتَلِفُ الْخَارِجُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ نَجِسٌ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ. (وَلَنَا) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ»، وَقَالَ سَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِي فَقَالَ أَحْدِثْ لِمَا حَدَثَ بِكَ وُضُوءً»، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ، وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَكَانَ حَدَثًا كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْخَارِجِ دُونَ الْمَخْرَجِ حَتَّى الْوَاجِبِ بِاخْتِلَافِ الْخَارِجِ فَخُرُوجُ الْمَنِيِّ يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَخُرُوجُ الْمَذْيِ يُوجِبُ الْوُضُوءُ، وَالْمَخْرَجُ وَاحِدٌ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ الَّذِي لَمْ يَسِلْ؛ لِأَنَّهُ مَا صَارَ خَارِجًا إنَّمَا تَقَشَّرُ عَنْهُ الْجِلْدُ فَظَهَرَ مَا هُوَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، وَفِي السَّبِيلِ، وَإِنْ قَلَّ مَا ظَهَرَ فَقَدْ فَارَقَ مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ الرِّيحُ إذَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلِ، وَمَعَهُ قَلِيلُ شَيْءٍ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ. يُقَرِّرُ مَا قُلْنَا أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِمَعْنًى مِنْ

1 / 76