Lugha Din Taqlid
اللغة والدين والتقاليد في حياة الاستقلال
Genres
إن الشاب الفرنسي يقرأ في كل سنة نحو ستين كتابا، فكم كتابا يقرأ الشاب المصري؟ اسألوا أنفسكم عما تذكرون من المؤلفات الحديثة، أو القديمة التي توصون بقراءتها من يستفتيكم من الشبان، لقد قضيت في مهنة التعليم نحو عشرين سنة، واختبرت ألوفا من التلاميذ في المدارس المصرية والأمريكية والفرنسية، وكنت أحض الطلبة على القراءة والاطلاع، وكان الطلبة يسألون: ماذا نقرأ؟ وأقسم صادقا إني لم أوفق مرة واحدة إلى الجواب؛ لأني لا أجد ما أوصي بقراءته غير عدد يسير جدا من المصنفات، لا يفتن ولا يشوق.
إن التأليف في مصر مشلول بالرغم من طنطنة المؤلفين، والأمة التي تعجز عن تثقيف أبنائها لا تعرف مقومات الاستقلال.
ينبغي أن يكون في مصر مؤلفات لكل جمهور، وفي مصر نحو عشرة جماهير مختلفة المشارب والأذواق، فما الذي صنع كبار المؤلفين لتغذية تلك المشارب والأذواق؟
على أن من التعسف أن نلقي اللوم كله على المؤلفين، فهذه الجماهير مسئولة أيضا عن كساد التأليف، إن هذه الجماهير لا تعرف المكتبات العمومية أو الخصوصية، وأنت في الأغلب تقول في سبيل التعريف: إن المكان الفلاني قريب من المحافظة، قبل أن تقول: إنه قريب من دار الكتب المصرية.
فما السبيل إلى تشجيع التأليف، وخلق ذوق القراءة والاطلاع؟
لنبدأ بالموظفين الذين ننفق عليهم نصف الإيراد.
إن جمهور الموظفين لا يقرأ، ولا يهمه أن يقرأ، مع أنهم يمثلون الجمهور النظيف، فإن كنتم في ريب من هذا الحكم الصارم، فانظروا مصير أهم المؤلفات، فإن أعظم كتاب في مصر لا يطبع في كل مائة سنة أكثر من مرتين ، أكان يصح ذلك لو كان الموظفون من عشاق القراءة والاطلاع وهم يعدون بالألوف؟
قد تقولون: إنهم يعوضون ما ينقصهم بالاطلاع على الجرائد والمجلات، وهذا أيضا غير صحيح، فالموظفون - في الأغلب - منقطعون عن الحياة الأدبية، وقد يلقاني الرجل منهم فيوجه إلي أسئلة عن ناس لا يعرف أن صلتي بهم انقطعت منذ سنين، وقد اتفق منذ أيام أن أرسل إلي أحد كبار الموظفين خطابا على كلية الآداب، مع أني فارقت تلك الكلية منذ أشهر طوال، ونشرت عن بعض خصومي فيها أكثر من عشر مقالات، وكنت أظن أن مثل هذا الحادث يصل صداه إلى جميع الآذان.
هذا عيب من عيوبنا، فلندمغه غير هائبين.
13
Unknown page