وبهتت إيفون، ثم قالت: إذن فهم يمنعونني عنك أنت أيضا.
أطرقت منى وقالت إيفون: من طلب منك هذا؟
وظلت منى مطرقة لا تجيب، وقالت إيفون: أهو أبي؟
وقالت منى في استخذاء: ميشيل.
وأحست إيفون كأن الطعنة تخف عنها هونا فقالت: حسنا، وداعا.
ونزلت السلم وخرجت إلى الطريق، ومشت لا تعي شيئا ولا تدري أين تولي وجهها. وطال بها السير وطال، هي تمشي من طريق إلى طريق، تقودها قدماها لا عيناها. دموعها تنثال في سكون فلا تستطيع أن تخفف مما بها شيئا. كانت الشمس قد أخذت في المغيب، ولكن النور كان لا يزال يغمر الكون. وأحست إيفون لذعة من برد فأمسكت ذراعيها بيديها، فبدت كأنها تحتضن نفسها. ونظرت حواليها وكأنها تلتمس ملجأ. ودارت بعينها في المكان فوجدت بيوتا أبوابها جميعا مقفلة، ثم رأت كنيسة بابها مفتوح على مصراعيه، وفي حزم مشت إلى الكنيسة فدخلتها. وطالعها تمثال المسيح في صدرها، وركعت أمامه في إجلال، وراحت تحادثه كأنما تكلم شخصا تراه ويراها: أيها المسيح الحي، يخيل إلي أنهم صلبوك لتظل إلى الأزل مفتوح الذراعين مرحبا بالتائبين. يا أيها الروح القدس إنني تائبة، إنني أعود إليك وأعلم أنك قد قبلت عودتي.
وظلت إيفون راكعة في مكانها. وأطالت الركوع حتى أحست أنها أصبحت تستطيع أن تصنع ما كانت تخاف أن تصنعه منذ زمن طويل.
قامت إيفون وخرجت من الكنيسة، وعلى ضوء المصابيح الباهرة أخذت طريقها إلى بيت أبيها.
الفصل التاسع عشر
أرادت زكية أن تقيم لابنها فرحا، ولكن الشيخ سلطان أبى عليها ذلك. أما حميدة فقد استطاعت أن تقنع رضوان أفندي بإقامة الفرح فأقامه. وكانت ليلة. واستطاع لطفي أن يخلو إلى وهيبة، والناس في شغل عنهم بالعروسين، وقال لطفي: مبروك يا وهيبة!
Unknown page