واحترت ماذا أفعل والسماعة في يدي بدأت تنقنق وتقول: أيوة يا مكتب الصحة!
وبدري يقول: أنا أستاهل وديني في داهية ما ترحمنيش!
والأصغر يقول: كل اللي قاله بدري مضبوط، أنا مجنون.
والأوسط يقول: ما تسمعش كلامه، أنا بداله!
والسماعة معلقة في يدي، ينبعث منها الصوت الأخنف المزعج، مستعجلا نص الإشارة، وكأنه صوت القانون يطالب بتطبيقه وإبلاغ الإشارة وسجن الأخ.
ويا لها من لحظة، تلك التي تحس فيها أن مصير إنسان معلق بكلمة تقولها أو زناد تضغطه.
لحظة خيل إلي أنها طالت وامتدت، وأن المشهد نفسه طال وامتد وتجمد، وأنه سيظل هكذا لن يتحرك أو تدب فيه الحياة إلا حين أفتح فمي وأنطق كلمة.
ولأمر ما أحسست أني، بدموع داخلية، أبكي. وأتذكر إخوتي، وأحس أني رابع الثلاثة الواقفين أمامي!
وصرفني الشعور بأني لا يجب أن أفعل كما فعل الأخ الأوسط وأضرب في المليان، وعن عمد قررت أن أنسى القانون، وأخطئ، وأنصت للهاتف في داخلي، وأسكت صوت السماعة.
سنة 1961م
Unknown page