هذا غير ممكن.
لقد عرفت الأمم القديمة «ورق» البردي المصري، ولكنه لم يكن يكفي الحضارة المصرية، ولم يكن ليتسع لضروب الإتقان والدقة في إبراز الحروف مثل الورق المصنوع، حتى يجعل القراءة ميسورة واضحة تحب ولا تمج.
الأرقام العربية والورق هما بلا شك أعظم الوسائل للثقافة وللحضارة الأوروبيتين أو الغربيتين في العصر الحاضر، والفضل في نقلها إلى القارة الأوروبية يعود إلى العرب، والعرب وحدهم.
بقي هناك فضل ثالث يقول به الأوروبيون ويكبرون من شأنه، هو أن العرب نقلوا بعض الكتب الإغريقية القديمة، مثل مؤلفات أرسطوطاليس أفلاطون وفيثاغورس ونحوهم، إلى العربية، فنقل الأوروبيون هذه المؤلفات من العربية إلى اللاتينية.
واعتقادي أن الفضل هنا ليس كبيرا، وقيمته إنسانية أكثر مما هي ثقافية، أي: إنها ربطت أوروبا بالإغريق القدماء، وفتحت لهم آفاق الماضي وجعلتهم على وجدان بأن الثقافة البشرية موصولة وليست مقطوعة، وبكلمة أخرى نقول: إن قيمة الثقافة الإغريقية التي نقلها العرب، ثم الأوروبيون عن العرب هي تاريخية، ودراسة التاريخ هي دراسة إنسانية أكثر مما هي أدبية أو علمية.
بل نستطيع أن نقول إن دراسة الإغريق القدماء قد عطلت أحيانا الارتقاء الثقافي، فإن «فكريات» أفلاطون جمدت التفكير البشري، بل لاتزال تجمده، كما أن أرسطوطاليس كان عبئا على الثقافة الأوروبية بضعة قرون؛ لأن كلماته كانت مقدسة، حتى أن برلمان باريس عين عقوبة لكل من يخالفه أو يعارضه.
إن الحضارة الأوروبية الحاضرة هي حضارة العلم الذي ينهض على التجربة، وقوة أوروبا هي قوة الصناعة التى تنهض على العلم.
وفيما بين سنة 1000 وسنة 1300 لا نكاد نعرف أمة تؤمن بالتجربة وتقبل عليها غير الأمم العربية، فصحيح أن كثيرا من تجاربها كان مخطئا، إذ كان القائمون بها ينشدون هدفا خياليا هو إحالة المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة، ولكنهم في غضون هذه التجارب عثروا على معادن ثمينة في الكيمياء كان لها بعض الشأن في الطب وغيره.
ولكن ليست العبرة بما عثروا عليه، وإنما بالأسلوب الذي اتبعوه، وهو الوصول إلى المعارف الجديدة بالتجربة اليدوية، وهذا هو العلم.
لأن العلم ليس تفكيرا مجردا يفكر به العالم وهو على كرسيه أمام منضدته فقط، فهذا التفكير وإن يكن ضروريا يحتاج إلى التصحيح والتطبيق بالتجربة في المعمل ثم المصنع، وهذا هو الأسلوب الذي يعزى إلى علماء العرب.
Unknown page