وقد كنت ودعت الكرسي أعراقه ... أنظم فوق الحد من لؤلؤ نثر
يحدث أعلام الورى عن علومه ... وينطق عن إحسانه أنس العجز
يبشر آمال الورى قبل جوده ... شبران منه من حياء ومن بشر
وكلتا يديه السعادة أنه فيمناه ... من يبس ويسراه من يسر
بتمام يفوق الأنجم الزهر ... قدره ولا عزم وليس البدر
كالأنجم الزهري فدونك يا كهف ... الأنام قصيدة مهذبة مثل الحمار على البحر
وحونه عطر من مثالى فتحتها ... ولا محبنا بعد العرائس للعطر
وقد كتبت إليه على الرسم التعزية بعد موت عمه السيد الأجل العزيز رحمه الله تعالى قصيدة نونيه منها:
قد فرس طل عني رايد الوسن ... وباض في عز قلبي طائر الحزن
لواعج الحزن في الأيام لو وقعت ... بين الدجى وأنسًا سار على سنن
عمر الخلائق طيف لا تواله ... وسلمه هديه تبدو على وحن
لا تركنن إلى الدنيا وزينتها ... فإن نعمتها روض على ذمن
فأجابني وشرفني بأبيات علوت بها فوق الفرقدين فخرًا وادخرتها لأقاربي وأولادي إلى يوم القيامة ذخرًا، وهي قصيدة طويلة منها:
يا من تطول في إهداء منطقه ... أدخل مني محل السيف في الأذن
حسبب شعرك والطبع الجواد به ... ما تفجر من مستوقد السكن
لا تعتبن على دهر يريك أذى ... فالحر ليس بحيال من أذى الزمن
يشكو الزمان وتيسًا لا مدر له ... راجع نهال فما للتيس من
ليس الورى تعمى رتب الدهر معتديًا ... ليس على علق بمؤتمن
فنون آدابه عدت فزدت تحى ... تحيى المطوقة العمرى فتن
ثم استلبت لبأس المال معتصبًا ... وما استلبت لبأس العلم والفتن
لولا التسلي بأنسابي ومرتبتي ... لقلت يا ليتني في الخلق لم أكن
أعجب بأحوال دنيانا وأعجبها ... في دهرنا علوي ذا محن
إن رق شعري ولم يظهر متابته ... فاعذر بأحسن أني أبو الحزن
فثق بعهدي ولا تخش الخلاف قلبي ... مع الأفاضل عهد وليس بالدون
وما نسيت ولا أنسى مصاحبه ... في المنزل السهل أو في المنزل الحسن
وقضي ذلك السيد الأجل الكبير جلال الدين ليلة الخميس الثامن من ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وعود بيانه، غض طري، ورد عمره، ورتق بهي طري، وغصن عمره، ناظر الدهر يطرف فضائله، وكان كوكبًا دريًا، طلع من سماء النبوة فأفل وغاب، وجوهر طرفي شرف الصدف فذاب واحر ما لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الأحياء لتلهيت بموته أضالعه، وانهلت مدامعه.
اللهم ارفع درجته وبيض غرته، واسبغ عليه وعلى ضريحه بحار الرحمة، وأنجز ما وعدته من نيل النعم الفاخرة، وثبت أقدامه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وكانت بيننا حقوق مراضعة في حولين كاملين على وجه يوجب مرافقة كمرافقة الفرقدين، وكنت أبكي على وفاته كما قيل:
يكتب وما من بعد دمع تأسفًا ... فلم يبق لي دمع ولم يبق لي دم
وأما السيد الأجل الكبير العالم جمال الملة والدين ولده الكبير، وله طبع أسقى ماء المزن، وخاطرة وقاد يحكي صيقل الحزن، ومن عزيز منظومه ما أفردته في كتاب وشاح دمية القصر وهو:
يا ضيب في صميم القلب مرعاها ... والقلب في ذبيح الأحزان حاشاها
فما حشيت على قلبي وحرقته ... أخشى عليها لان القلب مأواها
للغصن قامتها للمسك نفحتها ... للحمر ريقها للورد خراها
ما روضة للعلى إلا رعيناها ... ما حله للعدى إلا غزوناها
قاسيت للمجد حتى ظفرت به ... وكل من طلب العليا قاساها
1 / 56