وقد استمد الأنباط خطهم من الخط الآرامي، وفي القرن الثالث الميلادي تحول هذا الخط النبطي إلى الخط الذي استعمل في تدوين اللغة العربية الشمالية لغة القرآن ولغة الوقت الحاضر، وقد حول إلى الخط المستدير المعروف بالنسخي تمييزا له عن الخط ذي الزوايا المعروف بالكوفي، ومن أقدم النقوش العربية نقش النمارة في شرق حوران، وهو يرجع إلى سنة 328م، وقد أقيم كلوحة تذكارية على قبر امرئ القيس أحد ملوك الحيرة اللخميين، وبمناسبة الخط النبطي الذي هو الأصل في الخط العربي، نذكر هنا أن كل هذه الخطوط التي استعملتها الشعوب العربية الشمالية، وكذلك شعوب بلاد العرب الجنوبية إنما هي مستمدة جميعا من الخط السينائي المأخوذ من الهيروغليفي، الذي هو الأصل في الأبجديات المستعملة في أوروبا الآن وفي بلاد الشرق.
وآثار البتراء القائمة إلى الآن عظيمة، وهي تجذب عددا كبيرا من السائحين وتعتبر موردا هاما من موارد الدخل لحكومة شرق الأردن، وأهم هذه الآثار هي المعروفة بخزنة فرعون المنحوتة في جانب الصخر، وكان في البتراء معبد يشبه الكعبة، يضم عدة أصنام على رأسها ذو الشرى «ذو شرا أو دوسارس ومعناها سيد الشراء»، وكان يعبد على شكل حجر أسود مستطيل ويعتبر إله الخير، ومن بين الآلهة نذكر أيضا اللات ومن بين الآثار أيضا النجر، ويبدو أنه جبل مقدس، وعلى مقربة منه تمتد بعض مذابح لتقديم القرابين، وتنتشر في الجدران الجبلية المحيطة بالمدينة القبور المحفورة في الصخر على شكل بروج، وبعض هذه الآثار يرجع إلى عصر الاستقلال القديم والبعض الآخر يرجع إلى العصر الروماني، وقد دخلت المسيحية إلى البتراء منذ العصور القديمة، واتخذت من بعض المقابر كنائس، وما زالت على المسيحية حتى اكتسحها - مع بقية بلاد العرب الشمالية - دين الإسلام، فيما بين سنتي 629، 632 ميلادية.
الفصل السادس
تاريخ تدمر
دولة تدمر «بلميرا - بالمرينا»
تطلق كلمة بلميرا في اليونانية واللاتينية على بلد شهير، يقع إلى الشمال الشرقي من مدينة دمشق، في منتصف الصحراء الشامية، واسمها عند العرب والشاميين «تدمر»، وهي واحة خصيبة كانت تقع بين الإمبراطوريتين المتنافستين بارثيا وروما، وتعتمد في سلامتها على حفظ التوازن بين هاتين الدولتين، ووقوفها موقف الحياد منهما، وعندما فتح العرب هذه المدينة لم يكن الرواة يذكرون من أخبارها شيئا، فنسبوا بناءها إلى الجن الذين بنوها - كما اعتقد أولئك القصاص العرب - للملك سليمان.
قال النابغة الذبياني في معلقته يمدح النعمان بن المنذر:
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
إلا سليمان إذ قال الإله له
Unknown page