84

وتقول أمينة: «ثم تكون الحرب التي ولدت أنا في ظلها.»

ويقول العميد: «نعم، ولكنها كانت شيئا آخر بالنسبة لنا، عشنا، أمك وأنا، أعوامها على أرض فرنسا التي دمرتها تلك الحرب تدميرا، شهدنا انطفاء النور فيها وتخييم الظلام، ورأينا كيف سيطر الجبروت عليها والظلم، وكيف عرف ذلك البلد الجميل عنف الغزاة وذل الهزيمة، ولكنا شاهدنا أيضا شعبها الفرنسي يقاوم في يأس وفي بأس مقاومة عنيفة عنيدة لا تريد أن تستسلم للهوان حتى تحقق النصر لفرنسا وللحلفاء، فشهدنا الغزاة وقد ارتدوا خاسرين عن أرض المكافحين.»

ويخيم الصمت ويذبل نور النهار ويقول العميد: «إن الجو قد برد فالشمس قد غابت، وقد أهملنا أمكما طويلا وآن الآن أوان الدخول.»

تقول أمينة وهما يتركان سطح الباخرة إلى داخلها: «وهذه الحرب التي أعلنت منذ أيام؟»

يقول طه حسين: «لقد أنفقت الدول العظمى أكرم أموالها وبذلت غاية جهدها لتستعد لها بأقوى أدوات القتل والهلاك، وأغلب الظن أن نيرانها لن تنحصر في أرض المتحاربين.»

تقول أمينة: «لقد صنف هتلر أهل الأرض أصنافا وأنزلهم منازل، فجعلنا نحن المصريين في منزلة من أدنى المنازل!»

ويقول طه حسين: «أما الله - تعالى - فإنه لا يعرف فضلا لعربي على عجمي إلا بالتقوى.»

ويسود صمت تقطعه أمينة بقولها: «عندما كنا نتكلم عن حرب الروس واليابان قلت إنك كنت على حيدة تلائم ما كان لسنك الصغيرة في ذلك الوقت من غفلة وأثرة، ترى هل في الإمكان الآن أن تتقي مصر شر الحروب وتلتزم الحياد، أم ترى أن حيادنا سيكون غفلة وأثرة؟»

يقول طه حسين: «لسنا نعرف حتى الآن كيف سيكون موقف المتحاربين من مصر، سؤالك خطير والإجابة عنه لا تتيسر قبل أن نرى الأحداث كيف تتطور في هذه الحرب.»

وتصل الباخرة إلى شاطئ مصر بسلام، ويهرع ركابها إلى أرض الوطن والدموع تملأ عيون الكثيرين.

Unknown page