ويقال إنه لما حضرته الوفاة أوصى بنيه بحسن السيرة والسلوك بين الرعية وتعلم العلم، وترك الحسد، وإنصاف الناس، إلخ.
ولما مات ملك من بعده ابنه يشجب بن يعرب، وكان ضعيف الرأي واهن العزيمة خاملا، فاستبد أعمامه به واستقلوا بحكم ما كان في أيديهم.
ولما مات خلفه ابنه عبد شمس الملقب بسبأ. (3-2) الدور البنطي
لا نعلم متى ظهرت دولة بنط، ولكن التاريخ المصري القديم ينبئنا عن رحلات تجارية كانت تقوم إلى الجنوب عن طريق البر أو البحر للحصول على السلع الغالية القيمة التي كان يحتاج إليها للأغراض الدينية وغيرها، وأهمها البخور والصموغ الذكية الرائحة، والراتينج «القلقونية أو صمغ الصنوبر» والأخشاب العطرية.
وترجع هذه العلاقات التجارية إلى أيام الأسرة الخامسة المصرية؛ إذ تذكر النصوص أن الملك ساحورع من ملوك القرن السادس والعشرين قبل الميلاد قاد أول حملة بحرية في البحر الأحمر إلى أرض البخور أو بلاد بنط، التي كان يظن أنها بلاد الصومال الحديثة فحسب، ولكن ثبت أخيرا أن لفظ بنط كان يدل على الأرض الواقعة على الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، أو على جانبي باب المندب بشقيه الأفريقي والآسيوي، وقد أيد هذا الرأي أخيرا البحوث التي قامت بها كلية الآداب بالجامعة المصرية سنة 1937م، كما أيدته أيضا بحوث الأستاذين رانجنز وفون وسمز، والتي نشرت في كتاب «في أعالي اليمن» لمؤلفه هيوسكوت «طبع لندن سنة 1942»، وقد كان هذا الرأي هو الذي نرجحه سنة 1929، وفي خريطة رسمناها للإمبراطورية المصرية القديمة في أقصى نفوذها وضعنا بلاد بنط على جانبي باب المندب (راجع الأطلس الجغرافي التاريخي لزكي الرشيدي ومبروك نافع طبعة دار الكتب بمصر سنة 1929 القسم التاريخي خريطة 17 ص69).
وقد ظل المصريون القدماء يطلقون لفظ بنط على هذه البلاد الجنوبية رغم تقلب الدول عليها، وكانت تسمى عندهم أيضا «نانتر» ومعناها أرض الله، ولقد أرسلت الملكة حتشبسيوت أول امرأة شهيرة في التاريخ وهي من ملكات الأسرة الثامنة عشرة المصرية (حوالي 1500ق.م) حملة إلى بلاد بنط مكونة من خمس سفن كبيرة للحصول على أشجار البخور والأخشاب الثمينة والجواهر وسن الفيل والعنبر، وعند وصول الحملة إلى «الأرض المباركة» أي بنط قابلهم أميرها باريهو هو وزوجته آني، ومعهما ابنتهما وولداهما مقابلة ودية للغاية، وبعد تبادل الهدايا عاد الأسطول محملا بالأشجار الغالية - ومن بينها شجرة المر - وبالتبر والذهب والحلقات المعدنية وأكوام من الصمغ النفيس وجلود الفهود وغير ذلك، وقد نجح سفراء حتشبسيوت - علاوة على الحصول على الأشجار الثمينة التي غرس بعضها في حديقة الإله آمون - في الحصول أيضا على طاعة أهل بنط، وتجد أخبار هذه القصة بأجمعها مدونة على جدران المعبد الكبير الذي أنشأته حتشبسيوت في الدير البحري. (3-3) الدور المعيني
يذكر بعض المؤرخين دولة معين في سياق كلامه عن السبئيين، ويعتبرها لذلك من الدول القحطانية، ولكن الكشوف الحديثة دلت على أن المعينيين سكنوا منطقة اليمن قبل السبئيين بعدة قرون، ومن المحتمل جدا أن تكون معين قد تعاصرت مع دولة بنط، وهي - على كل حال - أول دولة نستطيع أن نلمح بعض معالمها وسط ضباب التاريخ القديم لبلاد العرب الجنوبية، وقد ورد ذكرها في مؤلفات اليونان والرومان، فذكرها يلبني واسترابون وبطليموس وغيرهم، ونسبوا إليها الاشتغال بالتجارة، وأنها كانت مصدر غناهم، ولكنهم كانوا يعتبرونها تالية للدولة السبئية لا سابقة لها كما هو الواقع، أما كتاب الغرب فلم يرد لها ذكر في كتبهم، وصمتوا عنها صمتا تاما.
وفي عهد هذه الدولة كانت حملة حتشبسيوت التي أشرنا إليها في الفترة السابقة.
وقد أظهرت الكشوف الحديثة أسماء ما يزيد عن عشرين ملكا من ملوك معين، وبرغم ذلك فإنا لا نستطيع أن نكتب تاريخ معين السياسي.
أما أسماء ملوك التي عرفت فهي: (1)
Unknown page