قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن إني قد أذنت لهم
يبنون تدمر بالصفاح والعمد
وفي سفر الأيام الثاني 8 : 4 تقرأ أن سليمان بنى مدينة تدمر في البرية، وهو غلط؛ لأن أقدم ذكر لهذه المدينة تقرؤه في نقش يرجع إلى أيام تجلات بلسر الأول (حوالي 1100ق.م).
والظاهر أنه في حوالي القرن السادس قبل الميلاد - بعد سقوط الإمبراطورية البابلية - أخذت بعض القبائل العربية تسكن في شرق إقليم كنعان، وبدأت تتعلم الكلام والكتابة باللغة الآرامية، التي كانت شائعة في المنطقة الواقعة إلى الغرب من نهر الفرات.
وأول ذكر للمدينة في المراجع الرومانية كان عندما حاول مارك أنطوني في سنة 42-41ق.م محاولة فاشلة الاستيلاء على مغانمها، وأقدم نقش في المدينة يرجع إلى سنة 9ق.م، وهو مكتوب بالخط الآرامي، وكان ذلك في الوقت الذي أصبحت فيه مدينة تدمر مركزا هاما للتجارة بين الدولتين الرومانية والبارثية.
وسرعان ما ارتقت الواحة من محطة للقوافل إلى مدينة من الطبقة الأولى ومركز للعبادة أكبر آلهته الشمس مع عدد من الآلهة الصغرى .
ولقد كانت أشهر سلع العالم القديمة الفاخرة هي الحريريات والمجوهرات واللآلئ والعطور والبخور وما شابه ذلك، كلها تأتي من الهند والصين وبلاد العرب الجنوبية، وكانت المتاجر تسير في طريقين أحدهما عبر البحر الأحمر ومصر والإسكندرية، والآخر من الخليج الفارسي عبر الصحراء الشامية، وهذا الطريق الثاني كان في مبدأ الأمر في أيدي الأنباط سكان بطرة، ولكن عندما سقطت بطرة سنة 105 ميلادية انتقل ما كان بأيديهم إلى التجار من أهل تدمر، فكانت قوافلهم التجارية تعبر الصحراء الشامية إلى بعض المراكز التجارية على ضفات نهر الفرات، ولقد كانت هذه التجارة ذات نفع عظيم لا للتجار فحسب بل للمدينة نفسها التي كانت تفرض الضرائب على كل ما يمر بها من صادرات أو واردات.
ولما كانت المتاجر تتعرض أثناء الطريق لعدة أخطار، منها انتهاب قبائل الصحراء أو اعتداءات البارثيين، لذلك كان أمر تأمين التجارة والوصول بها سالمة من المسائل التي تهم الدولة، ولذلك نجد أن النقوش القديمة يكثر فيها ذكر رئيس القوافل ورئيس السوق، على اعتبار أنهما من زعماء المواطنين، ولم تكن الصناعات المحلية بذات أهمية كبيرة؛ ذلك لأن شغل سكان المدينة الأكبر كان في قيادة قوافل التجارة والإشراف على آبار الماء في الطريق، والقيام بأعمال «السكرتارية» وما شابه ذلك من الشئون المتعلقة بالتجارة.
ولعبت تدمر في التاريخ القديم لبلاد العرب دورا سياسيا، إلى جوار أهميتها التجارية؛ إذ كانت كل من دولتي روما وبارثيا يرقبان بعناية تامة موقفها بينهما، ويخشيان أن ترجح كفة إحداهما عن الأخرى، أما أزهر عصور تدمر فكان في الفترة بين سنتي 130، 270 ميلادية، وإلى هذه الفترة ترجع معظم الآثار التي تحمل نقوشا، ولقد أزاح سقوط بطرة سنة 105م من أمام تدمر كل منافسة في التجارة الشرقية، وكان الإمبراطور هدريان يعاملها برعاية خاصة، وعلى أثر زيارته للمدينة سنة 130م. أطلق عليها اسم هدريانا بلميرا، ثم أعلنت في عهد هذا الملك نفسه تعريفة جمركية جديدة، حلت محل نظام الضرائب القديم الذي كان شائعا، وقد أخذ النفوذ الروماني منذ ذلك الوقت يتغلغل في تدمر، فلم يكد ينتهي القرن الثاني، حتى كانت تدمر تنحدر إلى مستوى المستعمرة، ولكنها كانت تتمتع باستقلال إداري مع الاعتراف الاسمي فقط بالسيادة الرومانية، وبعد ذلك الوقت بدأ التدامرة يضيفون إلى أسمائهم ألقابا رومانية.
Unknown page