رجل مغلق الأجفان يجتهد في فتحهما كلما دعته الحالة فتعييه الحيلة، له فم إذا فغره خلته بئرا، وأذنان كبيرتان، وذقن طويلة تهتز مع رأسه كلما أنشد كأنها تسأل الناس المعونة والأجر، فما أشبهه بحلاق من جهة سيدنا الحسين أصيب بالعمى فجاء ليرتزق في قهوة عمومية!
أما الثالث:
فكان رجلا مرتديا جلابية بيضاء وحزاما من المناديل الحمراء الكبيرة وجبة زرقاء وطربوشا من غير «خوصة»، لم يحلق لحيته منذ أيام فظهرت شعورها في وجهه كما يظهر النجيل في الأرض القحلاء، وكان إذا أنشد أخذ فمه شكلا هندسيا يشبه المعين، إذا نظرت إليه ظننت أنه منجد ملك عنانه حب الغناء فأتى إلى القهوة ليشنف آذانه، ودفعه ذلك الميل الغريزي لامتطاء الدكة المعدة للمغنين، فجلس عليها يساعد الجماعة على إخراج الأغاني صحيحة خالية من العيوب.
أما الرابع:
فهو شاب نحيف الجسد أسمر اللون لا تفارق عيناه أديم الأرض، ولعله من المصابين بداء الحياء الشديد، ولهذا لم يتيسر لي أن أتفرس في ملامح وجهه لأصفها للقراء. فهو رجل كما تقول العامة في «حاله»، ولهذا ندعه في حاله.
أما الخامس:
فهو شيخ أحنت الأيام ظهره، فأصبح كالقوس يداعب المغنية من وقت لآخر، ولا أدري لماذا. له طربوش تظهر منه شعور كتلك الشعور التي أبقتها يد التحنيط على رءوس الجثث المحنطة في دار الآثار المصرية، مرتديا بدلة يحار فكر الناظر أمامها؛ فمن قائل إنها بدلة عادية، ومن قائل إنها ردنجوت قصيرة، ومن قائل إنها من نوع جديد سوف يحذو على منواله كل حائك في مصر، فلا تلبث أن تصبح الموضة المصرية الجديدة بعد أن انقطعت عنا في أيام الحرب موضة باريس ، وهو أشبه الناس بكتاب الدوائر الكبيرة.
وأما حامل العود:
فهو رجل بدين الجسد له وجه منتفخ تغار فيه عيناه البراقتان، تظهر عليه بعض مخايل الوجاهة، ولا أدري لماذا؛ ولعل ذلك لأنه حامل العود والعود سلطان الآلات الغنائية.
وأما حامل القانون:
Unknown page