Lughz Cishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Genres
فالسيدة العذراء هي صوفيا، حكمة الرب التي صاغها اللوغوس منذ الأزل، فكانت معه قبل تجسيدها في الزمان والمكان، وعادت إلى السماوات بعد فناء جسدها الأرضي لتأخذ مكانها إلى جانب الثالوث المقدس،
27
من ألقابها «مقر الحكمة»،
28
ومنها استمد القديسون حكمتهم. يروي القديس يوحنا الفم الذهبي أن انكشاف بصيرته قد تم بخارقة من خوارق السيدة العذراء. فبينما كان أمام تمثالها يوما يصلي وهو ما زال طفلا، فإذا بالحياة تدب في التمثال وتخاطبه العذراء قائلة: يوحنا، تعال قبل شفتي ولسوف تحل عليك بعد ذلك المعرفة. فتقدم منها بعد تردد، ثم طبع على شفتيها قبلة كانت كافية لأن تملأ كيانه حكمة ومعرفة.
29
سيدة الجنون «خذوا الحكمة من أفواه المجانين» قول عربي مأثور، يصل عالم الحكمة بعالم الجنون، ويلخص نظرة الثقافات القديمة إلى بعض أنواع الجنون، التي ليست في حقيقتها سوى شكل من أشكال الحكمة العشتارية. إن حكمة الليل التي تدير وجه صاحبها عن صحو النهار ومنطق الشمس، هي انفصال عن الواقع وإيغال في عوامل الباطن حيث يخفت تدريجيا إيقاع الزمن الأرضي، وتخبو تكتكات الدقائق والساعات، لينفتح عالم الصمت وتزحف استطالات الزمن الراكد. حيث المعرفة غير المنطوقة، ولذاذات الروح التي لم تكن لذاذات الجسد إلا مقدمة لها وبشارة. حيث المهابط، التي تشد السالك إلى مركز السر الأعظم، معارج للصعود نحو الملكوت الأعلى؛ حيث اللحظة الزمنية، آنا بلا نهاية في أعماق جسد عشتار الليلي.
حكمة الشمس زاد لواقع اليوم، تدبير لشئونه، وحكمة القمر زاد للغد الآتي حيث يحجب الموت نور الشمس فاتحا بوابة الظلمة المديدة. حكمة الشمس ترويض للعقل وحكمة القمر ترويض للروح، تهيئة في هذا العالم لما سيأتي وراءه. في حكمة الشمس إضعاف للروح، وفي حكمة القمر إضعاف للعقل. وتناوس السالك بين عالم النور وطوايا الظلام قد يتوقف ليختار الفرد عالم الظلام، ويغلق على نفسه تماما في رحلة لا عودة منها، رحلة يسميها الناس جنونا، ويختبرها أهلها انجذابا وكشفا. ولنا في مجاذيب التصوف خير مثال على هذه الخبرة، وفي كلمة «مجذوب» أفضل دليل على أصل الجنون المقدس الذي يعانيه أصحابه «انجذابا» نحو قوة داخلية علوية في آن معا.
تقول الأم المصرية قديما عن نفسها: «أنا ما كان، وما هو كائن، وما سوف يكون، وما من بشر قادر أن يرفع عني برقعي.»
30
Unknown page