319

Lubāb al-taʾwīl fī maʿānī al-tanzīl

لباب التأويل في معاني التنزيل

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٥ هـ

Publisher Location

بيروت

ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة ولا أن يكون الخلف من قبلهم أحب إلي من أن يكون من قبلي فألحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم أنا في جمع كثير لا طاقة لهم بنا ولك عندي عشرة من الإبل أضعها لك على يد سهيل بن عمرو ويضمنها لك قال وجاء سهيل فقال له نعيم: يا أبا يزيد أتضمن لي هذه القلائص وانطلق إلى محمد فأثبته قال:
نعم، قال: فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان فقال نعيم: أين تريدون؟ قالوا:
واعدنا أبا سفيان أن نلتقي بموسم بدر الصغرى فقال نعيم بئس الرأي رأيتم أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلّا الشريد أفتريدون أن تخرجوا إليهم وقد جمعوا لكم عند الموسم والله لا يفلت منكم أحد فكره أصحاب رسول الله ﷺ الخروج فقال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فأما الجبان فإنه رجع وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فخرج رسول الله ﷺ في أصحابه حتى وافوا بدر الصغرى وكانوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يريدون بذلك أن يرعبوا المسلمين فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل. حتى بلغوا بدر الصغرى وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها كل عام ثمانية أيام فأقام رسول الله ﷺ ببدر ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبا سفيان من مجنة إلى مكة فلم يلق رسول الله ﷺ وأصحابه أحدا من المشركين ووافوا السوق وكان معهم تجارات ونفقات فباعوا فأصابوا بالدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين فذلك قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول أي أجابوا الله وأطاعوه في جميع أوامره وأطاعوا الرسول أيضا مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ يعني من بعد ما نالهم من ألم الجراح لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا يعني أحسنوا بطاعة رسول الله ﷺ وأجابوه إلى الغزو واتقوا معصيته والتخلف عنه أَجْرٌ عَظِيمٌ يعني لهم ثواب جزيل وهو الجنة. قوله ﷿:
[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٧٣ الى ١٧٤]
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيمانًا وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤)
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ هذه الآية متعلقة بالآية التي قبلها لأن المراد بالذين من تقدم ذكره وهم الذين استجابوا لله والرسول وفي المراد بالناس وجوه أحدها: أنه نعيم بن مسعود الأشجعي فيكون اللفظ عاما أريد به الخاص وإنما جاز إطلاق لفظ الناس على الإنسان الواحد لأن ذلك الواحد إذا فعل فعلا أو قال قولا ورضي به غيره حسن إضافة ذلك الفعل والقول إلى الجماعة وإن كان الفاعل واحدا فهو كقوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا والقاتل واحد والوجه الثاني أن المراد بالناس الركب من عبد القيس قاله ابن عباس ومحمد بن إسحاق. الوجه الثالث أن المراد بالناس المنافقون وذلك أنهم لما رأوا النبي ﷺ يتجهز لميعاد أبي سفيان نهوا أصحابه عن الخروج معه وقالوا لهم أن القوم قد أتوكم في دياركم فقتلوا الأكثر منكم فإن خرجتم إليهم لم يبق أحد منكم إِنَّ النَّاسَ يعني أبا سفيان وأصحابه من رؤساء المشركين قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ يعني الجموع الكثيرة لأن العرب تسمى الجيش جمعا ويجمعونه جموعا فَاخْشَوْهُمْ أي فخافوهم واحذروهم فإنه لا طاقة لكم بهم فَزادَهُمْ إِيمانًا يعني فزاد المسلمين ذلك التخويف تصديقا ويقينا وقوة في دينهم وثبوتا على نصر نبيهم ﷺ وفي هذه الآية دليل لمن يقول بزيادة الإيمان ونقصانه لأن الله تعالى نص على وقوع الزيادة في الإيمان وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ أي كافينا الله هو الذي يكفينا أمرهم فهو كقول امرئ القيس. وحسبك من غني شبع. وروي أي يكفيك الشبع والري ونعم الوكيل يعني ونعم الموكول إليه في الأمور كلها وقيل الوكيل هو الكافي يكفينا الله ونعم الكافي هو. وقيل الوكيل هو الكفيل ووكيل الرجل في ماله هو الذي كفله وقام به والوكيل في صفة الله تعالى هو الكفيل بأرزاق العباد ومصالحهم وأنه الذي يستقل بأمورهم كلها (خ) عن ابن عباس قال في قوله تعالى: إِنَّ النَّاسَ قَدْ

1 / 322