101

Maʿārij al-qabūl bi-sharḥ Sullam al-wuṣūl

معارج القبول بشرح سلم الوصول

Editor

عمر بن محمود أبو عمر

Publisher

دار ابن القيم

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م

Publisher Location

الدمام

Genres

ذِكْرُ مُنَاظَرَةٍ أُخْرَى بَيْنَ رُسُلِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ:
قَالَ اللَّهُ ﵎: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٨] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ النَّسَبِ وَالْأَخْبَارِ: هَذَا الْمُحَاجُّ هُوَ مَلِكُ بَابِلَ وَاسْمُهُ نِمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ، ذَكَرُوا أَنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي مُلْكِهِ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ قَدْ طَغَى وَبَغَى وَتَجَبَّرَ وَعَتَا وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَلَمَّا دَعَاهُ الْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ ﵊ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ حَمَلَهُ الْجَهْلُ وَالضَّلَالُ وَطُولُ الْآمَالِ عَلَى إِنْكَارِ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلَا عِنَادًا وَمُكَابَرَةً فَحَاجَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ فِي ذَلِكَ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ الرُّبُوبِيَّةَ فَلَمَّا قَالَ الْخَلِيلُ ﵊: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا أَتَى بِالرَّجُلَيْنِ قَدْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُمَا فَإِذَا أَمَرَ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا وَعَفَا عَنِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ قَدْ أَحْيَا هَذَا وَأَمَاتَ هَذَا الْآخَرَ١، وَهَذَا لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ لِلْخَلِيلِ ﵊ بَلْ هُوَ كَلَامٌ خَارِجِيٌّ عَنْ مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ لَيْسَ بِمَنْعٍ وَلَا بِمُعَارَضَةٍ بَلْ هُوَ تَشْغِيبٌ مَحْضٌ وَهُوَ انْقِطَاعٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْخَلِيلَ ﵊ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلَا بِحُدُوثِ هَذِهِ الْمُشَاهَدَاتِ مِنْ إِحْيَاءِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِمَاتَتِهَا عَلَى وُجُودِ فَاعِلِ ذَلِكَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنَ اسْتِنَادِهَا إِلَيْهِ فِي وُجُودِهَا ضَرُورَةً لِعَدَمِ قِيَامِهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ لِهَذِهِ الْحَوَادِثِ الْمُشَاهَدَةِ، مِنْ خَلْقِهَا وَتَسْخِيرِهَا وَتَسْيِيرِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ وَالرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَخَلْقِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُوجَدُ مُشَاهَدَةً ثُمَّ إِمَاتَتِهَا وَلِهَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ ﵊: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ فَقَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ إِنْ عَنَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ لِهَذِهِ الْمُشَاهَدَاتِ فَقَدْ كَابَرَ وَعَانَدَ، وَإِنْ عَنَى مَا ذَكَرَهُ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْخَلِيلِ إِذْ لَمْ يَمْنَعْ مَسْتَلْزَمًا وَلَا عَارَضَ الدَّلِيلَ. وَلَمَّا كَانَ انْقِطَاعُ

١ تفسير ابن كثير "١/ ٣٢٠-٣٢١".

1 / 107