Maathir Abrar
مآثر الأبرار
Genres
قال: كنت دعوت أشراف الكوفة إلى البيعة ليزيد فأجابوني إلى ذلك ووجدتهم سراعا نحوه، فكرهت أن أحدث أمرا دون رأيك؛ فقدمت لأ شافهك بذلك، وأستعفيك عن العمل، فقال له معاوية: يا سبحان الله!! -يا أبا عبد الرحمن- إنما يزيد ابن أخيك، ومثلك إذا شرع في أمر لم يدعه حتى يحكمه، فنشدتك الله، إلا رجعت فتممت هذا، فخرج من عنده، وقال لكاتبه: ارجع بنا إلى الكوفة، فوالله لقد وضعت رجل معاوية في غرز لا يخرجها منه إلا سفك الدماء، وكتب معاوية إلى زياد وهو والي البصرة: إن المغيرة قد عاد إلى الكوفة ليبايع ليزيد بولاية العهد بعدي، وليس المغيرة بأحق منك بابن أخيك، فادع الناس قبله إلى مثل ما دعاهم المغيرة، فلما قرأ زياد الكتاب بعث إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، ورد كتابك بكذا، فما يقول الناس إذا دعيتهم إلى بيعة يزيد وهو يلعب بالكلاب والقردة، ويلبس المصبغ، ويدمن الشراب؟ وبحضرتهم الحسين بن علي، وعبد الله بن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، ولكن تأمره أن يتخلق بأخلاق هؤلاء حولا أو حولين فعسى أن نموه [على] الناس به، فلما قرأ معاوية كتابه، قال: ويلي على ابن عبيد!! لقد بلغني أن الحادي حدا به أن الأمير بعدي زياد، والله لأردنه إلى أمه سمية وإلى أبيه عبيد؛ فقلت : هذه الحيلة من مكايد المغيرة للإسلام، فإن معاوية لم يكن يجسر على ذلك ولا يخطر له ببال حتى غره المغيرة ليبقى على ولايته، فهذا معنى قول السيد: شيخ المكر والغرر، وكانوا يسمونه أيضا: الشيخ الزاني؛ لأنه لما كان واليا على البصرة لعمر رآه أبو بكرة وثلاثة معه من دار أبي بكرة وهو يزني بإمرأة، في قصة طويلة مشهورة في التواريخ، فشكوا ذلك إلى عمر فأرسل إليه وإلى الشهود، فصرح ثلاثة عليه بالزنا، وتلكأ زياد في شهادته؛ فدرأ عمر عن المغيرة الحد، وجلد الثلاثة.
قالوا: ولما شهد عليه الأول، قال عمر أو علي على اختلاف الروايتين: إذهب عنك مغيرة ذهب ربعك، ولما شهد الثاني، قال: إذهب عنك مغيرة ذهب نصفك، ثم شهد الثالث، قال: إذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك، وجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين فبكوا معه، وبكى إلى أمهات المؤمنين فبكين معه، ولم يكن زياد وهو الرابع حاضرا.
فلما جاء ورأى الكراهة في وجه عمر تلكأ في شهادته، ولم يقطع بها كقطع الثلاثة؛ فدرأ الحد عن المغيرة، وكان عمر بعد ذلك يقول للمغيرة: ما رأيتك إلا خفت أن أرمى بالحجارة من السماء، وكان علي يقول بعد ذلك: إن ظفرت بالمغيرة لأتبعنه أحجاره وقال حسان بن ثابت[رضي الله عنه] في ذلك:
لو أن اللؤم ينسب كان عبدا
قبيح الوجه أعور من ثقيف
تركت الدين والإسلام لما
بدت لك غدوة ذات النصيف
وراجعت الصبا وذكرت لهوا
مع القينات في العمر اللطيف
وروى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب (الأغاني) عن الجاحظ قال: كان المغيرة، والأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله يوما بكناسة الكوفة في نفر، فطلع عليهم أعرابي، فقال لهم المغيرة: دعوني أحركه.
قالوا : لا تفعل، فإن للأعراب جوابا يؤثر.
فقال: لا بد.
فقالوا: أنت أعلم.
فقال: يا أعرابي، أتعرف المغيرة بن شعبة؟
فقال: نعم، أعرفه أعور زانيا يرجم ويجلد.
فقال له: أتعرف الأشعث بن قيس؟
Page 188