Maathir Abrar
مآثر الأبرار
Genres
عاديته فترى ابن هند حازه
عن أكثر الأمصار والآفاق ولا كلام أن الدهر والدنيا ينحرفان عن الكملة، ومن ازداد نبلا ازداد عنهم انحرافا وميلا، ومن أحسن ما وجدته من الأمثلة العجيبة، والأعذار المبينة المضيئة ما ذكره ابن أبي الحديد قال: قلت: للنقيب أبي جعفر وكان من سادات العترة، وعلماء الإمامية، وكان لا يذكر المشائخ إلا بخير، وقلت له: ما سبب حب الناس لعلي بن أبي طالب عليه السلام وعشقهم له وتهالكهم عليه [مع أنه كان مزويا من الدنيا] ودعني عن الجواب من جهة الشجاعة، والعلم، والفصاحة، وغير ذلك من الخصال التي رزقه الله منها الكثير الطيب؟ قال: فضحك [وقال لي:كم تجمع جراميزك علي] ثم قال: هاهنا مقدمة ينبغي أن تعلم، وهي أن أكثر الناس مزويون من الدنيا، أما المستحقون فلا ريب أن أكثرهم محرومون نحو عالم يرى أنه لا حظ له في الدنيا، ويرى جاهلا [غيره] مرزوقا وموسعا عليه، أو شجاع قد أبلي في الحروب وانتفع بموضعه ليس له عطاء يكفيه، ويقوم بضراوته ويرى غيره وهو جبان فشل يفرق من ظله، وهو مالك بحظ عظيم من الدنيا وقطعة وافرة من المال[والرزق] أو عاقل شديد التدبير صحيح العقل، قد قدر عليه رزقه، وهو يرى غيره أحمق مائقا تدر عليه الخيرات، وتجتلب أخلاف الرزق، أوذي دين قويم وعبادة حسنة وإخلاص وتوحيد وهو محروم ضيق الرزق، وترى غيره يهوديا أو نصرانيا أو زنديقا كثير المال حسن الحال، حتى أن هذه الطبقة المستحقة يحتاجون في أكثر الأوقات إلى الطبقات التي لا استحقاق لها، وتدعوهم الضرورة إلى الذل لهم والخضوع بين أيديهم، إما لدفع ضرر أو استجلاب نفع، ودون هذه الطبقات من ذوي الاستحقاق أيضا [على] ما نشاهده عيانا من نجار حاذق، أو بناء[عالم] أو نقاش بارع، أو مصور لطيف، [وهم] على غاية ما يكون من ضيق الرزق وقعود الدهر بهم، وقلة الحيلة لهم، وغيرهم ممن ليس يجري مجراهم، ولا يلحق طبقتهم مرزوق مرفوع قدره كثير المكتسب، طيب العيش، واسع الرزق، فهذه أحوال ذوي الاستحقاق، وأما الذين ليسوا من أهل الفضائل فحشو العامة، فإنهم أيضا لا يخلون من الحقد على الدنيا، والذم لها، والحنق [عليها] والغيظ منها لما يلحقهم من حسد أمثالهم وجيرانهم، ولا نرى أحدا منهم قانعا بعيشته ولا راضيا بحالته، بل يستزيد ويطلب حالا فوق حاله.
Page 238