لأن ما ينفي الاتباع، أخص مما يثبته، وإذا وجد الفارق الأخص والجامع الأعم وكلاهما مؤثر، كان التفريق أولى.
وأما قوله: ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ فليس المراد به أن يجتهد، وافق أو خالف، لأنه إذا خالف لم يتبع فضلا عن أن يكون بإحسان، ولأن مطلق الاجتهاد ليس فيه اتباع لهم، لكن الاتباع لهم اسم يدخل فيه كل من وافقهم في الاعتقاد والقول، فلا بد مع ذلك أن يكون المتبع محسنا بأداء الفرائض واجتناب المحارم، لئلا يقع اغترار بمجرد الموافقة قولا، وأيضا فلا بد أن يحسن المتبع لهم القول فيهم، اشترط الله ذلك لعلمه بأن سيكون أقوام ينالون منهم، وهذا مثل قوله بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ ١ الآية. وأما تخصيص اتباعهم بأصول الدين دون فروعه فلا يصح، لأن الاتباع عام، ولأن من اتبعهم في أصول الدين فقط لو كان متبعا لهم على الإطلاق لكنا متبعين للمؤمنين من أهل الكتابين، ولم يكن فرق بين اتباع السابقين من هذه الأمة وغيرها.
وأيضا فإنه إذا قيل: فلان يتبع فلانا، ولم يقيد ذلك بقرينة لفظية ولا حالية، فإنه يقتضي اتباعه في كل الأمور التي يتأتى فيها الاتباع، لأن من اتبعه في حال وخالفه في أخرى لم يكن وصفه بأنه متبع بأولى من وصفه بأنه مخالف، ولأن الرضوان حكم تعلق باتباعهم فيكون الاتباع سببا له، لأن الحكم المعلق بما هو مشتق يقتضي أن ما منه الاشتقاق سبب، وإذا كان اتباعهم سببا للرضوان اقتضى الحكم في جميع موارده، ولأن الاتباع يؤذن بكون
_________
١ سورة الحشر آية: ١٠.
1 / 9