ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان تأليف السيد محمود شكري الآلوسي تحقيق محمد زهير شاويش تخريج محمد ناصر الدين الألباني

1 / 1

جمع الحقوق حفوظة الطبعة الثانية ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧م المكتب الإسلامي

1 / 2

مُقَدّمَة الْمُؤلف بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم نحمدك يَا مبدع الأكوان، وَيَا خَالق الْكَوْن وَالْمَكَان، وَيَا ميسر الْفلك على حسب مَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة من الدوران؛ وَنُصَلِّي ونسلم على نبيك " مُحَمَّد " الَّذِي سريت بِهِ من حرم إِلَى حرم، ورفعته من سَمَاء إِلَى سَمَاء، حَتَّى أوصلته إِلَى مقَام لَا تصل إِلَيْهِ الأذهان، صلى الله تَعَالَى وَسلم عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه بدور سَمَاء الدِّرَايَة وَالْهِدَايَة وشموس أفلاك الْعرْفَان. أما بعد: فقد شاع فِي عصرنا قَول " فيثاغورس " الفيلسوف الشهير فِي هَيْئَة الأفلاك، وَنَصره الفلاسفة الْمُتَأَخّرُونَ، بعد أَن كَانَ عاطلا مَهْجُورًا، وَهُوَ القَوْل بحركة الأَرْض اليومية والسنوية على الشَّمْس، وَأَنَّهَا هِيَ مَرْكَز نظامها، وَأَن الأَرْض إِحْدَى الْكَوَاكِب السيارة، وَأَنَّهَا سابحة فِي الجو، معلقَة بسلاسل الجاذبية، وقائمة بهَا، كَسَائِر الْكَوَاكِب، لَا أَنَّهَا كَمَا ذهب إِلَيْهِ

1 / 11

" بطليموس " فِي الأفلاك كالمسامير فِي الْبَاب، إِلَى غير ذَلِك من قواعدها الْمَشْهُورَة وقوانينها الْمَذْكُورَة. وَقد سَمَّاهَا الفلاسفة الْمُتَأَخّرُونَ " الْهَيْئَة الجديدة "، لكَونهَا شاعت فِي الْعَصْر الْمُتَأَخر. وَإِلَّا، فَالْقَوْل بهَا مُتَقَدم جدا، فقد رَأَيْت كثيرا من قواعدها لَا يُعَارض النُّصُوص الْوَارِدَة فِي الْكتاب وَالسّنة. على انها لَو خَالَفت شَيْئا من مَذَاهِب السّلف الْحُرِّيَّة بِالْقبُولِ، بل لَا بُد أَن نقُول: إِن الْمُخَالف لَهما مُشْتَمل على خلل فِيهِ؛ فَإِن الْعقل الصَّرِيح، لَا يُخَالف النَّقْل الصَّحِيح، بل كل مِنْهُمَا يصدق الآخر وَيُؤَيِّدهُ. وَأعلم أَن الشَّرِيعَة الغراء لم ترد باستيعاب قَوَاعِد الْعُلُوم الرياضية، إِنَّمَا وَردت بِمَا يسْتَوْجب سَعَادَة الْمُكَلّفين فِي العاجل والآجل، وَبَيَان مَا يتوصلون بِهِ إِلَى الْفَوْز بالنعيم الْمُقِيم، وَرُبمَا أشارت - لهه الْأَغْرَاض - إِلَى مَا يستنبط مِنْهُ بعض الْقَوَاعِد الرياضية. وَقد ورد الْقُرْآن الْكَرِيم - فِي بَيَان ذَلِك - بِمَا خَاطب بِهِ الْعَرَب، مِمَّا يعلمونه من عُلُوم تلقوها خلفا عَن سلف. فقد كَانَت لَهُم عُلُوم ذَكرنَاهَا فِي الْكتاب الَّذِي ألفناه فِي بَيَان أَحْوَالهم، كَمَا كَانَ لعقلائهم أعتناء بمكارم الْأَخْلَاق واتصاف بمحاسن الشيم، فصححت الشَّرِيعَة مِنْهَا مَا هُوَ

1 / 12

صَحِيح وزادت عَلَيْهِ، وأبطلت مَا هُوَ بَاطِل قَبِيح، وبينت مَنَافِع مَا ينفع من ذَلِك ومضار مَا يضر مِنْهُ. فَكَانَ من علومها " علم النُّجُوم " وَمَا يخْتَص بهَا من الاهتداء فِي الْبر وَالْبَحْر وَاخْتِلَاف الْأَزْمَان باخْتلَاف سَيرهَا، وتعرف منَازِل سير النيرين وَمَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْمَعْنى. وَهُوَ معنى مُقَرر فِي أثْنَاء الْقُرْآن، فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جعل لكم النُّجُوم لتهتدوا بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر﴾، وَقَوله تَعَالَى: ﴿وبالنجم هم يَهْتَدُونَ﴾، وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَالْقَمَر قدرناه منَازِل حَتَّى عَاد كالعرجون الْقَدِيم لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر، وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار، وكل فِي فلك يسبحون﴾، وَقَوله تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء، وَالْقَمَر نورا، وَقدره منَازِل، لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب﴾، وَقَوله تَعَالَى ﴿وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ، فمحونا آيَة اللَّيْل، وَجَعَلنَا آيَة النَّهَار مبصرة﴾ الْآيَة، وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح، وجعلناها رجوما للشياطين﴾، وَقَوله تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة، قل: هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج﴾، وَمَا أشبه ذَلِك. وَمن عُلُوم الْعَرَب: " الأنواء " وأوقات نزُول الأمطار، وإنشاء السَّحَاب، وهبوب الرِّيَاح المثيرة لَهَا، فَبين الْكتاب وَالسّنة حَقّهَا من باطلها، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا، وينشئ السَّحَاب الثقال، ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتُم

1 / 13