11
من القاهرة، وتعلن استقالته في البرلمان الإنجليزي،
12
وتعرض حكومة العمال الجديدة في بريطانيا على مصر مشروع معاهدة ينص في مقدمته على ضرورة تصديق البرلمان المصري على المعاهدة، وإذن فلا بد من وجود برلمان مصري، وإذن تسقط وزارة محمد محمود فيطلب الملك في الثالث من أكتوبر سنة 1929 إلى عدلي باشا يكن تأليف وزارة مستقلة تجري انتخابات جديدة حرة. •••
ويبدأ الاستعداد للعام الجامعي الجديد فيزور طه حسين مدير الجامعة يتحدث معه فيما يهم الجامعة والكلية من الأمور، ويذكره أثناء الحديث بموضوع قبول الطالبات في الجامعة، إن هناك طلبات مقدمة فعلا من عدة آنسات لكلية الآداب ولكلية الطب، يقول لطفي السيد: «لقد سبق أن تحدثنا في هذا الموضوع، ورأينا أنه لا مانع قانونا من قبول الطالبات إذا كانت لهن نفس المؤهلات المطلوبة من الطلاب، فعلى بركة الله، وإني لسعيد بما سوف يتاح لهؤلاء الفتيات من فرصة التعليم العالي، مشفق عليهن في نفس الوقت، فإنهن سوف يتحملن مسئولية خطيرة، إن نجاحهن سيعني إتاحة فرص التعليم الجامعي لأجيال من الفتيات يأتين من بعدهن لا في مصر فقط بل في البلاد العربية كلها، وإخفاقهن لن يقتصر ضرره عليهن ولا على هذا الجيل ولا على هذا البلد، فما أثقل ما يحملهن طموحهن من تبعات!»
ويعكف طه حسين على دروسه في الجامعة وعلى المقالات التي كان يمد بها الدوريات الأدبية في مصر والشام؛ الهلال والمقتطف والسياسة الأسبوعية والجديد، التي أصدرها صديقه الأستاذ محمد المرصفي، ومجلة الحديث التي كان يصدرها الأستاذ الكيالي في حلب. ويتابع طه حسين في هذه المقالات عرض ونقد مؤلفات زملاء له من الأساتذة داخل الجامعة، مثل أحمد أمين ومحمد عوض وإبراهيم مصطفى، وخارج الجامعة مثل عباس محمود العقاد ومحمود عزمي وأحمد حسن الزيات وفكري أباظة وواصف بطرس غالي، لا يبخل بالمدح ولا يتحرج من النقد، مرحبا دائما بكل كتاب جيد جديد، يعده إضافة إلى ثروتنا الثقافية العربية التي يريد لها أن تنمو وتزداد.
ويسجل خواطره أثناء العطلة في كتاب جديد هو كتاب «في الصيف»، يتوقف فيه عند هذا الجهاز العجيب الذي كان قد سمع من قبل أنه قد اخترع واستعمل في أمريكا ولكنه لم يره إلا هذا العام في فرنسا، يصف هذه الأداة الجديدة التي تسمى «الراديو»: «إنها تقرأ على المستمع أخبار الصحف، وتحمل إلى المشتركين فيها ما يكون في الملاعب ودور الموسيقى واللهو؛ من تمثيل وعزف وفرح وغناء، ذلك كله دون أن يتكلف المشترك من المشقة إلا إدارة زر من أزرار الكهرباء، فإذا سئم أو مل أدار الزر مرة أخرى فينقطع الصوت ويعود الهدوء»، ويقول: «أما أن هذه الأداة الجديدة من أقوى أعوان الديمقراطية على نشر الثقافة والمساواة فشيء لا شك فيه، ولكن من يدري فلعل هذه الأداة الجديدة تكون من أشد الأشياء خطرا على الديمقراطية نفسها»، ويسجل خاطرة خطرت له: «هل يأتي يوم يمكن فيه لمستمع الراديو أن يرد على المتحدث فيه بحيث يسمعه المتحدث؟» وإنما أخطر على باله هذا السؤال ما كان ابنه وابنته يعلقان به على حديث في الراديو لوزير الحربية الفرنسية، يسفهان منطقه ويطالبانه في عنف بأن يلتزم الصدق وألا يغرر بسامعيه، كانا يفعلان ذلك آمنين أنه لن يسمع ولن يرد! •••
ويتابع طه حسين دروسه في الجامعة، يسير إلى قاعة الدرس منتصب القامة، نشيطا، واثق الخطوة، فإذا بلغ مع سكرتيره منصة التدريس ارتقاها دون تردد وجلس مرفوع الظهر قد ضم ركبتيه إحداهما إلى الأخرى، واعتمد بيديه على المنضدة الصغيرة أمامه يريح يمناه على اليسرى، عندئذ يتركه السكرتير لينصرف لما لديه من أعمال فتسكت قاعة الدرس، التي تكون قد امتلأت إلى جانب طلابه بطلاب من أقسام الكلية الأخرى ومن كليات غير كلية الآداب، ويبدأ طه حسين حديثه واضح اللفظ، ناصع العبارة، شديد الاقتناع، شديد الإقناع، يستشهد بشعر قد يكون معروفا لسامعيه، فيخيل إليهم أنهم يسمعونه لأول مرة، ويحسون لأول مرة بعذوبته وسحر موسيقاه.
ويناقش الأستاذ طلابه في موضوعات الأدب العربي الذي ملأ قلوبهم - كما يقول أحد تلاميذه الأستاذ الدكتور شوقي ضيف - فتنة بالبحث فيه.
يسأله طالب عن هذا الأدب العربي؛ ما مكانته بين آداب العالم؟
Unknown page