كان العسكري، ولنسمه صميدة يعمل ثماني ساعات ويستريح مثلها، ويبادله العمل والراحة زميله، زميل لا علاقة له بكل ما ذكرنا، ما لاحظه ولا كان على استعداد للاهتمام به؛ فهو في السن أصغر، وتلك أول مرة يتغرب فيها عن زوجته وابنه الحديث الولادة، وهو دائما، بالخواطر معهما، لم يحس للحظة واحدة بما على قيد خطوات منه يحدث!
وقضى صميدة، الأربع والعشرين ساعة بجوار صاحبه العجوز الذي رقد منها نصفها وعاد إلى طبيعته من نصفها الآخر وجلس وأكل وتحدث. وصميدة صامت يجتر الغيظ ويستعيد بغضب ما يفعله بالرجل حين يجيء. ولكن إن أناسا كثيرين جاءوا وذهبوا دون أن يبدو للرجل أثر، حتى أغمض مرة عينيه، ورغم أن إغفاءته لم تطل أكثر من لحظات، إلا أنه كان قد حلم فيها أن الرجل جاء، والعجيب أنه لم يكن كما تصور أبدا شيطاني الملامح يقدح الشر من عينيه، كان يبدو كالنوع «السهتان» من الرجال، النحيف، القصير، وكان وجهه «سادة» تكاد لولا وجوده أن تعتقد أنه بلا ملامح، وربما وجهه الخالي من الانفعال ذلك هو ما جعل صميدة يحس بالضيق الشديد منه وبالرغبة الملحة في قتله، وهو صعيدي وعربي يعرف معنى القتل ويفهمه، رغبة بلغ من شدتها وإلحاحها أن أيقظته، وحين صحا وجد عم حسن يحدق فيه بعين مفتوحة ونصف الأخرى الذي أصبح قادرا على فتحه، وظل يحدق فيه لبرهة ثم قال: شفته!
وكاد يقول: شفته، لولا أن عقله ارتبك وتساءل: كيف عرف عم حسن أنه كان يحلم، وأن الرجل جاءه في الحلم؟
وسأله: إيش عرفك إني شفته؟
فقال عم حسن: ما هو كان هنا ولسة ماشي!
فقال صميدة: أنت راخر حلمت به.
فاستنكر عم حسن: حلمت إيه. أنا صاحي. وجه وافتكرتك شفته واستغربت إنك ما قلتلوش حاجة!
وأحس صميدة بالخوف، من المرات النادرة القليلة التي أحس فيها بالخوف إلى درجة كاد يخبر عم حسن أنه يوافق أخيرا على رغبته وأنه سيكلم له أول سائق يمر!
ولكن العناد، ذلك الشيء المركب فينا يفسد علينا لحظات الاستسلام للواقع، ثار وأبى. وفي ومضة كان صميدة قد قرر إما هو أو ذلك الرجل.
وانتقل صميدة إلى عشة عم حسن يقضي فيها ساعات راحته، والعشة نفسها نقلها بحيث أصبحت تواجه الكشك تماما، ولو استطاع لجعلها ملاصقة له.
Unknown page