221

Lughz Cishtar

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

Genres

وحملت بوارثه فأرضعته في مأمن.

77

طقوس أوزوريس

تختلف مواعيد الدورة الزراعية في مصر عن بقية بلدان الشرق الأدنى اختلافا بينا؛ وذلك لندرة الأمطار والاعتماد على فيضان النيل السنوي. يبدأ منسوب مياه النيل بالارتفاع اعتبارا من شهر حزيران (يونيو)، ليبلغ حده الأعلى نحو نهاية شهر أيلول (سبتمبر) فيغمر الشريط الخصب الممتد حول شواطئ النهر. ولمدة شهر تقريبا تبقى مياه النهر ثابتة عند منسوبها، ثم تبدأ بالانخفاض ليعود النهر إلى سريره الطبيعي نحو شهر كانون الأول (ديسمبر)، مخلفا في الأرض التي تركها تربة جديدة خصبة، جرفها معه عبر مساره الطويل. لذلك يختلف موسم دفن الحبوب في التراب وموسم حصاد الحبوب عن بقية المواسم في المنطقة. فزراعة الحبوب تبدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) وتنتهي في ديسمبر (كانون الأول)، وذلك تبعا لجغرافية المنطقة ووضعها من النهر. أما الحصاد فيبدأ في الربيع وينتهي في أيار (مايو). وفي الفترة الفاصلة بين انتهاء الحصاد وبداية ارتفاع النيل تبدو سهول مصر في حالة كئيبة، تهب عليها الرياح الساخنة وتلفحها شمس حزيران الحارقة. ولقد أثر هذا الطابع الخاص للدورة الزراعية في مصر على الطقوس والأعياد الأوزيرية، وعلى مواعيدها السنوية.

يمكن تتبع نوعين من الطقوس الأوزيرية في تاريخ مصر القديم؛ النوع الأول: هو الطقوس الشعبية البدائية التي مارسها زارعو القمح منذ القديم، وبقوا على ولائهم لها حتى الفترات المتأخرة. وقد ارتبطت هذه الطقوس بمواعيد الدورة الزراعية النيلية، فبقيت ثابتة عبر آلاف السنين، تقام كل عام في الموعد المحدد نفسه. أما النوع الثاني: فالطقوس الرسمية التي كان الكهنة يقيمونها في المعابد. وهذه الطقوس رغم انبثاقها عن طقوس المزارع القديم؛ فقد انفصلت عن مواعيد الدورة الزراعية؛ نظرا لابتكار الكهنة تقويما لا يتطابق تماما مع السنة الشمسية، ولا يجري تعديله دوريا لتحقيق مثل هذا التطابق. لذلك راحت مواعيد الطقوس الأوزيرية الرسمية، عبر فترة طويلة من الزمن، تدور عبر الفصول من الصيف إلى الخريف فالشتاء فالربيع، راجعة مرة أخرى إلى الصيف، وذلك حتى جرى تبني التقويم الشمسي الحقيقي، وهو التقويم الإسكندري، عام 30ق.م.

78

تتشابه الطقوس الشعبية الأوزيرية في جوهرها وكثير من شكلياتها، مع طقوس المزارعين السوريين التي سلف الحديث عنها؛ ففي أوقات الحصاد كان الحصادون لدى قطعهم حزم القمح الأولى، يندبون الإله القتيل الذي تهاوى تحت مناجلهم المسنونة، ويرفعون أدعية خاصة إلى الإلهة إيزيس (مما يدل على أن النواح في أصله كان نواحا على إيزيس لا على أوزوريس). وكان نواح الحصادين يتخذ إيقاعا موسيقيا مع ترديد بعض الكلمات، التي ميز الرواة اليونانيون منها كلمة مانيروس، والتي تعني: عد إلى بيتك، مما جرى الحديث عنه في مكان آخر من هذا الفصل. وبعد انتهاء الحصاد وابتداء موسم الفيضان، يقام احتفال آخر مكرس لإيزيس؛ فقد رأى المصريون في فيضان النهر دموع الإلهة التي تبكي زوجها الميت، فتنثال دموعها سواقي ترفع مياه النيل. ولما كان ابتداء الفيض يترافق مع ظهور نجم الشعري اليمانية (سيريوس) أكثر النجوم الثابتة لمعانا في السماء؛ فقد نسب المصريون هذا النجم لإيزيس. وكانوا يرون في ظهوره قبل الفجر، خلال الأيام القليلة السابقة للانقلاب الصيفي، إيزيس نفسها وقد أتت لتبكي أوزوريس الفقيد. أما بعد تراجع الفيضان وبدء موسم البذار، فكان للمزارعين طقوس حداد ثانية على الإله القتيل الذي يوارى الثرى. وقد وصف الكاتب اليوناني «بلوتارخ» هذه الطقوس ودعا قارئه إلى عدم العجب منها؛ لأنها تشابه في جوهرها طقوس الحداد الديمترية.

79

أما الطقوس الرسمية فكانت تقام في معابد المدن بعيدا عن حقل القمح الذي نشأت فيه. وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن عيدا واحدا لأوزوريس كان يقام مرة في السنة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، وأن هذا العيد قد بقي ثابتا في توقيته منذ تبني التقويم الشمسي الإسكندري. تستمر طقوس الندب على أوزوريس القتيل في عيده السنوي مدة أربعة أيام، تمثل خلالها دراما حياته القصيرة وعذاباته وبعثه، وتتشابه هذه الطقوس مع غيرها من طقوس الإله الابن القتيل، حيث يقود الكهنة جموع الندابين، فيقرعون صدورهم ويلطمون وجوههم وينكئون جراحهم القديمة، ويقومون بالبحث عن أوزوريس الفقيد حتى يجدوه، فيعلنون عودة الإله إلى الحياة وتبدأ الأفراح. وقد تمثل عودة أوزوريس إلى الحياة بطفل صغير يرفعه كاهن يمثل الإله أنوبيس، الذي ساعد إيزيس في البحث والعثور على زوجها. وفي ذلك إشارة خفية إلى كون أوزوريس هو الأخ والزوج والابن في آن معا. وطيلة أيام الطقوس ينصب في المكان تمثال خشبي لبقرة متشحة بالسواد يرمز للإلهة إيزيس، وقد يحمل تمثال البقرة هذا ويطاف به، لتمثيل طواف إيزيس الطويل في رحلة البحث عن أوزوريس.

80

Unknown page