ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منها تبدى له جبريل عليه السلام فقال له: يا محمد إنك لرسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، إذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فيقول له مثل ذلك.
قال الحفاظ: روي في بدو الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبران، خبر عائشة وخبر جابر رضي الله عنهما.
-فأما خبر عائشة فقد ذكرناه.
-وأما خبر جابر فروي عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل أولا؟
قال: يا أيها المدثر، فقال أو اقرأ؟
قال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن ذلك فقال: يا أيها المدثر فقلت أو اقرأ؟
قال: إني أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ((جاور بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو فوقي في الهواء، فأخذني وجفة شديدة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء، وأنزل الله عز وجل علي {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر}.
Page 185