وللمؤرخين من العرب قصة طريفة تتعلق بتصدع السد؛ إذ يقولون إن الملك عمرو بن عامر ماء السماء الملقب ميزيقيا قالت له زوجته المسماة ظريفة، وكانت امرأة كاهنة، إذ حلمت حلما أن كارثة ستحدث، فقالت له: اذهب إلى السد فإن رأيت الجرذ ينخب بمخالبه، ويحمل الحجارة الكبيرة بقدميه الخلفيتين، فتأكد بأن الكارثة حادثة، فذهب عمرو إلى السد، ولشد ما كانت دهشته؛ إذ رأى فأرا يحرك صخرة هائلة لا يقدر على زحزحتها من موضعها خمسون رجلا، فتيقن عمرو من أن السد لا بد متصدع، فاستقر عزمه على أن يبيع ممتلكاته ويبرح مع أسرته، ولكي لا يرتاب الناس في أمره دبر الحيلة الآتية؛ إذ دعا زعماء قومه إلى مأدبة فاخرة، واتفق مع ابنه على أن يلطمه في أثناء الحفل، وفعل الابن ما طلب أبوه، فصاح عمرو: يا للعار، وأقسم أن لا يقيم في بلد يلطم فيها وجهه، ثم عرض كل أملاكه للبيع فتهافت الناس على شرائها، ولما تم له بيع ممتلكاته أخبر الناس بالخطر الذي يهددهم، ثم بارح مأرب على رأس جمهور صغير منهم إلى الشمال، ولم تمض أيام على رحيله حتى جاء السيل ففزعت البلاد ولم يبق من الأرضين والكروم إلا ما كان في رءوس الجبال، وتفرق القوم أيدي سبأ. وبصرف النظر عما تنطوي عليه هذه القصة من خرافة فإنها تشير إلى أن الهجرة حصلت قبل التصدع، وهناك رأي يقول بأن الهجرة إنما كانت بعد أن خرب السد وأتلف الأرض والزرع، ويرجح الأستاذ الخضري في الجزء الأول من محاضراته الرأي الثاني لسببين، أولهما أن مفارقة البلاد والنزوح كلية عن الوطن ليس بالأمر الهين، ولا يقدم عليه قوم لمجرد تكهن كاهنة، والثاني ما جاء في القرآن الكريم في سورة سبأ الآيات من 15 إلى 19 مما يدل بوضوح على أن سيل العرم أصابهم، وبدل في شكل أرضهم وهم يقيمون بها. وممن سار على هذا الرأي العلامة الفرنسي سيديو.
ولا حاجة بنا إلى القول بأن تصدع السد لم يكن إلا السبب المباشر لمجموعة من الأسباب التاريخية الطويلة بين اقتصادية واجتماعية وسياسية خارجية وداخلية أدت إلى تفكك المجتمع العربي الجنوبي وسقوطه النهائي، كان يجهلها المؤرخون القدامى فتلمسوها في قصة وضعوها عن ذلك الفأر الذي جعلوه يحدث ذلك الانقلاب الخطير في التاريخ. (7-2) تفرق قبائل اليمن في الشمال بعد تصدع السد
بعد تصدع السد ترك أهل مأرب اليمن، وبدءوا يرتادون مواضع من الجزيرة تصلح لسكناهم - هكذا تقول الروايات العربية التي لا يسلم بصحتها معظم المؤرخين المحدثين - ونحن نثبت هنا خلاصة ما أورد العرب عن أشهرهم. (1)
بنو ثعلبة بن عمرو بن عامر؛ الذين منهم الأوس والخزرج، ساروا نحو يثرب وبها جماعة من بني إسرائيل متفرقون في نواحيها فاستوطنوها معهم وأقاموا بها حتى غلبوهم عليها. (2)
بنو حارثة بن عمرو؛ وهم خزاعة الذين ساروا إلى مكة، وافتتحوا الحرم وأجلوا عنه سكانه وهم جرهم. (3)
عمران بن عمرو؛ وقد انعطف نحو عمان فنزلها، واستوطنها هو وبنوه وهم أزد عمان. (4)
بنو جفنة بن عمرو؛ وهذا سار مع أولاده إلى الشام، وهم الذين أصبحت أبناؤهم الملوك الغساسنة، وغسان ماء في تهامة نسب هؤلاء إليه. (5)
لخم بن عدي؛ الذين منهم نصر بن ربيعة أبو الملوك المناذرة بالحيرة، وأول من اتخذها منهم منزلا عمرو بن عدي بن نصر الذي ملك بعد جذيمة الوضاح. (6)
طي، وهؤلاء نزلوا جبلي أجا وسلمى لما رأوه هناك من الخصب. (7)
كلب بن وبرة؛ من قضاعة، أقامت ببادية السماوة إلى الشمال من نجد.
Unknown page